ثلاثون يوماً من التحولات الكبيرة ، والنقلات المفاجئة على “رقعة شطرنج” عالم يغادر محطة القطب الواحد، بعد أن غادر ثنائية القطب، ليصل لأقطاب متعددة، يطمح كل منها في اقتناص المزيد من الرقعة التي تتسع للجميع ،لكنها لا تكفي أطماعهم.

أسماء عديدة أهمها ترامب، تستعد للقفز إلى مربع صدارة الحدث والمشهد، بينما بايدن يلملم أوراقه بعد أن خاب أمله في تواجد ولو خافت حال فازت نائبته، وبدا المقعد الأمريكي على مائدة اللاعبين الكبار متأرجحا بين احتمالات شتى، رغم حالة “شبه تيقن” سادت المساحات الأوسع من الكوكب الذي كان ينتظر نتائج الانتخابات الأمريكية.

الأسبوع الأول.. في انتظار ما لا يأتي

في الأسبوع الأول من نوفمبر، كان الترقب سيد الموقف، والمشهد ملئ فقط بالتساؤلات، متي تنتهي حرب غزة، إلى أين تذهب حرب أوكرانيا، من سيربح مقعد الرئاسة الأمريكي وما هي تداعيات فوز أي منهما على المنطقة والعالم؟

غابة من التساؤلات، لم يدعِ حتى أرسخ المحللين وأكثرهم خبرة وحنكة، امتلاكه ليقين بشأنها.

دكتور عبد المنعم سعيد، وصف المشهد في الأسبوع الأول من شهر التحولات الكبرى، بأنها أيام “في ظلال المجهول”، راصدا دوران عجلة الحياة، حول الحرب الجارية في منطقتنا، والتي بدأت بهجمة «حماسية» عبر أسوار غزة في 7 أكتوبر 2023، ولم تنته إلا بحرب ممتدة من غزة إلى الضفة الغربية، ومن هذه الأخيرة إلى الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

ويعتقد سعيد، أن المجهول الأول هو الإجابة عن السؤال، عما إذا كانت ستقوم حرب إقليمية، أم تظل مُحاصَرة في الثنائيات المذكورة أعلاه. تعبير الحرب الإقليمية يتجاهل أن الحرب باتت إقليمية تقريبًا منذ بدايتها، عندما بدأت «الميليشيات» في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن تمارس «وحدة الساحات»، في أولها، و«وحدة المساندة» في آخرها، بعد عمليات الاغتيال الإسرائيلية متعددة الأشكال.

بينما المجهول الثالث هو، أن هناك أزمة في القيادة في أمريكا وفي المنطقة، وبالتأكيد في فلسطين وفي إسرائيل؛ وطبعا كان المجهول الثاني، هو نتيجة الانتخابات الأمريكية التي رفض سعيد الارتكان إلى تأكيدات فوز ترامب.

وفي الإطار ذاته “البحث عن القطة السوداء في الغرفة المظلمة” طرح عبد الله السناوي تساؤلا عن مستقبل سيناء، منطلقا من وثائق وعد بلفور؛ ليؤكد أنه “وفق عشرات الوثائق البريطانية لم يتأسس «وعد بلفور» على أسطورة «العودة إلى أرض الميعاد»، لكنه وظفها لمقتضى رؤية استراتيجية لمستقبل العالم العربي ــ مصر بالذات وبالتحديد”.

ويعود السناوي لوثيقة هي المذكرة التي تلقاها رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج ــ بعد أربع سنوات من إعلان وعد بلفور ــ باقتراح مدير العمليات في الشرق الأوسط الكولونيل ريتشارد ماينر تزهاجن، “ضم سيناء إلى فلسطين”، حتى يكون ممكنا “وضع حد فاصل”.

سؤال السناوي لم يكن بعيدا عن الحرب الدائرة على الحدود مع فلسطين المحتلة، بل جزء من تحذير واضح: “إذا سقطت المقاومة الفلسطينية، فإن مشروع التهجير القسري سوف يأخذ مداه من غزة إلى سيناء، ومن الضفة الغربية إلى الأردن. وإذا سقطت المقاومة اللبنانية، فإن زلازل المشرق العربي بتصدعاته وتداعياته، سوف تمتد إلى جميع أرجاء المنطقة العربية”.

