تُعد سجون قوات الدعم السريع في السودان من أبرز المواقع التي تُسجل فيها الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

أحد هذه السجون التي شهدت معاناة غير مسبوقة، هو سجن سوبا في الخرطوم، الذي تحوّل إلى مركز احتجاز، لمن تعتقلهم “الدعم السريع”.

سيطرت قوات الدعم السريع على المنطقة التي يقع بها سجن سوبا في 23 إبريل 2024، وأطلقت سراح جميع المسجونين بذريعة عدم وجود رعاية وحراسات، ثم اتخذت السجن كمركز احتجاز للمدنيين الذين تقوم باعتقالهم تعسفيًا.

وتُظهر حالة سجن سوبا حجم الوحشية التي تمارس ضد المدنيين والمعتقلين، حيث يُحتجز الآلاف في ظروف غير إنسانية وغياب كامل للعدالة.

بالاشتباه فقط

 هؤلاء المعتقلون، بناءً على دوافع سياسية أو انتماءات قبلية، ومعظمهم بالاشتباه فقط، يعانون من شتى أنواع الانتهاكات اليومية التي تتضمن سوء المعاملة، الإهمال الطبي، والتعذيب النفسي والجسدي والقتل.

سجن سوبا يضم اليوم أكثر من 4,000 معتقل، ما يؤدي إلى اكتظاظ شديد، ويضاعف من حجم المعاناة، من خلال شهادات المعتقلين السابقين والأسر.

يُعد سجن سوبا مثالاً حيًا على الانتهاكات الصحية الخطيرة التي يعاني منها المعتقلون في السودان، حيث تتفاقم الأوضاع الصحية داخل السجن؛ نتيجة لانعدام النظافة وتدهور الرعاية الطبية.

كوليرا وخلافه

 ويعاني المعتقلون من أمراض الكوليرا والحميات والملاريا، وأصيب أكثر من 120 معتقلاً في نوفمبر الماضي، بتلك الأمراض؛ بسبب الظروف الصحية المتدهورة، ويفتقر السجن إلى أبسط المرافق الطبية اللازمة لتقديم العلاج، ولا يتوافر به أطباء مختصون أو أدوية لعلاج المعتقلين.

ويذكر المعتقل السابق (الطيب)، أن معتقلات الدعم السريع الرئيسية هو سجن سوبا، ومعتقل آخر في حي الرياض بالخرطوم، وهناك مكاتب استخباراتية متفرقة في أجزاء من العاصمة، والاعتقال يتم بشكل عشوائي وبدون تحقيق ومعظم المعتقلين، ليست لهم علاقة بالحرب، والمسئول العام عن المعتقلات هو الضابط عيسى بشارة، مسئول استخبارات الدعم السريع.

ويضيف: “لا يتم إطلاق سراح أي شخص إلا بعد موافقته، وهناك ضباط مشرفين فقط، لكن ليس لهم الحق في إطلاق سراح أحد”.

ويتابع الطيب، الذي قضى 9 أشهر في المعتقل، أن الوضع الصحي سيء للغاية، ولا يتوفر علاج حتى لأبسط الأمراض.

وفي بداية اندلاع الحرب، كان يوجد وفرة في الأدوية المنهوبة من صيدليات الخرطوم، ولكن في الشهور الأخيرة لا يوجد أي علاج.

أما بالنسبة للغذاء، يتم توفير وجبة واحدة، وهي العدس وأحيانًا الأرز، مع جوال سكر لكل عنبر.

وأشار الطيب إلى أن جميع المعتقلين يعانون من الأنيميا، ولا يرون الشمس، وبسبب ذلك، فقد عدد من المعتقلين بصرهم.

كما لا توجد مستلزمات شخصية مثل الصابون ومعجون الأسنان وفرش الأسنان، وحتى الملابس غير موجودة.

وأضاف أن المتوفين في المعتقل بلغ عددهم ألف، بمعدل 10 إلى 20 كل شهرين.

وقال الطيب إنه بقي في معتقل بضاحية كافوري لمدة شهرين، حيث توفي فيه 30 شخصًا، جميعهم لم يتم إبلاغ أسرهم وذويهم.

ونتيجة لهذا، اتجهت قوات الدعم السريع إلى إطلاق سراح كبار السن والمرضى من الحالات المستعصية. وأضاف أن القائد اللواء عصام فضيل (ضابط معروف في الدعم السريع) يسكن في سجن سوبا، ولديه مكتب داخله.

اكتظاظ

الحديث عن سجن سوبا، لا يكتمل دون الإشارة إلى الاكتظاظ المفرط الذي يفاقم من الظروف المعيشية السيئة داخله.

