على قدم وساق، منذ بداية الأسبوع الماضي، يتم مناقشة وإقرار مشروع قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي الذي تقدمت به الحكومة، وكأنها صارت عادة دستورية، أن تتقدم الحكومة بمشروعات القوانين، ويتوقف دور مجلس النواب عند حد المناقشة، ومن خلال بعض التعديلات التي لا تخل بجوهر ما تقدمه الحكومة، يتم الإقرار.
وفي هذا السياق، وجهت الدكتورة مايا مرسي، وزيرة التضامن الاجتماعي، الشكر والتقدير لمجلس النواب، برئاسة المستشار الدكتور حنفي الجبالي، على ما أبدوه من تفهم واهتمام ومداخلات قيمة خلال مناقشات قانون «الضمان الاجتماعي. حيث أنها قد قررت، بأن هذا القانون يمثل سبقاً غير مسبوق في تحقيق مضمون الضمان الاجتماعي للأسر الأكثر احتياجاً.
كما أكد النائب/ عماد خليل، على أن هذا القانون، بحسب ما نشره موقع الوطن بتاريخ الثلاثاء الموافق 3 ديسمبر الحالي، يهدف إلى تحويل الدعم العيني إلى نقدي، بهدف تحديد المستفيدين بشكل دقيق، وتوفير مرونة أكبر في كيفية الاستفادة، بحيث لا يتداخل غير المستحقين مع المُستفيدين الحقيقيين، على سبيل المثال في ما يتعلق بدعم المواد البترولية، يحصل الجميع سواء المستحقين أو غير المستحقين، على هذا الدعم من خلال نظام التموين، لكن هناك نقاشات جارية حول قصر هذا الدعم على المستحقين فقط، مع السعي في الوقت نفسه لتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية.
وفي البدء، لا بد وأن نقرر بأن الضمان الاجتماعي، هو أحد الأساسيات الاجتماعية التي يقوم عليها المجتمع المصري، وذلك بحسب ما أكده نص المادة الثامنة من الدستور من أن يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي. وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذي ينظمه القانون. وكذلك ما أكده نص المادة السابعة عشر من أنه تكفل الدولة توفير خدمات التأمين الاجتماعي. ولكل مواطن لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي الحق في الضمان الاجتماعي، بما يضمن له حياة كريمة، إذا لم يكن قادراً على إعالة نفسه وأسرته، وفي حالات العجز عن العمل والشيخوخة والبطالة. وتعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين، والعمال الزراعيين والصيادين، والعمالة غير المنتظمة، وفقاً للقانون. وأموال التأمينات والمعاشات أموال خاصة، تتمتع بجميع أوجه وأشكال الحماية المقررة للأموال العامة، وهي وعوائدها حق للمستفيدين منها، وتستثمر استثماراً آمناً، وتديرها هيئة مستقلة، وفقاً للقانون، وتضمن الدولة أموال التأمينات والمعاشات.
ومن خلال ذلك، فلا بد وبمنطق خضوع الفرع للأصل، أن يأتي ذلك القانون متوافقا مع المبدأين الدستوريين، وألا يخرج عن سياقهما، أو يتعارض أو ينتقص من أي حق من الحقوق التي أقرته، بل أنه حال استصدار أي تشريعات يجب أن تخضع لأحكام نصوص الدستور، ولا تتعارض مع أي حق من الحقوق الواردة فيها بأي شكل أو بأي أسلوب. فهل ما جاء في نصوص ذلك القانون متوافقاً مع تلك المبادئ والقيم الدستورية، أم أنه قد تمت صناعته؛ لأغراض تتوافق مع رغبة الحكومة في تقليل نسب الدعم المقدمة للمواطنين، والحد منها بطرق قانونية.
وإذ أن هذا القانون المستحدث، بحسب ما سمح بنشره من مواد تمت مناقشتها بمجلس النواب، لا يتفق مع الوضع الحالي من نسب الدعم المقدمة للمواطنين، وأنه يهدف إلى الإقلال منها، بطرق قانونية، وذلك يبدو واضحا، من أن المادة الثانية تنص على مراجعة الدعم المقدم كل ثلاث سنوات، بما يعني ثبات تلك النسبة، في ظل ارتفاع وتزايد نسب التضخم، وهو الأمر الذي ينعكس على القوة الشرائية للنقود، التي ستحل محل الدعم العيني، في ظل أحكام هذا القانون، كما أن ذلك التشريع قد استحدث شروطا بخصوص المساعدة الاجتماعية المقدمة من خلال برنامج تكافل، بأن اشترط أن تقدم هذه المساعدة إلى اثنين فقط من الأبناء، ويخرج ما زاد عن ذلك الحد خارج نطاق المساعدة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أنه قد اشترط، أن يكون الأبناء من سن السادسة حتى الثامنة عشر مسجلين في النظام التعليمي، ولم يقف عند ذلك، حتى ندعي أنه يسعى إلى عدم حدوث تسريب من التعليم، ولكنه اشترط أن تكون نسبة الحضور في المدارس لا تقل عن ثمانين بالمائة.
