دار الكثير من الجدل أخيرًا حول التقييم العادل لأصول الشركات المصرية التي تعتزم الحكومة التخارج منها بشكل جزئي أو كلي، والتي تأثرت بارتفاع مستوى التضخم، وسعر صرف الجنيه أمام الدولار خلال الفترة الأخيرة.
تقييم الأصول عبارة عن عملية تحليلية شاملة؛ تهدف إلى تحديد القيمة العادلة لأصول الشركة، مع الأخذ في الاعتبار العديد من المعايير في مقدمتها الأداء المالي للشركة، والقدرة على توليد الدخل، ومخاطر الاستثمار.
كما توجد العديد من التقييمات للأصول، أشهرها القيمة الدفترية التي تقوم بتقييم الأصل، بناءً على قيمته بالميزانية العمومية للشركة، والقيمة السوقية التي تقيم الأصل بناءً على سعره في السوق، وهو تقييم يواكب التغيرات المستمرة في أسعار الأصول كالأراضي والعقارات.
وتوجد تقييمات أخرى مثل، التقييم بناء على التكلفة التاريخية كتقييم الأصل، بناءً على التكلفة وقت شرائه أو القيمة الاستبدالية، وهو حساب تكلفة إنشاء أصل جديد يعمل بالمجال ذاته (تقييم شركة حديد بناء على التكلفة الحالية لإنشاء شركة لها القدرة ذاتها).
لا توجد قاعدة بيانات محدثة بالأصول الحكومية
طالبت النائبة غادة علي، عضوة مجلس النواب، بوجود قاعدة بيانات متكاملة عن جميع الأصول التي تمتلكها شركات قطاع الأعمال العام القابضة والتابعة وتقييمها بالقيمة السوقية.
ووفقا لمقترح النائبة الذي قدمته لمجلس النواب أخيرًا، فإن التقييم السوقي ضروري لمعرفة حجم ثروات تلك الشركات، مع إعطاء الأولوية للأراضي والمباني والعقارات، ما يعزز تسويق الفرص الاستثمارية بمراعاة ضوابط الحكومة والشفافية.
ويوجد تقييمات متباينة لأصول شركات القطاع العام في مصر، يصل بعضها إلى ٥ تريليونات جنيه، لكن حال تقييمها دفتريا تتراجع تلك المبالغ بشكل كبير، ولا تزال بعض الجمعيات العمومية مثل، الحديد والصلب تعمل بالتقييم الدفتري.
نجحت الحكومة، في جمع 30 مليار دولار من تنفيذ المراحل الثلاث من برنامج الطروحات الحكومية خلال 26 شهرًا (الفترة من مارس 2022- يونيو 2024)، من خلال تنفيذ 33 عملية طرح فعلي للتخارج الكلي/ الجزئي من الشركات المملوكة للدولة.
تقييم الأصول ضروري لجذب المشترين
يقول حافظ سليمان، خبير تطوير الأعمال، إن إعادة التقييم بالقيمة السوقية؛ يهدف بالمقام الأول إلى الحفاظ على ثروة مصر العقارية، مبديًا استغرابه من تراخي مسئولي الشركات الحكومية المقيدة في البورصة في اتخاذ الإجراءات المطلوبة لإعادة التقييم؛ حتى من باب ذر الرماد بالعيون، لتكون تلك الشركات ومثيلاتها غير المقيدة معلن قيمتها، ما يجذب عيون المستثمرين المحتملين، ويجعلها جاهزة في حالة طرح حصص.
يؤثر ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة الجنيه بشكل كبير على منظومة الأعمال بوجه عام، ويتسبب هذا التأثير المزدوج في آثار بعيدة المدى على تقييم الشركات، كما يؤثر التضخم وانخفاض قيمة العملة على تكلفة رأس المال، مما يؤثر على معدلات الخصم المستخدمة في نماذج التقييم المختلفة.
بحسب الدراسات، تؤثر تقلبات أسعار الصرف على الأرباح والمراكز المالية المُعلن عنها، ما يمثل تحدياً في عملية التقييم، لكن في الوقت ذاته فالتضخم يرفع من قيمة الأصول كثيرا، فسعر متر الأرض في بعض المناطق تضاعف عدة مرات.
على سبيل المثال، تضاعف سعر متر الأرض في العاصمة الإدارية الجديدة خمس مرات منذ تدشينها، بينما وصل سعر متر الأرض في بعض المناطق الداخلية في المدن، حتى مستوى 60 ألف جنيه.
