كتبت- إيمان رشدي ولبنى عبد العزيز

28 يناير المقبل هو الموعد المحدد لمناقشة تقرير مصر الحقوقي بالدورة الرابعة لآلية الاستعراض الأممي الدوري الشامل (UPR).

فالاستعراض هو آلية أممية فريدة تنطوي على تفحص سجلات حقوق الإنسان الخاصة بجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة، مرة كل أربع سنوات.

ويعتبر الاستعراض الدوري الشامل هو الآلية التي وضعها مجلس حقوق الإنسان الدولي ، مستندا إلى المساواة في المعاملة بين جميع البلدان.

وفي إطار التحضير للحدث، قدمت 82 منظمة حقوقية مساهماتها في أوراق، باعتبارها “الجهات صاحبة المصلحة”، كما تسميها الأمم المتحدة، منها منظمات تعمل داخل مصر كالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية والمركز العربي لاستقلال القضاة والمحاماة ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، وأخرى ــ تمثل الغالبية من بينها ــ تقع مقراتها خارجها، كمنظمة هيومن رايتس ووتش، والمؤسسة الأوروبية لحقوق الإنسان، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومركزي الشهاب والنديم لحقوق الإنسان، ومنظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان.

كانت مصر قد خضعت للمراجعة الدورية الثالثة في نوفمبر 2019، على إثرها تلقت 351 توصية، بينهم 270 توصية مقبولة بشكل كلي، بالإضافة إلى 24 توصية، اعتبرتها منفذة، في حين تم قبول 31 توصية جزئيًا، بينما لم تقبل 30 توصية.

وتحضيرا للحدث المرتقب الذي يجري كل خمس سنوات، أوجز الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل، 82 ورقة عمل مقدمة إليه في تقرير عنونه “موجز ورقات المعلومات المقدمة من الجهات صاحبة المصلحة بشأن مصر”.

رصد التقرير، ما اعتبره تفاقما لأزمة حقوق الإنسان في مصر خلال السنوات الخمس الماضية، وتصاعد حدة الانتهاكات في الفترة من نوفمبر 2019، وحتى منتصف العام الجاري.

وركز بشكل خاص على الانتهاكات المتعلقة بالحق في الحياة والحماية من التعذيب والاختفاء القسري، والتجمع السلمي والتنظيم ومكافحة الإعدام.

إضافة لحقوق النساء ومكافحة العنف ضد المرأة، والحقوق والحريات المتعلقة بالنوع، وكذا الحقوق الجنسانية، وأوضاع حقوق الإنسان في سيناء، وأوضاع أماكن الاحتجاز، وحقوق الأقليات والانتهاكات بحق اللاجئين، والإخلاء القسري للسكان، وقمع النشطاء المصريين بالخارج.

توصيات متعلقة بالالتزامات الدولية 

فيما يتعلق بالإطار التشريعي، حث التقرير الدولة المصرية على التوقيع على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأسرهم، والتصديق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، إضافة إلى قبول اختصاص اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري.

وطالب إضافة لذلك بسحب التحفظات المصرية على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. 

كما أوصت عديد من الجهات صاحبة المصلحة بالانضمام إلى البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

نماذج انتهاكات وملاحظات

من خلال الأوراق الـ82، استخلص التقرير الموجز ــ لأسباب تتعلق بالقيود على عدد الكلمات ــ نماذج للانتهاكات وملاحظات، قدمها تحت عدد من العناوين، تضمنت مسائل من بينها التالي:

الاختفاء القسري والتعذيب والتدوير   

وهو انتهاك أو مشكلة قائمة منذ أمد بعيد، وتتصاعد لتأتي في صورة اختطاف أفراد أو احتجازهم، فيما يعرف بحالات الإخفاء القسري والتعذيب داخل مراكز الاحتجاز، خاصة من قبل قطاع الأمن الوطني، يقع فريسة لها النشطاء السياسيون والصحفيون والمدافعون عن حقوق الإنسان والأقليات.