بينما يلتقط الكاتب سليمان جودة ملمحاً آخر لسيكولوجية الصراع في “شتان ما بين الاعتذارين”، حيث  يعتذر مالك صحيفة هآرتس عن كلمة “الفلسطينيون مقاتلون من أجل الحرية”، ويرصد كيف لم تتقبل “واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط” رأيا مخالفا، لما يعلنه “يمينها المتطرف”، ما اعتبره جودة اعتذار المضطر، لا المقتنع؛ لأن ما قاله “عاموس شوكن” ينسف الحرب التي تخوضها الحكومة الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة من أساسها.. وإلا.. فماذا يتبقى لبنيامين نتنياهو، رئيس حكومة التطرف في تل أبيب، إذا كانت صحيفة إسرائيلية كبيرة مثل «هآرتس» ترى أن الفلسطينيين لا يعتدون على الإسرائيليين، كما يتم تصويرهم للعالم، منذ قامت الحرب عليهم في غزة قبل أكثر من سنة، وإنما هُم مقاتلون من أجل الحصول على حريتهم واستقلالهم كشعب جرى احتلال أراضيه؟.

التساؤل عن مستقبل المنطقة، أو للدقة عن سيناريوهات ومسارات الوصول ليقين، لما يعتقده البعض، بات قدرا محتوما، شغل أغلب كتاب ومنظري ومحللي الميديا العربية، الذين تناولوا الوقائع وتبادلوا التكهنات، بيد أن هناك من اهتم أكثر برصد أكثر شمولية، ليخرج بما مفاده، أن ما يجري، وما يراه البعض إبادة جماعية غير مسبوقة، ليس مستجدا بالمرة.

الكاتب حسن خليل مسؤول العلاقات السياسية في الحزب الشيوعي اللبناني، يلفت النظر إلى أن ما يجري في منطقتنا ليس مستجداً. بل هو امتداد لمئة عام من التنكيل، مارسته دول استعمارية متعددة المشارب، لكن مع وحدة الهدف. لم يأتِ “وعد بلفور” من فراغ، كما لم تأت معاهدة “سايكس بيكو” كي تنهي حرباً بين “أولاد العمومة”.

ويرى الكاتب، أنه” طالما العدوان واضح، إن في أهدافه أو في قواه، فالمواجهة يجب أن تكون على القدر نفسه. لقد اصطفت دول الغرب الاستعماري وراء العدو، وبرّرت “حفلات” القتل الجماعي. لقد سقطت القيم المزعومة في فخ الاستخدام المفرط لها. رأسمالية غربية، أنتجت نظماً وسلاحاً وسلوكاً، أكثر مما أنتجت من سلام أو حاربت المجاعة أو خفّفت من ثقب “الأوزون”. لقد اختلّت القيم وسقطت في وحول التبعية والهيمنة، وقضت في امتحان التطبيق المشتبه به حدّ الإجرام. لقد أمعنت في سفك الدماء والتجويع والحصار. لقد لوّثت البيئة وأهدرت الأموال وبدّدتها على الحروب. لقد حاصرت ونكّلت وجوّعت أكثر مما أنتجت. لقد رسمت خطوط المواجهة بالنار والدم؛ فأصبحت حدود القتل مفتوحة إلى حيث تصل أساطيلها وبوارجها وطائراتها. هي رأسمالية مفرطة في كل شيء.”

..وجاء ترامب

الأسبوع الثاني من نوفمبر التحولات، استُهُل بإعلان ما رآه البعض نتاجا منطقيا لقراءة متفحصة لمزاج الشعب الأمريكي وطبيعته.

تم إعلان فوز ترامب ليتنفس نصف سكان الكوكب الصعداء، فيما يحبس النصف الآخر أنفاسهم؛ انتظارا لما هو قادم.

وبعيدا عن الاستقبال “العربي” و”الخليجي” الحار للعم دونالد، بدت قراءة تعقيدات المشهد أصعب من ذي قبل.

الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، وعقب إعلان فوز خصم حزبه، كسر أحد التقاليد السياسية الشهيرة، والتي تصف من هو في وضعه بـ”البطة العرجاء”.

وفخخ بايدن المشهد لخلفه، خاصة في المربع الروسي الأوكراني، حتى أن ترامب الابن أعلنها عبر منصة إكس التي اشتراها صديق والده، ونقل مركز الثقل فيها من اتجاه للمنافس.

في الشرق الأوسط لم تقل التعقيدات عنها في ظل إدارة بايدن الذي قال بلسانه إنه صهيوني، بل ربما تشابكت أكثر.

