في تطور متسارع للأحداث العسكرية في السودان، نجحت قوات الدعم السريع في توسيع دائرة سيطرتها على مناطق غنية بالموارد النفطية في غرب كردفان، حيث تمكنت من السيطرة على منطقة الخرسانة في 26 نوفمبر 2024. هذه السيطرة على الخرسانة، التي تحتوي على مواقع نفطية استراتيجية، تشكل جزءًا من شبكة الإمداد النفطي التي تمتد إلى هجليج، تأتي ضمن جهود الدعم السريع لتضخيم عائداته الاقتصادية من خلال الاستحواذ على المنشآت النفطية. يهدف هذا التحرك إلى تعزيز قدراته العسكرية وتمويل عملياته الحربية المستمرة. وفي تأكيد لنوايا قوات الدعم السريع في المنطقة، صرح مستشار قوات الدعم السريع، الباشا طبيق، قائلاً: “تحرير منطقة الخرسانة الاستراتيجية بولاية غرب كردفان، يعني فصل منطقة هجليج الغنية بالبترول، وتحريرها أصبح مسألة وقت ليس إلا، وبذلك تكون كل حقول البترول في السودان بيد قوات الدعم السريع”. هذه التصريحات تؤكد، أن قوات الدعم السريع تضع السيطرة على حقول النفط في السودان ضمن أولوياتها الاستراتيجية، مما يزيد من تعقيد الصراع، ويؤثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي والإنساني في البلاد.

تعد منطقة هجليج، التي تعتبر من أكبر حقول النفط في السودان، هدفًا استراتيجيًا رئيسيًا بالنسبة لقوات الدعم السريع. فبعد السيطرة على الخرسانة، تزداد فرص تحرك هذه القوات نحو السيطرة على هجليج، بما يتيح لها تحكمًا أكبر في خطوط أنابيب النفط الخام ومرافق المعالجة، مثل مصفاة الجيلي التي كانت قد سقطت في يد الدعم السريع في وقت سابق. وقد تبين من خلال إفادات عدة مصادر، أن الدعم السريع قد أبرم اتفاقيات غير معلنة مع دولة جنوب السودان، ما يتيح له استفادة أكبر من النفط السوداني لصالح تمويل العمليات العسكرية التي طال أمدها. من خلال هذه السيطرة، يسعى الدعم السريع إلى ضمان تدفق إمدادات النفط الخام لتمويل العمليات العسكرية، مما يعزز من استمرارية الصراع، ويطيل أمد الحرب، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات إنسانية واقتصادية. وقد أدى هذا الوضع إلى تعقيد المشهد العسكري والاقتصادي في المنطقة، حيث يساهم في زيادة التوترات بين الأطراف المتصارعة على الأراضي النفطية، بما يؤثر بشكل مباشر على الأمن والاستقرار في السودان وجنوب السودان.

الأوضاع العسكرية في غرب كردفان: صراع حول الموارد النفطية

شهدت ولاية غرب كردفان، التي تعتبر من منطقة حقول النفط في السودان تطورات عسكرية هامة، كان لها تأثير كبير على الوضع الأمني والإنساني في المنطقة. في الفترة الأخيرة، أسفرت الاشتباكات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة الفولة، عاصمة الولاية، عن نزوح جماعي لآلاف المواطنين، الذين اضطروا لمغادرة المدينة سيرًا على الأقدام؛ بسبب انعدام وسائل النقل. كما أسفرت المواجهات عن مقتل عشرة مواطنين، وإصابة آخرين بجروح متفاوتة. وفقًا لشهود عيان، بدأت المناوشات مساء الأربعاء 20 يونيو 2024، واستمرت حتى صباح الخميس، قبل أن تسيطر قوات الدعم السريع على الحامية العسكرية في الاتجاه الغربي للمدينة.

بعد السيطرة على الحامية العسكرية، انتشرت قوات الدعم السريع في المدينة، بما في ذلك المؤسسات الحكومية الرئيسية والسوق، حيث قامت بأعمال نهب واقتحام المنازل بدعوى البحث عن السلاح ومصادرته. ورغم حدوث احتكاكات بين السكان المنتمين لقوات الدعم السريع داخل الأحياء السكنية، إلا أن الأوضاع هدأت بعد توقف الأعمال العسكرية.

تتمثل أهمية الفولة في كونها نقطة دفاع رئيسية عن حقول النفط التي تتركز في جنوب غرب ولاية غرب كردفان، وخاصة في مناطق هجليج وبليلة، من خلال سيطرتها على الفولة، باتت قوات الدعم السريع قادرة على التحكم في هذا المورد الاستراتيجي. وقد أكدت قوات الدعم السريع في بيان صحفي لها، أنها سيطرت على رئاسة اللواء 91 الفولة للجيش السوداني، مما يتيح لها السيطرة على الخطوط الدفاعية الرئيسية التي تحمي حقول النفط الحيوية.

وفقًا للخبراء العسكريين، تكمن خطورة تطورات الفولة في قدرة قوات الدعم السريع على منع تشغيل خط النفط الناقل من حقول النفط إلى الشمال ومواني التصدير، واستخدام مطار الفولة لتخزين الإمدادات العسكرية خلال موسم الأمطار الذي يصعب فيه التنقل عبر الطرق البرية. إن سيطرة قوات الدعم السريع على الفولة تُمهد الطريق أمامها للسيطرة على المناطق النفطية الهامة في غرب كردفان، مما يعزز قدرتها على التحكم في عائدات النفط التي قد تستخدمها لتمويل عملياتها العسكرية.