ويضم سجن سوبا اليوم أكثر من 4,000 معتقل، وهذا الاكتظاظ لا يتسبب فقط في ضيق المكان، بل يعزز أيضًا من بيئة غير صحية، حيث يصعب الحفاظ على النظافة، وتنتشر الأمراض المعدية بشكل سريع؛ نتيجة التكدس في المساحات الضيقة.

وبحسب إفادة معتقل سابق (عمر)، فإن الضابط المشرف على سجن سوبا، هو رائد في جهاز الأمن، كان منتدبا إلى قوات الدعم السريع، وبعد الحرب لم يعد الى مؤسسته، واسمه ماهر علي عبد الله.

وأضاف كنت في العنبر الذي اعتُقل فيه ضباط من أجهزة نظامية مختلفة، ويحتوي المعتقل على ضباط متقاعدين، لكن الأغلبية كانت من المدنيين، وكان يتم الاعتقال بمجرد الاشتباه.

وأضاف أن سجن سوبا فيه 10 أقسام، وكل قسم يحتوي على 4 عنابر ومساحة العنبر 200 متر، وهو مصمم لـ 90 شخصًا، ولكن عدد المعتقلين في كل عنبر يصل إلى 150 شخصًا.

وتسهم هذه الظروف القاسية في خلق توترات مستمرة بين المعتقلين، مما يعزز بيئة العنف والخوف، ويجعل الأوضاع النفسية أكثر تعقيدًا، حيث يعيش المعتقلون حالة من الترقب المستمر لأي تحركات عسكرية أو أمنية، قد تؤدي إلى تعرضهم لانتهاكات إضافية.

الموت بعد الإفراج

مع تدهور الأوضاع الصحية داخل سجن سوبا، أصبح الإفراج عن المعتقلين المدنيين والعسكريين عملية انتقائية، تعتمد على الضغوط الإنسانية.

في نوفمبر الماضي، تم الإفراج عن حوالي 200 معتقل؛ بسبب تفاقم الأوضاع الصحية في السجن، لكن العديد منهم توفي بعد الإفراج عنه مباشرة؛ بسبب التدهور الكبير في حالتهم الصحية؛ جراء الإهمال الطبي. وبحسب إفادة “خالدة” قالت: ابن عمتي كان أسيرًا في سجن سوبا لمدة سنة، وأرشدنا شخص لضابط في قوات الدعم السريع، يعمل مسؤولًا عن السجن، واتفقنا معه، وأُفرج عنه مقابل 15 مليون جنيه أي ما يعادل 7 آلاف دولار تقريبا.

محمد البديري توفي في سجن سوبا – أكتوبر 2024

سمر، وهي حقوقية وناشطة في إحدى مبادرات الإفراج عن المعتقلين، قالت إن المعتقلين الذين أُفرج عنهم من سجن سوبا، هم من المدنيين، ومن المتوقع الإفراج عن المزيد من سجن سوبا، ومعتقلات الرياض، لكن هذا بخصوص المدنيين فقط، أما النظاميون فلا يتم الإفراج عنهم إلا بمبادرات عبر الطرق الصوفية أو باتفاق مع الجهات المسئولة من الجيش أو جهاز الأمن والمخابرات.

وأضافت أن المنظمات الدولية العاملة بخصوص المعتقلين لا تملك يدًا في الأمر، لكن يمكنها المساهمة في توصيلهم إلى أماكن آمنة، أو تسليمهم لوحداتهم بطرق آمنة بعد الموافقة من الدعم السريع وباتفاق مع جهاتهم المسؤولة.

نداءات من العائلات

مع تزايد معاناة المعتقلين في سجن سوبا، ناشدت العديد من عائلات المعتقلين المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بضرورة التدخل الفوري؛ لتحسين الأوضاع في السجون السودانية، خصوصًا سجن سوبا. تلك العائلات تطالب بالإفراج الفوري عن ذويهم المدنيين الذين لم يرتكبوا أي جريمة، مؤكدين أن استمرار الاحتجاز غير القانوني يشكل انتهاكًا خطيرًا لحقوق الإنسان.

وتؤكد إحدى العائلات، أن “الدعم السريع قد أطلق سراح 6 آلاف سجين منذ بداية الحرب، وكان ذلك بسبب عدم توفر الغذاء والمياه الصالحة للشرب”، مما يزيد من عمق الأزمة الإنسانية داخل السجن.

الأهالي يطالبون بتحقيق العدالة لأبنائهم، ويناشدون المجتمع الدولي بالضغط على الدعم السريع لوقف الممارسات غير القانونية في السجون.

تُعد حالة سجن سوبا، نموذجًا واضحًا للمعاناة التي يعيشها المعتقلون في السودان، والذين يتعرضون لظروف غير إنسانية تمس كرامتهم، وتخالف أبسط معايير حقوق الإنسان.