أضاف سليمان، أنه يجب على الشركات أخذ الدرس والعبرة في حصص الشركات التي تم بيعها في البورصة، وتضاعفت سعرها عدة مرات في غضون شهور، مطالبا بأن تقوم إدارة البورصة بالتعاون مع الرقابة المالية بنشر بيان توضيحي حول المعالجة الضريبة والإهلاك بالنسبة للأصول المعاد تقييمها.
القيمة الدفترية تتراجع بمرور الوقت
غالباً، ما تقل القيمة الدفترية للأصول بمرور الوقت، وذلك لأنه يتم استهلاكها وإهلاكها شهرياً أو سنوياً، لكن ووفقاً للمعايير المحاسبية فقد تظل القيمة الدفترية للأصل ثابتة بمرور الوقت، ولذلك يتم إجراء مقارنة بين القيمة الدفترية والقيمة السوقية للأسهم؛ لتحديد ما إذا كان يتم تسعير الأسهم بشكل صحيح.
أشار سليمان، إلى أن بعض شركات القطاع الخاص تقتنص الفرصة السانحة بإعادة تقييم الأصول بالقيمة السوقية العادلة، بدلاً من القيمة الدفترية التاريخية التي أكلها التضخم والفرق الشاسع بسعر الصرف، وذلك باعتبار هذا التغير الكبير على أساسه، صدرت قرارات مجلس الوزراء والرقابة المالية والجهاز المركزي للمحاسبات بتعديل معايير إعادة تقييم الأصول، خصيصا لهذا الغرض؛ لكي تعكس القوائم المالية بعدالة وشفافية حقيقة حقوق الملكية.
في 10 أكتوبر الماضي، عقدت اللجنة الفنية الدائمة للنظام المحاسبي الموحد والمعايير التابعة للجهاز المركزي للمحاسبات اجتماعا لمناقشة التعديلات الجديدة التي أدخلت على معيار المحاسبة المصري المتعلق بالأصول الثابتة وإهلاكها، واعتمدت نموذج إعادة التقييم؛ يهدف إلى إظهار القيمة العادلة للأصول، مما يسهم في تعزيز الملاءة المالية للشركات التي ستقوم بتطبيق هذا النموذج كسياسة محاسبية معتمدة.
بحسب “سليمان”، فإن حقيقة واقع قيمة الشركات والأصول المصرية لا تعبر عنها البورصة حاليًا، فأسهم مصر بـ”بلاش” في معايير التقييم التقليدية سواء مضاعف الربحية أو التدفقات النقدية المخصومة، وهي عاجزة أمام الحالة المصرية.
هل نحتاج وثيقة جديدة للدولة؟
وطالب خبراء بإصدار وثيقة جديدة للدولة لتحديد دورها في النشاط الاقتصادي، تُعبر عن سياسة وتوجه أكثر شمولًا، وليس مجرد البيع أو التخارج، مثل د. زياد بهاء الدين، الخبير الاقتصادي، الذي يرى أن الغرض من الوثيقة ليس وضع نسب محددة للتخارج من الصناعات المختلفة، تلتزم الحكومة بها، بل شرح وتوضيح سياستها العامة وتوجهاتها والمساحات التي تنوى تركها للقطاع الخاص، والمبادئ الضامنة للمنافسة السليمة.
أضاف أن مستهدفات التخارج الرقمية قد يكون موضعها في برنامج الحكومة السنوي أو في بيان آخر، ولكن ليس بوثيقة سياسات تحدد التوجه العام، مطالبا بالابتعاد عن مصيدة اعتبار أن إصلاح دور الدولة في الاقتصاد يتحدد فقط بمقدار تخارجها من النشاط الاقتصادي، وبقيمة ما تبيعه من أصولها («الخصخصة» بالتعبير القديم).
وأكد أن الهدف لا ينبغي أن يكون مجرد تحقيق حصيلة مالية، بل المطلوب هو سياسة أشمل، تتضمن- بجانب التخارج- قيام الدولة بوضع السياسات الجاذبة للاستثمار، والتشريعات التي ترمي إلى تحسين مناخ النشاط الاقتصادي، والمساندة الفعلية التي يمكن تقديمها للقطاع الخاص، وغير ذلك من الأدوار الإيجابية المختلفة والمرتبطة بمفهوم «دور الدولة بالنشاط الاقتصادي»، والذي لا يقتصر على التخارج.