تعد أزمة النزوح في دارفور أحد أعمق الأزمات الإنسانية في السودان، حيث تؤثر بشكل بالغ في حياة ملايين المدنيين الذين أُجبروا على ترك ديارهم هربًا من العنف المستمر، والممارسات الوحشية التي تمارسها الأطراف المتصارعة.

 ومن بين أكثر المناطق تضررًا في دارفور، يبرز معسكر زمزم في ولاية شمال دارفور أحد أكبر معسكرات النزوح في السودان.

بدأ المعسكر كمأوى للمدنيين الفارين من الصراع المسلح في العام 2003، ولكنه أصبح جزءًا من المسرح الذي تجري فيه المواجهات العسكرية المتواصلة بين قوات الجيش السوداني، قوات الدعم السريع، والجماعات المسلحة الأخرى.

وفي هذا العام مع تزايد حدة القتال بين القوات المشتركة التي تقاتل إلى جانب الجيش وقوات الدعم السريع؛ ليشهد معسكر زمزم في الأشهر الأخيرة سلسلة من الهجمات العسكرية والاشتباكات العنيفة التي دفعت العديد من الأسر إلى الفرار مجددًا.

وشملت هذه الهجمات القصف المدفعي والجوي العشوائي والاشتباكات المباشرة، ما أسفر عن تدمير أجزاء من المعسكر وزيادة الوضع الإنساني سوءًا.

كما شملت الانتهاكات المروعة في معسكر زمزم عمليات النهب، التدمير، والتهجير القسري، مما ترك الآلاف في حالة من العوز والخوف. يهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على الانتهاكات التي تعرض لها النازحون في معسكر زمزم مع تحليل للأسباب والعواقب.

الانتهاكات المستمرة في معسكر زمزم

في أغسطس 2024، تعرضت مناطق طرفية من معسكر زمزم لقصف جوي من الطيران الحربي التابع للجيش السوداني.

استهدف القصف مناطق تحركات لقوات الدعم السريع، التي كانت في طريقها لفرض حصار على مدينة الفاشر، وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل وإصابة عدد من المدنيين، بإضافة إلى تدمير الخيام والمرافق الأساسية داخل المعسكر.

أحمد (اسم مستعار)، ناشط حقوقي، قال: “معسكر زمزم منذ اندلاع الحرب، شهد انتهاكات واسعة من قبل الجيش والدعم السريع، حيث قصف الطيران الحربي للجيش في أغسطس مناطق طرفية في المعسكر، بعد أن نصبت قوات الدعم السريع ارتكازات، كانت في طريقها إلى حصار مدينة الفاشر”.

 وأضاف أنه في ظل هجوم قوات الدعم السريع على المعسكر، تمت عمليات نهب واسعة، مما اضطر العديد من النازحين إلى الفرار إلى مناطق نائية.

وفي 1 ديسمبر 2024، تحولت مدافع وراجمات الدعم السريع نحو معسكر زمزم للنازحين، وسط انقطاع تام للاتصالات، وأسفر القصف العشوائي الذي استهدف مخيمات النازحين عن سقوط أكثر من عشرين قذيفة، ما أدى إلى وقوع إصابات وشهداء. وفي ذات التاريخ، استُهدف المعسكر بشكل عنيف، ما أسفر عن استشهاد شخصين وإصابة 12 آخرين. وفي 2 ديسمبر، تم تسجيل 6 شهداء و13 إصابة.

صور لآثار القصف المدفعي لقوات الدعم السريع
صور لآثار القصف المدفعي لقوات الدعم السريع

في وقت سابق، تحديدا أغسطس 2023، وعقب دخول قوات الدعم السريع إلى المعسكر، نفذت هذه القوات عمليات نهب واسعة النطاق للممتلكات الخاصة بالنازحين. تم سرقة المواد الغذائية والممتلكات الشخصية، إضافة إلى تدمير، ما تبقى من المرافق الطبية ومحطة المياه.