يقول الكاتب المتخصص في الشأن الأمريكي محمد المنشاوي: “جاء اختيار ترامب لمطور عقاري لعملية سلام الشرق الأوسط؛ ليؤكد ما هو مؤكد في نظرته لمشاكل الإقليم من زاوية المطور العقاري ورجل المقاولات، وأنه يمكن حل كل مشاكل المنطقة المعقدة من خلال صفقة عقارية عملاقة واحدة”.

وردا على التساؤل عن محركات الرئيس ترامب، في قضايا السياسة الخارجية وهو السؤال الذي تتضاعف صعوبته، يواصل المنشاوي رصد “ترامب وقطع شطرنج الشرق الأوسط” قائلا: “في الوقت الذي تبدو فيه الفوضى والجهل كأكثر ما يميز مواقف ترامب تجاه قضايا السياسة الخارجية بصفة عامة، اتخذ قرارات بطريقة مغايرة لما عهدته واشنطن لعقود تجاه المنطقة الأكثر اضطرابا في العالم، وطغى ترامب وخلفيته بصورة كبيرة على سياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط. اليوم يريد ترامب أن يبنى إرثا لم يحققه أحد من قبل. ويرى ترامب نفسه مفاوضا عظيما، يمكنه الوصول لصفقات يراها الآخرون مستحيلة. يملك ترامب ما لا يملكه غيره من السياسيين من قدرة كبيرة على الضغط على الجانب الإسرائيلي والأطراف العربية بصورة مختلفة، عما عهدوه من ساكنى البيت الأبيض. يمكن لترامب أن يخطو خطوات الرئيس السابق ريتشارد نيكسون تجاه الصين، ونراه يهبط بالطائرة الرئاسية الأمريكية في مطار آية الله الخميني في قلب طهران. لا يستطيع رئيس غير ترامب تطبيع العلاقات مع إيران وافتتاح سفارتين في واشنطن وطهران. لا يستطيع أن يفرض رئيس أمريكى السلام في الشرق الأوسط إلا ترامب”.

وليس بعيدا عن تجاذبات ترامب جاءت واقعة رسو سفينة، قيل إنها محملة بالذخائر لإسرائيل في ميناء الإسكندرية؛ لتكشف ما هو معلوم بالضرورة من عجز التطبيع الرسمي عن خلق أرضية شعبية لـ”السلام” مع دولة الاحتلال، وحتى اللبنات البسيطة التي تم وضعها عبر ما يقارب النصف قرن، سقطت بسهولة كرد فعل على العدوانية غير المسبوقة التي مارسها جيش الاحتلال في غزة.

واقعة السفينة تم استغلالها من طرف معارضي الرئيس السيسي، وربما للمرة الأولى ينشر “صحيح مصر” تدقيقا للواقعة، يتداوله الجميع، ثم يعود لنفيه بعد معطيات جديدة.

التجاذبات القانونية

ومن التجاذبات السياسة لنظيرتها القانونية، احتل جدل مشروع “قانون الإجراءات الجنائية الجديد” المقدم من الحكومة مساحات واسعة، وبالطبع تجاوز الجدل حوله نقاط الاتفاق واقتراحات التعديل، لاتهامات بــ”تمرير القوانين” وتجاهل الفاعلين.

يقول الحقوقي طارق عبد العال: “لم تأبه السلطة المصرية، بما أٌبدي على مشروع قانون الإجراءات الجنائية خلال شهرين ماضيين من أوجه نقد أو ملاحظات فنية وقانونية، ومخالفات حقوقية ودستورية، نالت من قيمة وقوة مشروع الإجراءات الجنائية”.

واعتبر طارق، أن إصدار هذا التشريع -لو تم- على الرغم مما أُبدي بشأنه من ملاحظات متعلقة بالحقوق والحريات، لا يكاد يخلو من الاستهانة بالأصوات المعارضة والناقدة له، ولا يؤكد سوى على أن السلطة لا تستجيب، حتى ولو للأصوات الإصلاحية التي تسعى لاستصدار تشريع يتوافق مع التزامات مصر الدولية والحقوقية والدستورية، وهو ما يحمل في طياته ترسيخا لمبدأ السلطوية فقط.

الاعتراض كما من الداخل جاء من الخارج أيضا عبر خمسة مقررين أمميين خواص، هم المعنيون بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، وبالحق في حرية التجمع السلمي، وتكوين الجمعيات، وبحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، وباستقلال القضاة والمحامين، وكذا المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب. ومعهم الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، والفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي.

