كتب- سمير عثمان
“عندي ولدان، مصطفى وخالد.. مصطفى خرج من المدرسة، وهو في سنة تانية ثانوي تجاري ومرضيش يكمل تعليمه، وهو قاعد جمبي مش عارف يلاقي شغل؛ بسبب أنه مدخلش جيش، وخالد بدأ يشتغل، وهو في 2 إعدادي عشان يساعد في مصاريف البيت، لأن من بعد انفصالي أنا وأبيه ومع الجنون في زيادة الأسعار مبقتش قادرة، أوفي التزامات البيت والدراسة”.
حاولت كريمة صاحبة الـ 46 عامًا، من محافظة سوهاج، ألا يلقى خالد نفس مصير شقيقه الأكبر بالتسرب من التعليم، وهو ما دفعها إلى أن تجبره على ترك العمل والاهتمام بالدراسة، من أجل أن يضمن مستقبل أفضل، فيما خاضت هي رحلتها إلى سوق العمل؛ من أجل القدرة على الوفاء باحتياجاتها واحتياجات أبنائها المنزلية والدراسية.
شكلت أزمة التسرب من التعليم أحد المعضلات أمام الدولة المصرية التي تعمل على تطوير العملية التعليمية، بما يحقق عائدا اقتصاديا ومردودا ثقافيا للدولة، كما تعاني الأسر المصرية من هذه المعضلة التي تتداخل مع عدة إشكاليات أخرى منها مشكلات اقتصادية واجتماعية وثقافية وجغرافية أيضًا.
بحسب المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الألكسو”، فإن التسرب من التعليم هو أحد أشكال الفقر التربوي، وترك التلميذ للدراسة في مرحلة ما، بينما عرفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” التسرب، بأنه عدم التحاق الأطفال الذين هم بعمر التعليم بالمدرسة أو تركها، دون إكمال المرحلة التعليمية التي يدرس بها بنجاح، بينما يعرف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء التلميذ المتسرب في النشرة التي يصدرها سنويًا عن التعليم قبل الجامعي، بأنه التلميذ المنقطع عن الدراسة لمدة عامين متتاليين؛ بسبب غير النقل أو الوفاة أو الإعادة من مجموع الطلاب المستجدين الذين التحقوا بالمرحلة قبل عامين.
تعددت أسباب التسرب من التعليم، ما بين أسباب اقتصادية مثل القدرة المالية، وثقافية تتعلق بعدم رغبة الفرد أو الأسرة في تعليم أبنائها، واجتماعية متعلقة بانفصال الوالدين أو وفاة أحدهما أو زواج الفرد، أو العمل، وجغرافية مرتبطة بالموقع الجغرافي للأسر وعدم قدرتها على الوصول للمدرسة.
وفقًا للكتاب الإحصائي السنوي لوزارة التربية والتعليم، فعلى الرغم من أن عدد المستجدين بالمرحلة الابتدائية منذ عام 2014 حتى عام 2022/ 2023، زاد أكثر من 4 ملايين تلميذ، كما ارتفع عدد المستجدين في المرحلة الإعدادية أكثر من مليون ونصف تلميذ، فإن أعداد المتسربين من التعليم في المرحلتين الابتدائية والإعدادية للعام الدراسي 2022/ 2023، انخفضت خلال تلك الفترة، حيث بلغت حوالي 76 ألف تلميذ وتلميذة، بانخفاض كبير عن عام 2014، حيث بلغت أعداد المتسربين حوالي 205 آلاف تلميذ وتلميذة.
تحليل البيانات، أشار إلى أن العدد الأكبر من المتسربين من المرحلة الابتدائية للعام الدراسي 2022/ 2023، كان في المحافظات الحضرية والعاصمة، وتصدرت الجيزة أعلى المحافظات، تلتها القاهرة، ثم أسيوط، بينما كان العدد الأقل في المحافظات الحدودية.
الدكتور تامر شوقي، أستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس، أكد أن أحد أسباب تصدر محافظتي الجيزة والقاهرة في أعداد المتسربين، كان هو الوافدين من محافظات الصعيد والدلتا، مشيرًا إلى أنه يوجد عدد كبير من الوافدين في الجيزة والقاهرة؛ بسبب ندرة فرص العمل بالمحافظات التي جاءوا منها، وهذه الأعداد كثير منها يعتمد على العمالة اليومية، وتتأثر تأثرًا كبيرًا بالأوضاع الاقتصادية.
