وافق مجلس النواب المصري على مشروع قانون اللجوء المقدم كالعادة من الحكومة، حيث باتت الحكومة هي صاحبة الاختصاص الفعلي للتشريع على عكس نصوص الدستور، التي تضع الأولوية للهيئة البرلمانية، بحسب أنها السلطة التشريعية الأصيلة، وأن الحكومة هي مجرد أحد السبل للتشريع، وليست السبيل الأعظم والدائم، وهو الأمر الذي تؤكده القوانين التي صدرت خلال السنوات الاخيرة، والتي أعد معظمها وقدمتها الحكومة المصرية.

وبحسب أن مصر من بين الدول المنضمة للعديد من الاتفاقيات المتعلقة بتنظيم أوضاع اللاجئين، أبرزها اتفاقيات الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين، ومنظمة الوحدة الإفريقية، وبروتوكول تعديل الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين. كما ينص الدستور المصري في مادة رقم 91، على أن تمنح الدولة حق اللجوء السياسي لكل أجنبي اضطُهد؛ بسبب الدفاع عن مصالح الشعوب أو حقوق الإنسان أو السلام أو العدالة، مع حظر تسليم اللاجئين السياسيين، ذلك بخلاف ما أتى النص عليه في العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية أو المدنية والسياسية، وهو الأمر الذي يوجب على الدولة، أن تلتزم بكل هذه الاتفاقيات، كما أن ذلك يعد تأكيدا لمفهوم الدستور المصري من اعتباره، أن قيمة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تصادق عليها مصر في مرتبة القوانين الداخلية.

فهل تتحسس الحكومة المصرية، بحسبها صاحبة القانون، بكل هذه النصوص الاتفاقية الحقوقية التي انضمت إليها؟ أم للأزمة الاقتصادية التي تمر بها الدولة المصرية دورا بارزا في مقصد إصدار ذلك القانون، خصوصا مع تزايد أعداد السودانيين في مصر في الفترة الأخيرة، بخلاف أعداد السوريين المقيمين في مصر، منذ انطلاق الأحدث السورية، وهو الأمر الذي يؤثر على الاقتصاد الداخلي لمصر.

  ويضم قانون لجوء الأجانب المقدم من الحكومة المصرية للبرلمان 39 مادة، أبرزها تشكيل لجنة دائمة لشؤون اللاجئين، تتبع مجلس الوزراء، تتولى جمع البيانات والإحصائية الخاصة بأعداد اللاجئين، وكذلك الفصل في طلبات اللجوء، وحدد القانون توقيتات للفصل في الطلب خلال 6 أشهر من تاريخ تقديمه، إذا كان طالب اللجوء قد دخل بطرق مشروعة. وترتفع مدة الفصل إلى عام في حال دخوله بطريق غير قانونية، مع منح الأولوية لذوي الإعاقة والمسنين والحوامل والأطفال وضحايا الإتجار بالبشر والعنف الجنسي، كما ومنح القانون عدة حقوق للاجئ، أبرزها حظر تسليمه إلى الدولة التي يحمل جنسيتها، والحق في التقاضي والإعفاء من الرسوم القضائية، وكذلك الحق في التعليم الأساسي والحصول على رعاية صحية مناسبة والحق في العمل لحسابه وتأسيس شركات أو الانضمام لشركات قائمة، وعدم تحميله أي ضرائب أو رسوم أو أعباء مالية أخرى، علاوة على منح اللاجئ حق التقدم للحصول على الجنسية المصرية. كما أن القانون قد حظر على اللاجئين مباشرة أي نشاط سياسي أو حزبي أو نقابي.

ومن أسباب رفض طلب اللجوء بحسب القانون، أنه لا يُقبل طلب اللجوء، إذا توافرت في طالب اللجوء أسباب جدية لارتكابه جريمة ضد السلام أو الإنسانية أو جريمة حرب، أو إذا ارتكب جريمة جسيمة قبل دخوله جمهورية مصر العربية، أو إذا ارتكب أي أعمال مخالفة لأهداف ومبادئ الأمم المتحدة، أو إذا كان مدرجاً على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين داخل جمهورية مصر العربية وفقًا للقانون، أو إذا ارتكب أي أفعال من شأنها المساس بالأمن القومي أو النظام العام.

