تكشف البيانات الحديثة عن الواردات المصرية اختلالات عميقة في الإنتاج بمصر، وتنسف العديد من التقارير التي تحمل المواطن دائمًا المسئولية، بزعم أنه استهلاكي وغير منتج، كما تظهر أيضًا أحد عناصر التغذية المستمرة للتضخم بمصر بعيدا عن حجم الطلب والاستهلاك.
أمام مجلس النواب، قال وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المهندس حسن الخطيب، الثلاثاء، إن 83% من الواردات المصرية تركز على مستلزمات الإنتاج والسلع الأساسية، ما يعكس أن العجز في الميزان التجاري ليس نتيجة سلع استهلاكية.
كان أحمد سمير، وزير التجارة والصناعة السابق، قد أكد في فبراير الماضي، أمام مجلس الشيوخ، أن 54% من واردات مصر عبارة عن مستلزمات إنتاج صناعي، واستبعد حينها قدرة الحكومة على تحقيق قفزة في الصادرات لـ100 مليار دولار، في ظل عدم القدرة على توفير قدرة مالية لشراء مواد خام كافية وتطوير أراضٍ صناعية؛ لبناء المصانع وآلات ومعدات وعمالة مدربة ولوجستيات للتخزين، وآليات لنقل المنتجات للخارج وأسواق للتصدير إليها.
لكن الخطيب، الذي يملك مسيرة مهنية امتدت لأكثر من 35 عامًا في بنوك ومؤسسات استثمارية عالمية، كان شديد الوضوح، إذ رفع النسبة عن أحمد سمير بنحو 30% تقريبًا، مؤكدًا أن تكلفة دخول شحنة مستوردة إلى مصر تعادل 6 أضعاف التكلفة في المغرب و12 ضعفًا في الهند.
بحسب الوزير، فإن هذا العبء ينعكس مباشرة على المستهلك المصري، قاصدا ارتفاع مستوى الأسعار، كما يجعل المستثمرين يفضلون العمل في الأسواق المنافسة كالمغرب التي لديها ببيئة استثمارية مستقرة وسياسات واضحة وتكاليف أقل مقارنة بمصر، مضيفا أن نسبة الصادرات من الناتج القومي 10% فقط.
ارتفاع كبير لواردات الغاز والنفط
تستورد مصر في العموم نحو 60% من مستلزمات الإنتاج الصناعية من الخارج، وفقا للبيانات الحكومية خلال التسعة أشهر الأولى من العام الحالي؛ ليبلغ إجمالي واردات مصر خلال الفترة من يناير إلى نهاية سبتمبر الماضي، 57.2 مليار دولار.
بحسب نشرة الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن قيمة واردات مصر من الغاز الطبيعي كانت البطل، إذ ارتفعت بنسبة 138.6% بنهاية سبتمبر؛ لتبلغ 489.9 مليون دولار، مقابل 205.4 ملايين دولار، أما منتجات البترول، فكانت الزيادة 33.9%؛ لتبلغ 1.111 مليار دولار، في مقابل 830.1 مليون دولار.
جاء ذلك، مع تراجع الإنتاج المحلي إلى 3.81 مليارات متر مكعب خلال شهر سبتمبر 2024، ليسجل أدنى مستوى منذ فبراير 2017، البالغ فيه 3.48 مليارات متر مكعب، وارتفعت واردات مصر من الغاز المسال في 2024 بصورة كبيرة، خاصة خلال الربع الثالث من العام الجاري، للمرة الأولى منذ عام 2018، مع عودة البلاد للاستيراد، تلبيةً للطلب المحلي المتزايد.
كان من بين السلع التي ارتفعت أيضًا فول الصويا بنسبة 33.2% لتسجل 170.1 مليون دولار، مقابل 127.8 مليون دولار في الفترة المقارنة، والأدوية 295.3 مليون دولار، مقابل 290.3 مليون دولار، وخامات الحديد ومُركزاتها؛ لتبلغ 150.5 مليون دولار، مقابل 136.9 مليون دولار، والنحاس ومصنوعاته بنسبة 53.8%، لتبلغ 139 مليون دولار، في مقابل 90.4 مليون دولار في الفترة المقارنة.