وتابع شوقي، أن العديد من الوافدين يقوم بتشغيل أبنائه؛ من أجل تحسين مستوى المعيشة، وبالتالي تتأثر دراسة الطفل؛ بسبب العمل الذي بدأ في ممارسته، منوهًا أن جزءا آخر متعلق بعدم تعليم الفتيات؛ بسبب عدم القدرة المالية.
في دراسة بعنوان “التسرب من التعليم قبل الجامعي في محافظة الجيزة– دراسة في جغرافية المكان” للدكتور علاء حماد المدرس بقسم الجغرافيا بكلية آداب جامعة بني سويف، تم رصد أبرز أسباب التسرب من التعليم بالمحافظة وعدد المتسربين بناء على إحصائيات تعداد سكان مصر 2017.
الدراسة رصدت، أن نسبة التسرب في محافظة الجيزة بلغ 9% من إجمالي المتسربين من التعليم على مستوى الجمهورية (4 سنوات فأكثر)، وجاءت في الصدارة بأكثر من نصف مليون تلميذ، فيما جاء عدد المتسربين (6- 20 سنة) بنسبة 9.3% بواقع 104.9 آلاف تلميذ.
ووفقًا للدراسة، فقد بلغت أكبر نسبة للتسرب في مدينة الجيزة 39.5% من إجمالي المحافظة، كما تم تقسيم مراكز المحافظة إلى عدة أقسام، القسم الأول يضم المراكز التي زادت نسبة التسرب فيها عن 10%، وهي المراكز الريفية ومنها، أطفيح وأبو النمرس والصف ومنشأة القناطر، وذلك بسبب زيادة الأنشطة الأولية بها وارتفاع معدلات الفقر.
القسم الثاني، ضم المراكز التي تتراوح نسب التسرب فيها بين 6% و10%، وهي البدرشين وكرداسة وأوسيم والواحات البحرية والعياط، أما القسم الأخير يضم المراكز التي يقل التسرب فيها عن 6%، وهي مدينة الجيزة والحوامدية وأكتوبر والشيخ زايد، وجاءت النسب المنخفضة؛ بسبب ارتفاع المستوى الاقتصادي بهذه المراكز، فيما ارتفعت نسبة الإناث المتسربات عن الذكور، وجاءت 7.9% للإناث مقابل 6.7% للذكور.
كما أوضحت الدراسة، أن النسبة الأكبر من المتسربين جاءت في الريف بعدد 297 ألف تلميذ، مقابل 258 ألف تلميذ في الحضر، وذلك على الرغم من أن سكان الحضر يمثلون 61% من سكان المحافظة، وتمثلت أبرز الأسباب في ارتفاع المستوى التعليمي في الحضر عن الريف، وكذلك ارتفاع المستوى الاقتصادي.
تحليل البيانات، أوضح تصدر محافظة أسيوط العدد الأكبر من المتسربين في المرحلة الإعدادية لنفس العام، تلتها محافظة البحيرة ثم الجيزة والقاهرة، كما حافظت المحافظات الحدودية على النسبة الأقل في التسرب من التعليم في المرحلة الإعدادية.
تحليل البيانات كشف عن ظاهرة، تحتاج إلى دراسة حول الأسباب التي أدت إليها، وهي ارتفاع نسبة المتسربات من التعليم من الإناث منذ العام الدراسي 2019/ 2020 عن السنوات السابقة، وخلال العام الدراسي 2022/ 2023، تصدرت العاصمة والمحافظات الحضرية (الجيزة والقاهرة والإسكندرية على التوالي) في نسبة الإناث المتسربات 0 من التعليم في المرحلة الابتدائية، وفي المرحلة الإعدادية تصدرت محافظات أسيوط والبحيرة والجيزة على التوالي، في نسبة الإناث المتسربات، كما تزايدت أعداد الفتيات المتسربات في المرحلة الإعدادية عن الذكور، وجاءت النسبة 0.72% فتيات، و0.59% للذكور.
وعلى الرغم، من أن عدم رغبة الفرد أو الأسرة جاءت أبرز اسباب التسرب من التعليم، إلا أن الدكتور تامر شوقي، يوضح أن عدم رغبة الأسرة أو الفرد قد تأتي؛ بسبب الضغوط الاقتصادية والفقر وعدم القدرة على التعليم، وهي عوامل مرتبطة ببعضها، مشيرًا إلى أن الظروف المادية أو الاقتصادية ليست الأولى، ولكنها سببًا متراكبًا ومؤديًا إلى بقية الأسباب التي تأتي أولًا.