وفي حال رفض طلب اللجوء تطلب اللجنة من الوزارة المختصة إبعاد طالب اللجوء خارج البلاد، ويُعلن طالب اللجوء بالقرار، كذلك فإنه يسقط وصف اللاجئ، ويتم إبعاده فوراً عن البلاد، إذا كان قد اكتُسب بناء على غش، أو احتيال، أو إغفال أي بيانات أو معلومات أساسية، أو إذا ثبت ارتكابه لأي من المحظورات المنصوص عليها في القانون، ومن أهمها ارتكاب أي عمل من شأنه المساس بالأمن القومي أو النظام العام، أو يتعارض مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي أو جامعة الدول العربية، أو أي منظمة تكون مصر طرفاً فيها، أو أي عمل عدائي ضد دولته الأصلية أو أي دولة أخرى، أو مباشرته في مصر لأي عمل سياسي أو حزبي أو أي عمل داخل النقابات، أو التأسيس أو الانضمام أو المشاركة بأي صورة في أي من الأحزاب.

وعلى الرغم من انضمام مصر للاتفاقيات الحقوقية الخاصة باللاجئين، إلا أن مواد القانون المطروحة تحتوي على العديد من الإشكاليات القانونية التي قد تؤدي إلى نتائج ذات أثر بالغ الخطورة على حقوق اللاجئين أو ملتمسي اللجوء، وأيضا المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة المعنية بشؤون اللاجئين في مصر، كما أن أحكامه تسري فورًا على اللاجئين وطالبي اللجوء المتواجدين على الأراضي المصرية، سواء كانوا قد اكتسبوا صفة اللاجئ قبل صدور هذا القانون أو بعده. ولم يوضح القانون، ما الإجراءات التي يجب انطباقها على الأشخاص المسجلين أو المعترف بهم بالفعل، وما مصير بياناتهم المحفوظة في قواعد بيانات المفوضية السامية، المسئولة بشكل رئيسي، عن كل ما يتعلق بتنظيم أوضاع اللاجئين في مصر منذ القرن الماضي. كما أن نصوص القانون لم يتبين منها مصير المسجلين بصورة مؤقتة، أو من يمرون بالمراحل الإجرائية لتحديد وصف اللاجئ.

ومن الأمور المثيرة للدهشة، هو أن النصوص المقترحة تأتي بوجود لجنة مصرية للبث في طلب اللجوء، وهو ما قد يتعارض مع اختصاصات اللجنة الموجودة وفق المفوضية السامية لحقوق اللاجئين، هذا بخلاف عدم إقرار حقوق مماثلة في فترات طلب اللجوء حتى إقراره، وهل هناك أي أعباء مالية قد تترتب على طلب اللجوء؟

أمر هذا القانون، وفي هذا التوقيت، يثير دهشة غريبة تطرح العديد من التساؤلات المتفاعلة مع إقراره على صورته الحالية، والتي لم يتح للكثير الحصول على صورة متكاملة منها، إلا ما قد تم نشره عبر المواقع الإخبارية، بعد موافقة لجنة الدفاع والأمن القومية على المسودة الأولى لهذا القانون.

وفي الحقيقة، وعلى الرغم مما تمر به الدولة المصرية من أزمات اقتصادية، فإنه وفي جميع الأحوال يجب عليها الالتزام، بما أقرته وصادقت عليه من اتفاقيات دولية حقوقية مرتبطة بموضوع اللاجئين، كما وأنه كان يجب أن يتم عرض القانون على المتخصصين في هذا الموضوع، لإبداء الرأي فيه، ولجعل نصوصه متوافقة مع التزامات مصر الدولية في هذا الأمر، قبل طرحه على مجلس النواب والتصويت عليه وإقراره.