يأتي ذلك مع تجاهل النيابة العامة والمحاكم شكاوى محامي الضحايا، في ظل استمرار سياسات التدوير كآلية عقابيه لبقاء المحتجزين أطول مدة ممكنة.

ومنذ الاستعراض الدوري الشامل السابق – 2019- لم يتم اتخاذ أي إجراء لتناول تعريف التعذيب في التشريعات المصرية حتى الآن، أو حتى إنشاء هيئة تحقيق مستقلة، تتولى شكاوى الضحايا.  

وجاءت أبرز التوصيات المتعلقة بهذه النقطة، وقف الاختفاء القسري أولا، مع إجراء تحقيقات مستقلة ومعاقبة المتورطين في هذه الانتهاكات مع ضمان تسجيل المحتجزين أولا بأول ووصولهم إلى محاميهم للحصول على المشورة القانونية.

مع التوصية بمواءمة تعريف التعذيب في التشريعات الداخلية مع التعريف الوارد باتفاقية مناهضة التعذيب مع تقديم تعويضات كافية للناجين من تلك الممارسات.

أوضاع السجون وأماكن الاحتجاز.. قسوة غير مبررة

أبرز الانتهاكات في هذا المجال، كانت تلك المتعلقة باستخدام الحبس الانفرادي التعسفي، تجاوزا للمدة المحددة لذلك في القانون– 30 يوما- ناهيك عن اكتظاظ السجون، وسوء المعاملة، والإهمال الطبي، وتفشي حالات الانتحار؛ نتيجة الظروف القاسية.

وكذا استمرار سياسة الحبس الاحتياطي، فما زال الصحفيون والمدافعون عن حقوق الإنسان يواجهون الحبس الاحتياطي، والذي أصبح إجراء عقابيا ضد المعارضين يتم إطالة أمده من خلال، ما يسمى بالتدوير – التناوب – وهو إدراجهم في قضايا جديدة، عادة ما تكون متطابقة.

التوصيات شملت تحسين أوضاع السجون، مع ضرورة توفير مرافق ملائمة؛ بهدف منع حدوث حالات وفاة أثناء الاحتجاز، وتوفير آليات الحياة من غذاء ومستلزمات صحية وضمان معاملة إنسانية للمحتجزين وفقًا للقوانين الدولية.

كما لا يوجد ما يمنع ــ حسب التقرير ــ من إقامة شراكات أقوى مع المنظمات غير الحكومية لرصد الإصلاحات في مراكز الاحتجاز.   

عقوبة الإعدام.. تزايد مقلق  

 التخوف الأكبر الذي حمله التقرير، كان من استمرار تطبيق عقوبة الإعدام بمعدلات مرتفعة، مع تزايد أحكام الإعدام في قضايا سياسية وجنائية، وساعد على ذلك تواجد أكثر من 100 جريمة، يعاقب عليها بالإعدام بمختلف التشريعات، ناهيك عن حالات الإعدام خارج نطاق القضاء، التي تم رصد حالات منها عبر فيديوهات – أشارت إليها منظمة هيومن رايتس ووتش.

وجاءت التوصيات بإلغاء عقوبة الإعدام أو تقليص استخدامها وفقًا للمعايير الدولية مع تقييد نطاقها. 

حرية التعبير والإعلام.. تقييد متواصل  

رصد التقرير استمرار سياسات فرض رقابة مشددة على وسائل الإعلام، فضلا عن حجب المواقع الإلكترونية، والاعتقالات التعسفية للصحفيين والنشطاء، والتي طالت أقارب الصحفيين والمعارضين في الخارج والمتظاهرين، بل والمحامين وغيرهم ممن انتقد السياسات الحكومية.

وأشارت الجهات صاحبة المصلحة، إلى أن القوانين الأخيرة قيدت حرية التعبير والصحافة، ومنها مثلا قانون مكافحة الجرائم الالكترونية، وتكنولوجيا المعلومات، فضلا عن حملات التشهير التي تستخدم ضدهم.