بتحليل بيانات بحث الدخل والإنفاق لعام 2018، الصادر من جهاز التعبئة والإحصاء، وهو أحدث إحصاء متاح حول نسب الفقر بالمحافظات، فإن ارتباط التسرب من التعليم بالفقر في السنة الدراسية 2022/ 2023، كان ضمن الأسباب، ولكنه لم يحتل المرتبة الأولى لأسباب التسرب على السواء بالنسبة للمحافظات، حيث أن محافظات (الجيزة والقاهرة)، وهي الأعلى في نسب التسرب في المرحلة الابتدائية، لم تكن ضمن المحافظات العشر الأولى في نسب الفقر، وكانت نسبة الفقر بها على التوالي (34%، 31.1%).
بينما جاءت محافظة أسيوط، وهي الأعلى في نسب التسرب بالمرحلة الإعدادية، في المرتبة الأولى بالمحافظات الأعلى فقرًا، فيما جاءت محافظة جنوب سيناء، وهي الأعلى في نسبة الفقر المدقع، في ذيل قائمة المحافظات الأكثر تسربًا من التعليم.
وفق آخر تعداد سكاني أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في عام 2017، وهو التعداد الشامل للدولة، فإن أبرز أسباب التسرب من التعليم هو عدم رغبة الفرد، أو الأسرة في التعلم، ثم الظروف المادية.
البيانات أوضحت اختلافًا كبيرًا بين الحضر والريف في أسباب التسرب من التعليم، حيث تزايدت أعداد غير الراغبين في التعليم في الريف عن الحضر، وهو ما يعكس ارتفاع نسب الفقر في الريف عنها في الحضر، كما جاءت ظاهرة الزواج لمن هم في سن التعليم قبل الجامعي، حيث وصل عدد الأطفال الذين تسربوا من التعليم؛ بسبب الزواج إلى أكثر من 60 ألف حالة في الريف، مقابل أكثر من 10 آلاف في الحضر، وهي الظاهرة التي تعمل الدولة على الحد منها في زواج القاصرات، البيانات كشفت أيضًا عن عدم قدرة أكثر من 58 ألف تلميذ من الوصول إلى المدارس، منهم 41 ألف طفل في الريف.
يقول أحمد حلمي، من قرية أبو حزام بمحافظة قنا، إن أهالي القرية منعوا أطفالهم من الذهاب للمدارس خلال العام الماضي، بسبب وجود ثأر بين عائلتين بالقرية، ترتب عليه العديد من الضحايا، وبسبب خوف الأسر على أبنائهم، منعوهم من استكمال العام الدراسي.
وأضاف أحمد، أن هناك العديد من الأهالي بالقرى المجاورة لا يستطيع أبناؤهم الوصول إلى المدرسة، سواء بسبب الخلافات الدموية بين الأهالي، أو بُعد المسافة والتكلفة المادية المرتفعة، مشيرًا إلى أن عددا من الأهالي قاموا بنقل أبنائهم إلى مدارس خارج القرية؛ بسبب حوادث القتل المتكررة، ولكن جزءا آخر لا يستطيع تحمل تكاليف الانتقال لمنطقة أخرى، وهو ما يؤثر على مستقبل الأبناء.
وعن أبرز الأسباب والدوافع التي تدفع التلاميذ للهروب من التعليم والدراسة، أكد الدكتور تامر شوقي، أن هناك عدة أسباب منها، أن المناهج الدراسية لا تراعي ميول واهتمامات التلاميذ، فضلًا عن صعوبة تعامل الأطفال، خاصة محدودي الذكاء والقدرات العقلية مع هذه المناهج، وكذلك غياب الأنشطة المدرسية التي تجذب الطلاب للدراسة، والكثافة العالية للفصول، والتي لا تسمح للمعلم بالاهتمام بكل التلاميذ، ولا تعطي للمتعلم فرصة الحصول على تعليم جيد.
وأضاف الخبير التربوي، أن النقص الشديد في أعداد المدارس والفصول الذي دفع وزارة التربية والتعليم إلى تقسيم اليوم الدراسي لفترتين، وهو ما يؤثر على المستوى التعليمي، بالإضافة إلى النقص في أعداد المعلمين، ولجوء وزارة التربية والتعليم إلى تعيين المدرسين غير الممارسين لمهنة التعليم، مما قد يعكس عدم قدرتهم على استيعاب احتياجات الطلاب، وقلة الاهتمام ببرامج الرعاية النفسية والاجتماعية للتلاميذ مع ارتفاع أعدادهم.