في خضم النزاع الدامي الذي اندلع في إبريل 2023، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يعاني المدنيون، وخاصة النساء والفتيات من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وقد أصبحت تلك الانتهاكات جزءًا من نمط واسع، يشمل الاختطاف، والاغتصاب، والإكراه على الدعارة، ما يعكس فظاعة استخدام العنف الجنسي كأداة في الحرب.
يتقاسم الطرفان المتحاربان السيطرة على مدينة أم درمان، حتى بعد استعادة الجيش السيطرة على الأجزاء الشرقية (محلية أم درمان الكبرى)، وشمال أم درمان (محلية كرري)، وأجزاء واسعة من جنوب أم درمان (محلية أبو سعد)، ولا تزال أجزاء واسعة من محليتي أمبدة ودار السلام غربي أم درمان تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
ومن بين هذه المناطق منطقة أمبدة في مدينة أم درمان، التي شهدت اختطاف واغتصاب لنساء وفتيات على يد أفراد من قوات الدعم السريع. يهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على قصتين مروعتين عن اختطاف واغتصاب نساء في هذه المنطقة، ليظهر كيف يمكن أن يؤدي النزاع إلى استخدام المدنيين كأهداف انتقامية، مما يفاقم المعاناة الإنسانية.
الحادثة الأولى: اختطاف واغتصاب طفلة في أمبدة
في أكتوبر 2024، اختطفت قوات الدعم السريع طفلة، تبلغ من العمر 13 عامًا من حي (الشباب كرور) في منطقة أمبدة بأم درمان. كانت الفتاة قد خرجت من منزلها في الساعة 11 صباحًا؛ لجلب الخبز من مخبز يقع بشارع الصهريج، بعد أن طلب منها والدها ذلك. أثناء طريقها إلى المخبز، استدرجتها امرأة في الأربعينيات من عمرها، تدعى “أم الحسن”، وهي مالكة مقهى محلي (يُسمى في السودان “ست شاي”).
بحسب شهادة والدة الفتاة، كانت أم الحسن تعمل على تلبية طلبات جنسية لأفراد من قوات الدعم السريع مقابل المال. كانت الأم قد رفضت في وقت سابق، طلبًا من أم الحسن للعمل في الدعارة، بعد أن أخبرتها بطلب فرد من الدعم السريع بامرأة متزوجة. بعد اختفاء الفتاة لمدة ساعتين، بدأ والدها بالبحث عنها في المنطقة، وفي أثناء البحث، استفسر عن ابنته من أم الحسن، التي أبدت ارتباكًا ملحوظًا، مما أثار شكوكًا لدى والدتها، ثم تحركت الأسرة في مسعى للبحث عن الفتاة، بالتعاون مع أفراد آخرين من قوات الدعم السريع الذين ينحدرون من جنوب السودان، وبعد ساعات من البحث، تم التوصل إلى الطفلة عبر أفراد آخرين، يقيمون ارتكاز تفتيش في نفس المنطقة، وتم التوصل إليها وإطلاق سراحها في مساء نفس اليوم بعد تعرضها للاغتصاب الجماعي من قبل أفراد آخرين في قوات الدعم السريع.
الحادثة الثانية: اختطاف فتاة في منطقة البحيرة 14
في أغسطس 2024، اختُطفت فتاة تبلغ من العمر 24 عامًا من نفس المنطقة أثناء توجهها لحضور دورة تدريبية في الإسعافات الأولية، نظمتها “غرفة طوارئ أم درمان”، وهي مجموعة تطوعية معروفة بتقديم المساعدة في حالات الطوارئ، كانت الفتاة متوجهة إلى مكان الدورة التدريبية في منطقة البحيرة 14 في مركز بقسم الإمام مالك، ومنذ ذلك الحين، اختفت تمامًا، ولم تعد إلى منزلها. وحتى الآن، لا يزال مصيرها مجهولًا، ما يشكل مأساة حقيقية لعائلتها.
تُظهر الحالات المتعددة في مناطق أمبدة بأم درمان، أن الاغتصاب لا يُعتبر جريمة فردية، بل جزءًا من استراتيجية مرسومة تهدف إلى إضعاف المجتمعات المحلية وتقويض استقرارها الاجتماعي والنفسي. يتم اختطاف النساء والفتيات من حياتهن اليومية، سواء من المنازل أو الأماكن العامة، حيث يُحتجزن في ظروف قاسية، ويتم اغتصابهن بشكل متكرر تحت تهديد السلاح، ورغم أن هذه الجرائم تتم تحت غطاء الحرب، فإن هذا لا يمكن أن يُبرر بأي حال من الأحوال وحشية الاعتداءات، التي لا تقتصر فقط على تدمير الجسد، بل تمتد لتدمير كرامة الضحية وتفكيك النسيج الاجتماعي للمجتمعات. إن هذا النمط المتسلسل من العنف الجنسي لا يُمثل مجرد انتهاك لحقوق الإنسان، بل هو أيضًا جزءا من محاولة ممنهجة لتدمير المجتمع السوداني بأسره.
وتعتبر الحادثتان، جزءًا من نمط أوسع من الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في المناطق التي تسيطر عليها. وتشمل هذه الانتهاكات الاغتصاب والاختطاف والإكراه على الدعارة، وهي جرائم حرب بموجب القانون الدولي، يجب أن يتم التحقيق في هذه الانتهاكات ومحاسبة الجناة وفقًا لهذا لقانون الدولي.