كما يحظر القانون رقم 107 لسنة 2013 حرية تكوين الجمعيات والتجمع السلمي– التجمهر– ويعتبر التجمعات التي تضم عددا من الأفراد خمسة مثلا أو أكثر، تجمعا غير قانوني، وعليه أوصى التقرير بإلغاء القانون من أجل احترام الحق في التجمع السلمي الذي يعبر عن الإرادة الحرة.

وتأتي سياسات حجب المواقع الإلكترونية، دون صدور أمر قضائي، ودون إبداء الأسباب.

إضافة إلى اعتقال عديد من المحامين، دون إبداء أسباب، ووصل الأمر إلى الاعتداءات البدنية والترهيب، وعليه أوصى التقرير، أن يضمن هؤلاء حقوقهم، بما يمكنهم من أداء عملهم دون خوف أو ترهيب.

إضافة إلى التضييق على النشاط السياسي، اعتقال مرشحي المعارضة، وتقييد النشاط الحزبي، وطالب التقرير بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وضمان تنظيم انتخابات حرة ونزيهة.

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.. التدهور يتواصل    

مع تفاقم الأزمات المالية التي تشهدها البلاد، شهدت الخدمات الأساسية تدهورا مثل الصحة والتعليم.

جاء ذلك مع انتشار تدابير التقشف والافتقار إلى السياسات الفاعلة، فأوصت الورقة بزيادة الاستثمار الحكومي والإنفاق في مجال الرعاية الصحية، وفيما يتعلق بالحق في التعليم، جاءت التوصيات بصدد الحصول على تعليم مجاني وجيد في جميع أنحاء البلاد وبين جميع الأفراد.

وأشار التقرير، إلى أن المسائل الناشئة عن الحقوق الرقمية تتقاطع مع الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يدعو بالضرورة إلى التوصية بضمان حصول جميع المواطنين على الإنترنت بشكل عادل.

مكافحة الإرهاب والإرهابيين.. غموض المصطلح

تعريفات فضفاضة وإجراءات تعسفية، تسمح بالمراقبة وحظر السفر، بل وتجميد الأصول، رصدها التقرير الذي لاحظ أن تعريفات الإرهابيين والكيانات الإرهابية واسعة وغامضة من خلال احتواء التشريعات على مصطلحات غامضة وواسعة– كالإخلال بالنظام العام– والتي تستخدم كذريعة للعديد من الانتهاكات.

إضافة لإدراج المدافعين عن حقوق الإنسان على قوائم الإرهاب.

وعليه أوصت المنظمات صاحبة المصلحة بضرورة مراجعة التعريفات الواردة بالتشريعات لتتماشي مع المعايير الدولية، مع حذف المدرجين على قوائم الإرهاب من المدافعين عن حقوق الإنسان.

وأوصت عديد من الجهات بينها، المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة بإلغاء محاكم دوائر الإرهاب والمحاكم الاستثنائية كمحاكم امن الدولة العليا طوارئ، والتوقف عن استخدام إجراءات مكافحة الإرهاب ذريعة؛ لاستهداف النشطاء سواء محليا أم دوليا.

استقلال القضاء.. تحديات تشريعية وتنظيمية 

ما زال القضاء يعاني من أزمات تشريعية وتنظيمية، تحد من قدرته على المستوى الفردي والتنظيمي.

فالمحاكم العسكرية تجري محاكمات للمدنيين، وهو ما يشكل خطورة فادحة، حيث يفتقر الأفراد في تلك الحالة للضمانات الموكلة لهم في المحاكم العادية، وعليه جاءت التوصيات بإلغاء قانون السلطة القضائية أولا، وقصر قضاء المحاكم العسكرية على الجرائم العسكرية فقط، مع المطالبة بضرورة إنهاء الدعاوى المرفوعة ضد المتهمين المحالين إلى المحاكم الاستثنائية أثناء حالة الطوارئ.

مع ضرورة توقف تدخل السلطة التنفيذية في اختيار أعضاء النيابة العامة.