ارتفعت أيضًا قيمة واردات الكيماويات إلى 285.7 مليون دولار، مقابل 230.8 مليون دولار، واللدائن إلى 306.3 ملايين دولار، مقابل 255.1 مليون دولار، والخيوط بنسبة 51.1%؛ لتبلغ 120.2 مليون دولار، مقابل 79.6 مليون دولار خلال الفترة المقارنة نفسها.
سلع تراجعت وارداتها بشكل ملحوظ
في المقابل، تراجعت واردات القمح والذرة بنسبة 30.4%؛ لتبلغ 480.8 مليون دولار، مقابل 627.2 مليون دولار، وسيارات الركوب إلى 163.8 مليون دولار، مقابل 218.9 مليون دولار، وأجهزة اتصالات والسنترالات (أغلبها هواتف محمولة) بنسبة 34.6% لتسجل 71.7 مليون دولار، مقابل 109.7 ملايين دولار.
كما تراجعت المضخات والمراوح إلى 43.8 مليون دولار، مقابل 44.8 مليون دولار، وورق الصحف والطباعة إلى 29.1 مليون دولار، مقابل 33.6 مليون دولار خلال الفترة المقارنة، والأنابيب ومواسير إلى 41.8 مليون دولار، مقابل 49.9 مليون دولار بتراجع 16.2%.
المواطن.. هل هو المشكلة؟
بالنسبة للسلع الأساسية للمواطن، بلغ حجم واردات مصر 11.5 مليار دولار خلال التسعة أشهر الأولى من العام الحالي، مقابل 11.26 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي بزيادة 2%، ومثلت السلع التموينية الاستراتيجية نحو خُمس واردات السلع التموينية.
استوردت مصر لحوما ودواجن وأسماك بقيمة 1.2 مليار دولار، مقابل 1.34 مليار دولار في الفترة المقارنة، بتراجع يتجاوز 10%، وشكلت اللحوم الحمراء وحدها 808 ملايين دولار، مقابل 853 مليون دولار، أما الدواجن فبلغت 39 مليون دولار، مقارنة بـ 109 ملايين دولار خلال الفترة المقارنة ذاتها.
بالنسبة لباقي السلع الاستراتيجية، تراجعت واردات مصر من الأرز بنسبة 45% إلى 71 مليون دولار، بينما ارتفعت واردات الفول 8.5% إلى 215 مليون دولارـ، وكذلك واردات الزيوت النباتية التي هبطت بنسبة 11% إلى 1.57 مليار دولار، مقابل 1.78 مليار دولار، خلال الفترة المقارنة ذاتها.
ارتفاع مستلزمات الإنتاج المستوردة يحرك التضخم
ارتفاع أسعار السلع والخامات المستوردة، يعني ارتفاع الأسعار، خاصة أن مصر تستورد 60% من مستلزمات الإنتاج الصناعي من الخارج، فصناعة مثل الملابس على سبيل المثال ارتفعت أسعار مستلزمات الإنتاج منذ بداية يناير 2023، إلى يناير 2024 بنسبة 200%، ما رفع أسعار المنتج النهائي، بنسب تتراوح بين 150 و175%.
يتكرر الأمر ذاته مع الصناعات الغذائية التي تنخفض فيها مستلزمات الإنتاج المستوردة لـ 20% فقط، لكنها تحركت أيضًا؛ بسبب سعر صرف الدولار أمام الجنيه، إذ يتم استيراد المعدات بما فيها معدات التعبئة والتغليف من الخارج.
تمثل مستلزمات الإنتاج المستوردة عقبة أمام خطة الحكومة لتوطين الصناعة التي وصفها وزير الصناعة والنقل كامل الوزير، بـ “صناعة الدولار” في مصر، عبر تطوير القطاع الصناعي وتقليل الواردات للإسهام في تراجع سعر صرف الدولار إلى 25 جنيها، بدلا من 50 جنيها، على حد قوله.
ووفقا للوزير، في مقابلة بثتها قناة “إكسترا نيوز” يوليو الماضي، فإن الحكومة الجديدة لديها خطة “عاجلة” لمدة 3 سنوات لتطوير القطاع الصناعي، بهدف استبدال الواردات السلعية بالإنتاج المحلي، مما يوفر للدولة المزيد من العملة الصعبة.