وما يؤكد على أن نية الحكومة صاحبة مشروع القانون، لا تسعى إلى زيادة المظلة الاجتماعية على المواطنين، ومد مساحتها لتشمل طوائف جديدة، ما جاء في ذلك المشروع بخصوص معاش كرامة، من أنه سيتم وقف المعاش حال ارتكاب رب الأسرة لإحدى الجرائم المخلة بالشرف والاعتبار، وهذا ما مؤداه معاقبة الأسرة مرة جديدة، عن فعل ارتكبه رب الأسرة، وهو ما يخل بأصل من أصول المحاكمات، بأنه لا يعاقب إلا الفاعل للجريمة، وأنه لا يجوز معاقبة الشخص عن الجريمة مرتين وهاتين مخالفتين دستوريتين في شأن العقاب وتقنينه، علاوة على أنه لا يجوز معاقبة غير شخص المجرم، “لا تزر وازرة وزر أخرى”.
إذن، فما العلة وراء إقرار مثل هذه النصوص، سوى محاولة الفكاك من الضمان الاجتماعي ذاته، والتعلل بأية حجج تسمح للدولة من التحلل من التزاماتها الدستورية.
والسؤال الأكثر وضوحا في هذا السياق، لماذا تسعى الدولة في ظل الظروف التي يعاني منها المواطنون من جعل الضمان الاجتماعي، أو ما يسمى بالدعم مشروطاً، بل مكبلاً باشتراطات، تسمح للسلطة من التحلل من هذه الالتزامات، ويضمن لها بموجب نصوص قانونية عدم الالتزام بأي ضمان اجتماعي تجاه مواطنيها، أو الإقلال من أي سبيل يسمح بالإنفاق على المواطنين في أي سياق اجتماعي، وهو ما يؤكد، على أن تلك السلسلة من التشريعات التي دأبت عليها الدولة خلال الفترة الأخيرة، تهدف بالقطع إلى خروج السلطة الحاكمة من أي سياق اجتماعي يضمن أية حقوق للمواطنين تجاه الدولة، وهو ما بدأته منذ إعادة هيكلة النظام الصحي، وتسعير سيارات الإسعاف، والسماح بتأجير المستشفيات، وصولاً إلى هذا القانون، الذي لا يعود على المواطنين سوى بإقلال نسب المستحقين للدعم، بخلاف تحويله على دعم نقدي، في ظل ظروف اقتصادية لا تضمن بقاء قيمة الأموال النقدية عند حد الكفاية الاقتصادية، في ظل انخفاضات متتالية للجنيه المصري، وهو الأمر الذي لا يعني سوى قول واحد، وهو تحلل الدولة من أهم التزاماتها الرئيسية تجاه المواطنين.
وختاما، أضع أمام أعضاء مجلس النواب، بحسب أنهم من يناقشون مواد هذا القانون، وكذلك أمام المواطنين جميعا، بوصفهم أصحاب المصلحة الحقيقية في هذا الوطن، ما أتت به المحكمة الدستورية العليا من تعريف لمضمون الضمان الاجتماعي في الدعوى رقم 47 لسنة 21 قضائية دستورية من قولها إنه: “وحيث إن ما نص عليه الدستور في المادة السابعة من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي، يعنى وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال أفرادها وترابطهم فيما بينهم، فلا يكون بعضهم لبعض ظهيرا، ولا يتفرقون بالتالي بددا، أو يتناحرون طمعا، أو يتنابذون بغيا، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم قبلها، ولا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها. وليس لفريق منهم أن يتقدم على غيره انتهازا، ولا أن ينال قدرا من الحقوق يكون بها عدوانا، أكثر علوا، وإنما تتضافر جهودهم وتتوافق توجهاتهم، لتكون لهم الفرص ذاتها التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ بها ضعفاؤهم، ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار”.