للمرة الثانية، خلال عمر مجلس النواب الحالي، والمقدرة بخمس سنوات، تتقدم الحكومة بمشروع قانون لتعديل أحكام قانون الكهرباء رقم 87 لسنة 2015، والذي قد سبق تعديله بموجب القانون رقم 192 لسنة 2020، حيث وافقت الحكومة على مشروع بتعديل نص المادة 70 من قانون الكهرباء، ليكون النص المستحدث، أن يُعاقب بالحبس مُدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كُل من قام أثناء تأدية أعمال وظيفته في مجال أنشطة الكهرباء أو بسببها بارتكاب أفعال تشمل: توصيل الكهرباء لأي من الأفراد أو الجهات بالمُخالفة لأحكام هذا القانون والقرارات المُنفذة له، أو عَلِمَ بارتكاب أي مخالفة لتوصيل الكهرباء، ولم يُبادر بإبلاغ السلطة المختصة، وتقضي المحكمة بالزام المحكوم عليه برد مثلَي قيمة استهلاك التيار الكهربائي المستولى عليه في هذه الحالة، بالإضافة إلى الامتناع عمدًا عن تقديم أي من الخدمات المُرخص بها دون عُذر أو سَنَد من القانون، على أن تضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى في حالة العود. كما شمل التعديل المادة 71؛ ليكون نصها الجديد، أن يُعاقب بالحبس مُدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كُل من استولى بغير حق على التيار الكهربائي، وتُضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى في حالة العود.
وحسب ما ذكره موقع سي إن إن بالعربي، أن عضوة لجنة الصناعة بمجلس النواب، إيفلين متى، ذكرت أن التعديلات الجديدة “سوف تسهم في الحد من سرقة التيار الكهربائي، من خلال الوصلات غير الشرعية من أعمدة الإنارة للوحدات السكنية وأكشاك البقالة في الشوارع، أو من خلال التلاعب في عدادات حساب الاستهلاك؛ مما يضر بالاقتصاد الوطني، وكذلك يتسبب في خسائر لشركات الكهرباء التي تضطر لقطع الكهرباء؛ نتيجة عدم قدرتها على تلبية الاستهلاك المتزايد، وأن تغليظ العقوبات سوف يسهم في تخفيض نسبة الفقد في المنتج الكهربائي.
وإذ أن ذلك التعديل لا يقف عن حد المواطنين، بل أنه يمتد ليشمل كذلك العاملين في مجال لكهرباء، الذين قد يكون لهم دور في توسع دائرة الفقد الكهربائي، وذلك عن طريق ممارسة مهام أعمالهم، بأن يستخدموها في تسهيل مرور هذه الجريمة، أو أن يعلموا بوقوع الجريمة.
ولسنا في المقام الأول مع التوجه في إقرار جريمة التعدي على التيار الكهربائي، بما يعني سرقته، ولكن هذا لا يعني أن تكون الفلسفة العقابية، لا تملك غير سلاح الغلظة في العقاب، وزيادة الغرامات، أو التوسع في نطق التجريم، بجعله سلاحاً غير محدد المعالم أو الحدود، إذ أن ذلك يمثل عدواناً على الحريات الشخصية، وتقليص من مبدأ البراءة، ووضع المواطنين في دائرة الشك التجريمي أو العقابي.
وأهم ما يمكننا لفت الانتباه عليه في هذا التعديل التشريعي، مقولة “أو علم بارتكاب أي مخالفة لتوصيل الكهرباء، ولم يبادر بإبلاغ السلطة المختصة”، وهذا نموذج صارخ للتوسع في استخدام التجريم، فكيف نحدد أركان جريمة العلم بارتكاب مخالفة التوصيل؟
وإذا كان التشريع الجنائي يقوم على مبدأ شخصية العقوبة امتدادا للأصل العام، هو شخصية المسئولية الجنائية والجرائم، لا يؤخذ بجريرتها غير جناتها، وأن العقوبات لا تنفذ إلا في نفس من أوقعها القضاء عليه، وهذا النهج هو ما أكده الدستور المصري الأخير، فقد جاء نص المادة الخامسة والتسعين في صدارته، على أن «العقوبة شخصية»، وهو ما يعنى عدم جواز توقيعها لزوما على غير مرتكب الفعل المُجرم، ومن زاوية ثانية فإن ذلك المبدأ ينعكس على كيفية التجريم، إذ لا يجوز أن تتم حصر أفعال في نطاق تجريمي بغير مبرر ولا ضرورة مجتمعية، وأن عقاب تلك الأفعال يجب ألا يتعدى نطاق أو حدود مرتكبيها.