كل هؤلاء أرسلوا رسالة للرئيس السيسي، رسالة تتضمن مخاوف متعلقة بشأن الصلاحيات الموسعة التي من شأنها، أن تمنحها التعديلات الجديدة لموظفي إنفاذ القانون والمدعين العامين، دون مراجعة قضائية، والصياغة الغامضة والفضفاضة لبعض الأحكام، والتهديد المزعوم لضمانات المحاكمة العادلة.

الاعتراض على فكرة تمرير القانون، دون الاستماع لآراء المتخصصين، أو أخذ انتقادات المهمومين بالملف في الاعتبار، تخطت مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى قانون اللاجئين الذي أقره مجلس النواب، دون تمكين حقوقيين ومهتمين من الاطلاع على المشروع، فضلا عن مناقشتهم أو الاستماع لآرائهم.

يقول أحمد البرديني في تحليل لنقاط القانون الخلافية ومثارات الاعتراض عليه، أن “تمرير القانون الجديد في قلق لدى كثير من اللاجئين، ولا سيما السودانيين منهم، فهم الأكثر تدفّقاً على مصر خلال الأشهر الماضية على وقع الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف نيسان/ إبريل 2023، والتي تسبّبت في تشريد نحو 11 مليون شخص، نزحوا داخلياً أو لجأوا إلى الدول المجاورة والقريبة”.

بينما اعتبر دكتور بشير عبد الفتاح، أن “مفوضية اللاجئين كانت هي المعنية بإدارة ملف اللاجئين في مصر، ودور الدولة المصرية كان غائبًا طيلة السنوات الماضية في هذا الملف، مشيرًا إلى أن إصدار قانون لجوء الأجانب يُساهم في إعادة السيادة التشريعية المصرية في هذا الأمر، حيث تقرر الدولة حقوق اللاجئ، وكيفية التعامل معه”.

بينما تخوف حقوقيون من القانون، وأصدرت 22 منظمة حقوقية بيانا، أعربت فيه عن رفضها للبنود التي يتضمنها التشريع الجديد، باعتباره لا يقدم حلولا حقيقية للتحديات الأساسية التي يواجهها اللاجئون، حيث يتركز الرفض الحقوقي بإقصاء الشركاء الدوليين ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال حماية اللاجئين من المشاركة في إعداد القانون.

واعتبروا اللجنة المشكلة من قبل رئيس الوزراء وعدد من الوزارات “عديمة الاستقلالية”، بسبب منحها صلاحيات كاملة وبضمانات محدودة في إدارة عملية اللجوء، وسط غياب معايير واضحة لاختيار وتدريب موظفيها.

الأسبوع الثاني من نوفمبر، كما كان حافلا بالقوانين المثيرة للجدل، مثل تواصل الاشتباك حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية، والجدل حول قانون اللجوء، فإن قانون الإيجار القديم، كان له نصيب، وذلك بعد تعديلاته التي استلزمها حكم المحكمة الدستورية، ببطلان اثنين من مواده.

وفي حين يصف حازم الجندي حكم الدستورية بالتاريخي، ويطالب بـ”تحقيق التوازن النسبي في العدالة بين الطرفين، فيجب أن يكون تعديل قانون الإيجار القديم شامل سواء سكني أو غير سكني، يتضمن جميع الأمور، فلسفته قائمة على التدرج، يحرر العلاقات بناء على مساحات زمنية كافية، الأهم أن تحل هذه المشكلة، وتؤمن كافة الناس سواء المستأجر أو المالك والذي حقه الدستوري والشرعي في استرداد حقوقه، وبشأن شكل تطبيق الزيادة الجديدة في القيمة الإيجارية، فأرى أهمية، أن تكون بشكل تدريجي على عدة سنوات، حتى تصل إلى القيمة السوقية الحالية بعد بضع سنوات من التدرج في الزيادة”.

ووعد مجلس النواب ببدء حوار مجتمعي حول القانون حال وصوله الي المجلس، والاطلاع على حيثيات حكم الدستورية.

المشهد العربي

احتل الملف اللبناني، صدارة المشهد خلال أيام نوفمبر، وخاصة النصف الثاني منه مع تسريبات الضغوطات الغربية من أجل اتفاق لوقف إطلاق النار بين دولة الاحتلال وحزب الله اللبناني، دون أن ينتقص ذلك من مساحات المتابعة للعدوان على غزة.