هذا النهب والتدمير أدى إلى تدهور إضافي في الوضع الإنساني داخل المعسكر، حيث أصبحت الأسر التي كانت تعتمد على مساعدات الإغاثة، تجد نفسها عارية تمامًا من أي مصدر للرزق.

عبد الله (اسم مستعار)، ناشط في تنسيقية معسكرات النازحين، أشار إلى أن عددًا كبيرًا من النازحين، بعد مغادرتهم المعسكر في الفترة الماضية؛ بسبب المعارك، هجروا إلى مناطق مختلفة في ولاية شمال دارفور، وبالتحديد التي تقع تحت سيطرة جيش حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور وتسمى (بالمناطق المحررة) والجدير بالذكر، أن حركة عبد الواحد اتخذت موقف الحياد، ولم تشترك في حرب 15 إبريل. مع ذلك، تعرض هؤلاء النازحون لمضايقات وفرض جبايات من قبل الحركة، مما دفع العديد من الأسر إلى العودة مجددًا إلى معسكر زمزم على الرغم من المخاطر المتزايدة هناك.

في الأول من ديسمبر، استقبلت فرق أطباء بلا حدود 8 مصابين، بينهم نساء وأطفال، من بينهم إصابات خطيرة، أغلبها إصابات في الصدر والكسور. تم تحويل أربعة مرضى في حالة حرجة إلى منشآت أخرى، ثم استُؤنف القصف في اليوم التالي، مستهدفًا المناطق القريبة من السوق والمستشفى الميداني التابع لأطباء بلا حدود.

وقد نفت قوات الدعم السريع ذلك، وقالت إن القوات المشتركة قامت بالدخول إلى معسكر زمزم للنازحين بولاية شمال دارفور، وعملت على إقامة ارتكازات عسكرية وسط المدنيين. ووصفت القوات اتهامات حركة جيش تحرير السودان بقيادة مناوي لها بقصف معسكر زمزم، بأنها “ادعاءات كاذبة ومتناقضة”.

قبل ذلك في نوفمبر الماضي، حذرت تنسيقية معسكر زمزم للنازحين من التحركات المشبوهة للقوات المشتركة حسب وصفها.

 وأضافت في بيان لها، أن القوات المشتركة انسحبت فجر يوم 10 نوفمبر من مدينة الفاشر، ودخلت معسكر زمزم للنازحين، وبدأت في تشييد الارتكازات داخل المعسكر، الذي يضم آلاف المدنيين. الأمر الذي يعني استدراج قوات الدعم السريع لاقتحام المعسكر.

إن الرابط بين جميع الأحداث يثبت أن الأطراف المتحاربة تتعمد استهداف المدنيين، فبالرجوع إلى الأحداث، تمركز الطرفين في أوقات متفرقة داخل المعسكر، والاستفادة منه لتغطية هجماتهم على عاصمة الولاية الفاشر، مما أزم الأوضاع الإنسانية، وضاعف من الانتهاكات الواقعة على الأبرياء. ومن ثمة، يتبادل الطرفان، الدعم السريع والقوات المشتركة، الاتهامات حول استهداف المدنيين، مما يثبت عدم مراعاتهم لمعاناة المدنيين ومخالفتهم للقانون الدولي الإنساني.

أدت هذه الانتهاكات إلى ازمات إنسانية خطيرة على المدنيين في المعسكر.

 القصف المستمر، النهب، والتهجير القسري، أسفر عن مقتل وإصابة العديد من المدنيين، بينما تركت ظروف العيش في المعسكرات الكثيرين في حالة من العوز الشديد.، ولا يقتصر الوضع على تدمير الممتلكات والمرافق الأساسية، بل إن النازحين يعانون من نقص حاد في المواد الغذائية، الرعاية الصحية، والمياه الصالحة للشرب، مما يزيد من معاناتهم، ويهدد حياتهم بشكل أكبر.