حقوق النساء.. التشريع المفتقد 

ما زالت مصرــ حسب التقرير الموجزــ تفتقر إلى تشريع شامل بشأن مكافحة العنف ضد المرأة حتى الآن، كما أن الاغتصاب الزوجي لم يجرم رغم تجريم الاغتصاب.

أما بالنسبة لما تواجهه النساء في السجون، فما زالت الانتهاكات مستمرة، وبالأخص مع وجود كاميرات مراقبة تعمل بشكل مستمر.

فضلا عما تواجهه العاملات من النساء في الخدمة المنزلية من تحديات انعدام المساواة بين الجنسين والتفاوت في الأجور وانعدام الشفافية.

وأوصت الورقة بسن قوانين جديد للأسرة، بدلا من القوانين التي- عفا عليها الزمن– على حد وصف التقرير، والتي تحرم المرأة من حقوق الطلاق والوصاية على الأطفال.

الأطفال.. التسرب من التعليم وأزمات أخرى

ما زال الأطفال في مصر يواجهون أزمات التسرب من التعليم، وما يتبعه من انتشار العمالة غير المنتظمة لهم، ناهيك عن أطفال الشوارع.

أما عن مسالة زواج الأطفال، فأشارت الورقة إلى أن الأطفال ما زالوا يفتقرون إلى “الموافقة المستنيرة” أي تبصيرهم بما هم مقبلون عليه، وما زالوا لا يفهمون عواقب الزواج فهما كاملا، وأوصت بضرورة إنفاذ قانون لزواج الأطفال، إضافة إلى حماية النساء من الممارسات الضارة– ختان الإناث، والاغتصاب الزوجي.

اللاجئون.. بدون تعريف ولا حصر

لا زال التشريع المصري مفتقرا لتعريف” اللاجئ”، أو حصر فعلي لأعدادهم في ظل توالي عمليات الترحيل القسري، والتي تشكل خطرا على أمنهم وسلامتهم.

 كما أن حالات إنقاذهم من على الحدود غير مفوض بها حتى الآن، وهو ما يؤدي إلى انتشار المزيد من حالات الوفاة، خصوصا مع انتشار قوارب الموت التي تنطلق إلى أوروبا والتي تحمل من فروا للبحث عن لقمة العيش على الرغم من وجود قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية.

وأوصت الورقة المشتركة بتوفير الحماية القانونية للعمال المهاجرين، وخاصة أولئك الذين يجري استغلالهم في القطاعات غير الرسمية وغير النظامية، ورصد مكافحة كافة أشكال استغلال العمالة مع مواجهه التحديات الاقتصادية التي يواجهها هؤلاء.

الاستعراض الدوري الشامل.. فرصة مواتية

على خلاف ما قد يراه البعض، يعد الاستعراض فرصة لـ 193 دولة من بينها مصر للإعلان عن الإجراءات التي اتخذتها لتحسين أحوال حقوق الإنسان.

فالاستعراض هو الآلية التي تضمن المساءلة الدولية والمراجعة المنتظمة لوضع حقوق الإنسان في كل دولة، مما يساعد على تعزيز التزام الدول بحقوق الإنسان وتحقيق تحسينات ملموسة في هذا المجال.

مصر.. والاستعراض الدوري الشامل

خضعت مصر لعملية الاستعراض الدوري الشامل عدة مرات، منذ تأسيس الآلية في 2006.

وفي كل مرة، كانت الحكومة المصرية تقدم تقريرًا، يوضح التقدم المحرز في مجال حقوق الإنسان في البلاد، إضافة إلى التحديات التي تواجهها.

 بعد ذلك، تقدم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة توصياتها لمصر لتحسين وضع حقوق الإنسان فيها، وتشمل تلك التوصيات عادة قضايا مثل الحرية السياسية، وحرية التعبير، وحقوق النساء والأطفال، وحقوق الأقليات، ومكافحة التعذيب، والعدالة الاجتماعية.

بينما تقدم مصر تقارير وتوصيات عن حالة حقوق الإنسان في البلاد الأخرى، وتعرض الإجراءات التي تم اتخاذها لتنفيذ التزاماتها بموجب المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان.