كتبت- إيمان رشدي

الألم في ساق الموظفة الخمسينية “أماني ابراهيم” دفعها للتوجه لمستشفى عام قريب من مكان عملها، وكشفت الأشعة الأولية عن وجود جلطة في الساق، واحتياجها لمزيد من الأشعة والفحوصات.

عندما تقدمت أماني لطبيب الطوارئ بمظروف الأشعة، وقسمات الألم على وجهها، أجابها بلا مبالاة: “الطوارئ مش شغالة النهاردة”، صعقت وسألت عن السبب، فأجابها أن الأطباء قرروا عدم مناظرة المرضى، بعد تطاول أسرة أحد المرضى عليهم، عقب وفاته أثناء الجراحة!!

لم تُجدِ توسلات أماني للطبيب الذي يقارب ابنها عمراً حسب قولها، فجرجرت ساقها المريضة، باحثة عن مستشفى آخر، يبعد عشرات الكيلو مترات.

حالة أماني ليست فريدة، فالشكاوى من استهتار الأطباء أو تقاعسهم، خاصة أقسام الطوارئ الحكومية، كانت عنوانا على عشرات الاشتباكات بين ذوي المرضى والأطباء.

التلكؤ في مناظرة الحالات، والاستهانة بتأوهات المرضى، كانت أبرز انتقادات “أهالي المرضى” الذين فقد بعضهم أعصابه، وتهجم على الطبيب أو الأطباء لفظياً، وربما اشتبك معه، أو حرر له محضراً.

بالتأكيد لا يوجد مبرر للاشتباك خارج الإطار القانوني، وطبعا يعد ضرب الأطباء، أو سبهم عملا شائناً، لكن كما كل أزمة مجتمعية للحكاية روايتان. وربما 3 لو تم رد الأمر من جانب الأطباء لظروف خارجة عن الإرادة كنقص الإمدادات الطبية كما سنرى.

من جانب الأطباء، تتكرر الشكوى من تزايد حالات الاعتداء عليهم، وعلى الطواقم الطبية إجمالا، من التمريض، وفريق الرعاية، وصولا إلى درجة طعن، طبيب طوارئ بسوهاج، بسلاح أبيض من قبل مرافقين لأحد المرضى.

مقابل ما رواه مواطن في أحد قرى دمياط، حيث يقول عطا الرفاعي، إن أحد أقاربه تعرض لحادثة أثناء ركوبه توك توك، وعند نقله للمستشفى، تم تركه، يصرخ في طرقاتها، دون أن يتحرك أي من العاملين لإنقاذه، لدرجة أن أقاربه كانوا يقومون بتركيب أنابيب الأكسجين للمصاب، ويجرون له التنفس الصناعي، رغم كونهم ليسوا أطباء، لعدم وجود من يقوم بهذه الإجراءات الضرورية.

وكشفت دراسة، أجراها باحثون بجامعة الإسكندرية، عن ارتفاع معدل انتشار العنف ضد الأطباء في مصر؛ إذ أوضحت أن 88% من الأطباء تعرضوا لعنف لفظي، و42% لعنف جسدي، و13.2% لتحرش جنسي.

الاشتباك الجسدي والعنف عادة، ما تحدث وقائعه في مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية، وفي الغالب أثناء المناوبات الليلية.

ويعترف الأطباء، أن حوادث العنف التي تقع لزملائهم، عادة ما يكون سببها، أوقات الانتظار الطويلة التي لا يريد أن يتحملها سواء المريض أو مرافقوه، بالإضافة للضغط المتزايد عليهم؛ بسبب ظروف المرضى، خصوصا في أقسام الطوارئ والرعاية المركزة في ظل نقص الإمدادات الطبية.

مخاطر العنف.. وهجرة الأطباء

حذر  نقيب أطباء مصر، من أن ظاهرة التعدي على الأطباء خلال عملهم في الطوارئ باتت متكررة، وتدفع بعدد كبير منهم نحو الهجرة.

وقال الدكتور أسامة عبد الحي، إن عدد الأطباء المصريين نحو 230 ألف طبيب بشري، منهم 80 ألفاً خارج مصر، موزعين ما بين السعودية، حيث يوجد 60 ألفا، و10 آلاف في باقي دول الخليج العربي، والباقي موزعون على دول أوروبا وأمريكا، لافتاً إلى أن هجرة الأطباء بدأت تتصاعد أيضا إلى دول إفريقية، مثل تنزانيا وغينيا.

وذكر تقرير، أصدرته سلطات القوى العاملة البريطانية في عام 2022، أن مصر احتلت المرتبة الثالثة بين أكثر الدول التي يهاجر منها الأطباء إلى بريطانيا.

وأشار التقرير، إلى أن أعداد الأطباء المصريين المهاجرين إلى بريطانيا ارتفعت بنسبة 200% في الفترة بين عامي 2017 و2021.