وإذا ما انتقلنا إلى هذا التعديل التشريعي، والذي يعاقب غير المتهمين على زعم علمهم بوقوع الجريمة وعدم الإبلاغ عنها، وهو المعنى الذى لا يتوافر معه أي ركن مادي، يجوز تجريمه، لعدم وجود أي فعل، حتى ولو افترضنا فكرة العلم بوقوع الجريمة، وهي من الأفكار غير المنضبطة، والتي لن يستطيع أحد إثباتها بشكل قضائي، مما يصعب الأمر على القاضي الجنائي في كيفية إثبات وقوع هذه الجريمة، علاوة على الغلو في التجريم بغير مبرر، وهو الأمر الذي رصدته المحكمة الدستورية العليا في العديد من الأحكام، وألقت باللائمة على المشرع في تجريمه لأمور بمثل هذا الاتساع، ومن أفضل ما قالته المحكمة الدستورية في ذلك نصها في القضية رقم 17 لسنة 21 دستورية، من أنه لا يجوز لمثل هذه النصوص، أن تُحمل الناس ما لا يطيقون، وألا تؤاخذهم بما يجهلون، وألا تمد إليهم بأسها، وقد كانوا غير منذرين، ولا أن تنهاهم عما أُلبس عليهم، وإلا قام التجريم فيها على أساس من الظن والإبهام، ليكون خداعا أو ختالا. وهو ما تأباه النظم العقابية جميعها، وينحدر بآدمية الإنسان إلى أدنى مستوياتها، ليغدو بغير حقوق ــ وعلى الأخص ــ في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية. يؤيد ذلك أمران: أولهما أن الأصل في النصوص العقابية، أن تصاغ في حدود ضيقة تعريفا بالأفعال التي جرمها المشرع، وتحديدا لمضمونها، فلا يكون التجهيل بها ــ من خلال انفلات عباراتها وإرهاقها بتعدد تأويلاتها ــ موطئا للإخلال بحقوق كفلها الدستور للمواطنين.
أما عن التوسع في العقاب، سواء كانت العقوبة سالبة للحرية، أو حتى بالتغريم المالي، فإن الجزاء الجنائي لا يكون مُبَرّرًا، إلا إذا كان واجبًا لمواجهة ضرورة اجتماعية تكافئه جسامة وخطرًا، بتناسبه مع الفعل المؤثم، فإن جاوز ذلك كان مفرطًا في القسوة مجافيًا للعدالة، ومنفصلًا عن أهدافه المشروعة، أي الدستورية، ومن ثم، يجب أن لا تكون العقوبة تعبيرًا عن إشباع غريزة الثأر والانتقام، بالبطش بالمتهم، باعتباره عضوًا فاسدًا أو متعديًا على حقوق الجماعة، فالجزاء الجنائي لا يكون مُبَرّرًا، إلا إذا كان واجبًا لمواجهة ضرورة اجتماعية تكافئه جسامة وخطرًا، بتناسبه مع الفعل المؤثم، فإن جاوز ذلك كان مفرطًا في القسوة مجافيًا للعدالة، ومنفصلًا عن أهدافه المشروعة، أي الدستورية. وأهم ما يجب أن نلفت الانتباه إليه هو، أن المغالاة في العقاب، أو كما يُقال القسوة في العقوبة، وهي تلك التي تبعد عن الأهداف المقررة للعقوبة، وأخصها ما يتعلق بتحقيق الردع للجاني، وأيضًا إرساء أسس العدالة في المجتمع، وهو ما يُعني أن تهدف إلى التأثير في السلوك داخل المجتمع، حتى يتلاءم مع الأوامر والنواهي الاجتماعية، كما أنه لا يمكن اعتماد المغالاة في الغرامات المالية كنمط عقابي في ظل تردي الأحوال الاقتصادية للمواطنين، والتي لا تسمح بمثل تلك العقوبات.
ومن نافلة القول، إنه ليست السرقات الكهربائية وحدها، هي التي تسبب الهدر الحاصل في الطاقة الكهربائية، فهناك أسباب علمية متعلقة بمكونات الشبكات، وغيرها قد تؤدي إلى ذات النتيجة.