بدأ الأسبوع الثالث من نوفمبر بقمة عربية إسلامية طارئة، وتوقف الكاتب عبد اللطيف المناوي عند تاريخ انعقادها ليقول: “المفارقة، عُقدت القمة السابقة في ١١ نوفمبر ٢٠٢٣، بينما عُقدت أمس القمة الثانية في تاريخ يوافق ١١ نوفمبر، لمناقشة الأزمة ذاتها، التي تتفاقم في غياب حلٍ جذري، يحفظ الحقوق الفلسطينية ويحقق الاستقرار الإقليمي.

الأمل ألا يأتي ١١ نوفمبر ٢٠٢٥، ونجد أنفسنا في حاجة إلى قمة طارئة أخرى، تناقش نفس القضية، فقد حان الوقت، أن تُترجم الأقوال إلى أفعال، تتجسد على أرض الواقع وتعيد الأمل للشعب الفلسطيني، وتهدي المنطقة استقرارًا، طال انتظاره.

المناوي أعاد تناول المشهد اللبناني أكثر من مرة، طارحا “المخرج المصري لأزمة لبنان”.

عبر تقديم الدعم المستمر لمؤسسات الدولة اللبنانية، وفي مقدمتها مؤسسة الرئاسة التي تشهد فراغًا منذ فترة، وإيمان مصر بضرورة انتخاب رئيس توافقي يحظى بدعم جميع الطوائف اللبنانية، مؤكدًا رفض مصر لأي تدخلات خارجية في هذا الشأن. هذا الموقف يُجسد التزام مصر بوحدة لبنان واستقلالية قراراته،

بينما رصد الكاتب بشارة غانم البون، تحولات لبنان من الوصاية الي الحصانة الدولية، كأحد توصيفات الأوساط الديبلوماسية الأوروبية المتابعة للملف اللبناني ومفاعيل تفاهم، “إنهاء التصعيد للأعمال العدائية” بين لبنان وإسرائيل على لبنان الذي دخل في “مرحلة جديدة وحقبة لم يعرفها من قبل”، واصفة هذه المرحلة بأنها “دقيقة، مفصلية وخطيرة”.

يقول البون: “ترى الأوساط الأوروبية المتابعة للملف اللبناني، أن هناك عدداً من الأسئلة المطروحة أمام اللبنانيين، وخصوصاً قياداتهم السياسية، وعليهم الإجابة عليها من دون مواربة أو مكابرة أو شعبوية عبر التخلي عن ازدواجية المواقف (الإعلامية العلنية غير المطابقة للمداولات في اللقاءات الدبلوماسية المقفلة)، وتقديم المصلحة الوطنية اللبنانية وتغليب المصلحة العامة”.

ووجه الكاتب أسامة غريب تحية للمقاومة، مؤكدا أن “البيان الذي ألقاه المجرم الهارب من العدالة بنيامين نتنياهو بشأن اتفاق وقف إطلاق النار بين قطعانه المتوحشة والمقاومة اللبنانية لا يدل على حقيقة شعوره فى هذه الأيام العصيبة. لم يكن مجرم الحرب ينوي إيقاف القتال أبدًا، وكان لا يعبأ بالخسائر الإسرائيلية الجسيمة”.

ورغم أنه يعلم تماما أن “إسرائيل طبعًا أقوى عسكريًا مائة مرة من كل مقاوميها، ومع ذلك فإن شيئًا من أهداف الحرب لم يتحقق لها. صحيح أنها نشرت الدمار على نطاق واسع، لكنها لم تكسر الإرادة، ولم تدفع المقاومين إلى الاستسلام رغم القتال في ظروف مستحيلة”.

وكان إصدار محكمة العدل الدولية مذكرتي توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق بمثابة نقلة نوعية في المقاربة الدولية والقانونية لأزمة الحرب على غزة ولبنان.

 وكان لعماد الدين حسين ملاحظاته الخاصة على اتفاق وقف إطلاق النار أجملها في “9 ملاحظات سريعة على وقف النار لبنانيًا”، معتبرا أن التفسير الأساسي لموافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار، أنها فشلت في احتلال أي أرض لبنانية، هي دخلت العديد من القرى الحدودية، ثم أجبرت على الانسحاب بفعل المقاومة البطولية من اللبنانيين.

الـ”مفكر” الليبرالي د. عبد المنعم سعيد، انطلق من مقاربة ترى أن الربيع العربي ولد ثلاثة تيارات فكرية وعملية في العالم العربي: أولها تيار الشباب الذي نزل إلى الشوارع والميادين، معلنا أنه لم يعد ممكنا المضي قدما، بما هو قائم، ولذا لا بد من تغيير. وثانيها تيار الإسلام السياسي الذي يريد نموذجا، يبدأ من الميدان ولا ينتهي إلا بالخلافة. وثالثها تيار إصلاحي يرى أن الدولة والمنطقة تخلفت كثيرا عن العالم، وآن أوان اللحاق، بما يجري في الدنيا من تقدم وحضارة،!!