أسباب قسرية للتقصير

التأخر أحيانا عن تقديم الرعاية اللازمة، والتقصير الذي اعترف به الأطباء أنفسهم، وعزوه في حالات عديدة لنقص الإمكانيات، هل يمكن اعتباره مبررا، أو حتى ظرفا مخففا لوقائع الاعتداء؟

طبيبة قسم الطوارئ بمستشفى الزرقا المركزي، تؤكد أن السبب يكون أحيانا سوء فهم، أو الجهل بمجريات الأمور، وتتذكر بألم كيف صفعها، وانهال عليها محامي بدمياط– والد مريضة- بالسب والقذف، عندما حضر مع والدته، وطلب منها توقيع الكشف الطبي عليها، فطلبت الانتظار لمدة ربع ساعة، حتى تشعر بمفعول العلاج؛ لتفاجأ بعد ذلك بالاعتداء عليها؛ مبررا ذلك بالتباطؤ في تقديم الخدمة.

الاشتباك بين ذوي المريض الذين تنتابهم أحيانا مشاعر، أن الطواقم الطبية تقصر أو تستهين أو تتجاهل أو تتأخر في التعامل مع المريض من جهة، في مقابل الطواقم الطبية الواقعة بين شقي الضغوط المستمرة في عملهم، بالأخص مع نقص أعدادهم، وقلة الإمكانيات، تزايدت حدته؛ لتبلغ في بعض الحالات الذروة بالشروع في القتل.

حدث هذا مع استشاري الباطنة، ومقرر لجنة الفيروسات بـمستشفى العبور بكفر الشيخ، الطبيب مصطفى مختار الشناوي، حيث لجأ مريض وزوجة ابنه لاستدعاء “أشخاص” لمساعدتهم في التعدي على الطبيب والشروع في قتله، ما أدى إلى إصابات متعددة من بينها كسر في الكتف الأيمن.

يأتي ذلك في ظل غياب آلية لتقييم تعامل الأطباء مع الحالات، كونها من الأمور المتخصصة التي لا يوجد فيها نص لتنظيمها بشكل حقيقي حتى الآن.

“الأطباء” تطلب التغليظ

تطالب نقابة الأطباء تغليظ عقوبة الاعتداء على المنشآت الطبية والعاملين بها، واعتبارها جريمة لا يجوز التصالح فيها بأي حال من الأحوال، مع التوسع في الغرامات، وتستشهد بتجارب دولية بينها، المملكة العربية السعودية، حيث يعاقب القانون من يتعدى على مقدم الخدمة الطبية، بالحبس عشر سنوات أو غرامة مليون ريال سعودي.

كما تطالب  النقابة بالحق المدني حتى ولو تنازل الأطباء، و تشدد، على رفضها مبادرات الصلح مع المعتدين على الأطباء والفريق الطبي،  كما حدث في  قضية ضرب طبيب المطرية، والتي تصالح الطبيب دون التنسيق مع نقابة الأطباء 

غياب قانون المسئولية الطبية

تقول إيرين سعيد– عضو لجنة الصحة بمجلس النواب– إن  هناك ضرورة لتقييد أعداد المرافقين اللذين يتم استقبالهم مع المرضى في الطوارئ، لما يشكلونه من عبء على الطواقم الطبية، في ظل غياب طبيب نفسي أو أخصائي اجتماعي، يكون حلقة الوصل بين الأطباء العاملين مع الحالة ومرافقيهم، ما يشكل عبئاً إضافياً على الطبيب في الإجابة عن التساؤلات والتعامل طبياً مع المريض.

الرأي السابق، يدعمه نقيب الأطباء الذي يطالب بضرورة الاقتصار على مرافق واحد فقط مع المريض عند دخوله الطوارئ، إضافة لتأمين المستشفى، بشكل يتيح للأطباء ممارسة عملهم، من دون خوف أو قلق.

يقول الدكتور جمال عميرة- عضو النقابة العامة للأطباء–إن مصر هي الدولة الوحيدة التي يتم الاعتداء على الأطباء فيها، فلا توجد دولة أخرى في العالم، تسمح بمثل تلك الممارسات، والتي لا يمكن ردعها من وجهة نظره، إلا من خلال تطبيق إحدى الاقتراحين المناقشين في مشروع قانون المسئولية الطبية، والذي ما زال على طاولة النقاش.

ويطالب عميرة، بتأمين المستشفيات بشكل كامل من خلال رجال الشرطة، وفي حال حدوث اعتداء على منشأة طبية، تعد من أملاك الدولة، وبحيث لا يتسنى التصالح مع المعتدي.

ويشدد على سرعة إصدار قانون المسئولية الطبية، والذي يغلظ عقوبة الاعتداء؛ لتصبح جنحة، إضافة للغرامة، كما يتم إنشاء لجنة طبية ذات رأي استشاري، تستعين بها الجهة القضائية، تبدي رأيها في وقائع الاعتداء المختلفة.

ويصف دكتور عميرة، اقتراح تواجد طبيب نفسي أو أخصائي اجتماعي، يعمل كحلقة وصل بين الأطباء ومرافقي المرضى، بأنه “صعب التطبيق”.