التطورات العسكرية في حقول النفط

وفقًا لما أفاد به المهندس محمد أزرق: “توجد محطة الضخ الثالثة في المصفاة الجيلي والمحطة الثانية في أم سيالة قرب الأبيض، والمحطة الأولى في هجليج، و بالتالي فإن الخط يبدأ من هجليج، وصولا إلى مصفاة الجيلي، ويقع تحت سيطرة الدعم السريع”. وأشار المهندس، إلى أن محطة التجميع والمعالجة الأولية للخام ومحطة الضخ الأولى تقع في هجليج، حيث يتم جمع الخام من حقول السودان وجنوب السودان. وأضاف أن “القوة العسكرية للجيش كانت في السابق ضعيفة، والآن هناك قوة طرفية تابعة لفرقة بابنوسة، وهي أصلاً محاصرة، ومن بعدها الأبيض والدلنج كلها محاصرة”. وأكد المهندس، أن “مسألة سقوطها ليس صعبًا، مثلما حدث مع سقوط حقل بليلة قبل فترة ليست بالقصيرة، وأن الدعم السريع قد خرج منها بعد رفض العاملين للعمل ”.

كما أكد أكرم، أحد العاملين بحقل بليلة، أن “الشركات سودانية والعمالة سودانية، لأن الحقول آلت للسودان بموجب الاتفاقية التي تمت لمدة 20 سنة بداية من 1998 بين الصين وماليزيا عبر شركة (بتروناس)، حيث اشترت شركة كندية الحقول، وباعتها للهند”. وأضاف أن “حقول هجليج تقع في ولاية غرب كردفان وولاية الوحدة في دولة جنوب السودان، بينما حقول بليلة تقع في غرب كردفان، وجزء منها في دارفور”. كما أشار إلى أن “حقول بترودار كلها في ولاية أعالي النيل في جنوب السودان”.

وقال أكرم: “الاتفاقية بين جنوب السودان والسودان، كانت تنص، على أن الجنوب يدفع للسودان مقابل التجميع في التنوكة (الخزانات) والمعالجة الأولية (تسخين الخام وعزل المياه والتجميع في الخزانات، واستخدام خط الأنابيب ومحطات الضخ والتصدير عبر الميناء). كانوا يحصلون على 30 دولارًا في العملية، هذه من الجنوبيين (دولة جنوب السودان)”. وأردف قائلاً: “إذا تمكنوا من تركيب مصفاة في هجليج، يمكنهم بيع النفط في مكانه للجنوب، وهناك مصفاة صغيرة في الأبيض، ولكنها لا تعمل حاليًا”. واختتم قائلاً: “إن محطة هجليج تحتوي فقط على النفط الخام، فإن فائدة قوات الدعم السريع ستكون في الحماية بميزانية ضخمة.

التداعيات:

استغلال قوات الدعم السريع للموارد النفطية في السودان، ليس مجرد تكتيك عسكري، بل يمثل تحولًا جوهريًا في هيكل الاقتصاد السوداني والعلاقات الدولية والإقليمية، حيث تساهم هذه القوات من خلال السيطرة على مناطق نفطية استراتيجية، مثل الخرسانة والجيلي وهجليج في بناء اقتصاد موازٍ، غير خاضع لرقابة الحكومة السودانية. هذا الاقتصاد الموازي يعزز من حالة الفقر، ويؤثر على قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية أو تقديم الخدمات الأساسية، كما يعمق من تدهور المؤسسات المالية، ويضعف هيبة الدولة، ما يسمح لقوات الدعم السريع بتعزيز نفوذها على حساب الحكومة المركزية. سياسيًا، إذا استمرت هذه القوات في السيطرة على الموارد النفطية وإدارتها بعيدًا عن الحكومة، فإن هذا قد يؤدي إلى تعزيز سلطتها السياسية، مما يجعل استعادة السيطرة الوطنية على هذه الموارد أمرًا بالغ الصعوبة. أمنيًا، سيطرة الدعم السريع على الحقول النفطية يهدد الأمن الإقليمي، خصوصًا في دول الجوار مثل، جنوب السودان التي تعتمد على تصدير النفط عبر الميناء السوداني (بشائر)، بينما يعزز تمويل العمليات العسكرية عبر النفط قدرة القوات على التوسع، مما يزيد من تهديد الأمن الإقليمي، ويعقد العلاقات الدولية في المنطقة. من الناحية الاجتماعية، يؤدي النزاع على النفط إلى تعزيز الانقسامات الاجتماعية والصراعات الإثنية والقبلية في السودان، ما يزيد من صعوبة تحقيق المصالحة الوطنية. ويؤثر النزاع أيضًا بشكل بالغ على المدنيين في المناطق النفطية عبر تدمير البنية التحتية الحيوية، مثل المدارس والمستشفيات، ما يؤدي إلى تفشي البطالة والفقر والنزوح الجماعي، ويعرقل جهود التنمية المستدامة. من النواحي الحقوقية، يساهم النزاع في انتهاك حقوق الإنسان الأساسية، حيث يعاني المدنيون من حرمانهم من الخدمات الأساسية، مثل الرعاية الصحية والتعليم؛ بسبب تدمير البنية التحتية، بالإضافة إلى النزوح القسري الذي يعرضهم لظروف إنسانية قاسية، كما أن غياب الرقابة الحكومية على الموارد النفطية يعزز من استغلالها؛ لتمويل العمليات العسكرية، ويزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان في شكل اعتقالات تعسفية وقتل عشوائي وتعذيب.