ومن خلال هذا المنظور الذي صنف بموجبه الحشد الشعبي وحماس والحوثيين وحزب الله، باعتبارهم ميليشيات خارجة عن الدولة الوطنية في لبنان والعراق وعدن ورام الله!!

قوائم الإرهاب والهجوم على سوريا.. وداعا نوفمبر

حدثان لافتان يندرجان تحت عناوين التحولات الكبرى في نوفمبر، الأول داخلي تمثل في رفع أكثر من 700 اسم من على قوائم الإرهاب، الأمر الذي أثار شهية معلقين لفتح ملف “المصالحة ” مجددا.

وتوقف الكاتب حسين صالح عمار، ليرصد المشهد قائلا: “رفع أسماء 716 معارضا مصريا من على قوائم الإرهاب، وهو قرار من حيث الشكل صدر من النيابة، ولكن في حقيقته هو قرار السيسي، في مشهد مختلف تماما عن ذي قبل، وتزامن مع الإعلان، بما لم نسمعه منه قط، بأنه بصدد فتح صفحة جديدة؛ حرصا منه على أبنائه”.

ومن هنا ينطلق ليكشف، ما يعلمه بشكل شخصي من “وجود تواصلات بين جماعة الإخوان والقوى السياسية المقربة منها وبين السلطات، وتصوري بأن مساعي المكتب السياسي للجماعة جادة نحو إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وبخاصة ملف المعتقلين، وهي مساع لمستها بنفسي في اجتماع منذ عام، دعا له الدكتور حلمي الجزار؛ حضره قادة عمل عام وسياسيون وممثلون لتيارات فكرية وحقوقيون في إسطنبول، حيث دار الحوار حول الموقف من المصالحة وشكلها”.

بينما عبرت أمينة خيري عن “صدمة المصريين” عقب القرار، كونهم وعلى مدار عقد كامل “والأجواء العامة والرسمية وشبه الرسمية في مصر، تتعامل مع “الإخوان”، باعتبارها فعلاً ماضياً، وعملاً شائناً، يخلو منها المستقبل. لا يناقش المصريون أو يبحثون في حكم المحكمة، بقدر ما يحاولون فهم ما جرى”

الحدث الثاني الذي أشعل النيران في طقس نوفمبر البارد، كان هجوم فصائل إرهابية مسلحة مدعومة من أمريكا وتركيا على مدينتي حلب وإدلب السوريتين، في استعادة لأجواء 2011، عندما دعم الغرب بأكمله عبر الذراع التركي جماعات مسلحة ضد الدولة السورية.

عبد اللطيف المناوي اكتفى بطرح التساؤلات: “ماذا يحدث في سوريا؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟ وماذا حدث للجيش السوري الذي أصدر بيانات فقط تتحدث عن هجوم مضاد؟ هل أصيب النظام والجيش بالاسترخاء والترهل أم أن اللعبة الإقليمية أكبر من قدرة سوريا على المواجهة؟”.

ليخلص إلى أنها “كلها أسئلة، تبدو إجاباتها غير حاضرة أو كافية، والقادم غير مؤكد”.

الصوت القومي كان حاضرا في فك تعقيدات المشهد وعبر عنه الدكتور رفعت سيد أحمد قائلا: “نفس المؤامرة، ونفس الأعداء الذين يحاربون الدولة السورية في الرقة وحلب وريف دمشق وحمص وعشرات الأماكن هم أنفسهم من حاربوا – ولا يزالون – الدولة المصرية في سيناء، وفي الحدود مع ليبيا، وفي القاهرة، وصعيد مصر، والوثائق التي ضُبِطت حديثاً مع هذه التنظيمات في سيناء، أكّدت هذا الارتباط التنظيمي بين الجماعات المسلّحة في مصر وسوريا!!”

بينما رأى عبد الله عبد السلام، أن “هجوم حلب، والذي جاء في نفس يوم دخول اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان حيز التنفيذ، يؤشر إلى مرحلة جديدة من الحرب في سوريا وعليها. لم يكن التوقيت مصادفة. كانت القوى والميليشيات المتمردة تعد العدة، كي تستغل، ما جرى منذ عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على غزة”.