كتب- سمير عثمان
وافق مجلس الشيوخ الاثنين بشكل نهائي على مشروع قانون المسئولية الطبية وحماية المريض.
وينتظر أن يبلغ مجلس الشوخ، مجلس النواب، بما انتهى إليه رأيه، حيث أن القانون محال إليه من مجلس النواب طبقا للدستور.
وأثار مشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة لمجلس النواب، والذي أحاله بدوره إلى مجلس الشيوخ، حالة كبيرة من الجدل حول المواد المتعلقة بحبس الأطباء في الأخطاء المهنية، والغرامات المقررة سواء على الأطباء أو المرضى، وأكدت النقابة العامة للأطباء رفضها مشروع القانون بشكله الحالي.
وكانت مناقشات ساخنة قبل الموافقة النهائية، شهدتها أولى جلسات مناقشة مشروع القانون بمجلس الشيوخ، ما بين مطالبات بتطبيق القانون وبين تخوفات من تطبيقه؛ بسبب الاعتراضات حول العديد من البنود.
مشروع القانون الذي حصل “مصر 360” على نسخة منه، تضمن 30 مادة مقسمة إلى 5 فصول، نص الفصل الأول على الأحكام العامة للمسئولية الطبية، فيما تضمن الفصل الثاني التزامات مقدم الخدمة والمنشأة، والفصل الثالث تطرق إلى اللجان والخبرة الفنية، وحدد الفصل الرابع التعويضات عن الأضرار الناجمة عن الأخطاء الطبية، وجاءت العقوبات في الفصل الخامس، وهو الفصل الذي حوله أغلب الاعتراضات.
الحبس والغرامة
المادة 24 من مشروع القانون، تضمنت: “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر أو بغرامة لا تتجاوز 10 آلاف جنيه، كل من أهان بالإشارة أو القول أو التهديد أحد مقدمي الخدمة أثناء تأدية مهنته أو بسبب؛ تأديتها”، فيما زادت العقوبة في المادة 25 بالحبس سنة أو غرامة 50 ألف جنيه، كل من أتلف عمدًا شيئًا من المنشآت أو محتوياتها أو تعدى على مقدم الخدمة، كما يحكم على الجاني بدفع قيمة ما أتلفه.
فيما تضمنت المواد من 26 إلى 30 العقوبات المقررة على الأطباء نتيجة الخطأ الطبي والخطأ الطبي الجسيم، والصلح أو التسوية، أو وفاة متلقي الخدمة.
وفي هذا السياق، قال الدكتور أسامة عبد الحي، نقيب الأطباء، وأحد المشاركين في الاجتماعات الموسعة حول مشروع القانون، أن النقابة ترفض بشكل قاطع، مشيرًا إلى أن أطباء مصر، لن يقبلوا بقانون يقيد عملهم.
وأضاف عبد الحي، أن النقابة أصدرت بيانًا رسميًا، تؤكد فيه رفض مشروع القانون، لأنه يهدر حقوق الأطباء في ممارسة آمنة لعملهم، حسب تعبيره.
الأمر نفسه أكد عليه الدكتور أبو بكر القاضي، أمين صندوق نقابة الأطباء، الذي أوضح، أن النقابة دعت لجمعية عمومية طارئة يوم 3 يناير المقبل، لإعلان رفض مشروع القانون، مشددًا على أن هناك حملة ممنهجة للضغط على الأطباء من أجل قبول وتمرير القانون.
وأضاف القاضي لـ”مصر 360″، أن الجمعية العمومية الطارئة ستبحث التحركات والإجراءات اللازمة للتصدي لمشروع القانون الذي يتضمن مواد تقنن حبس الأطباء في القضايا المهنية، واصفًا مشروع القانون بصيغته الحالية، بأنه يهدد المنظومة الصحية بالكامل.
وتابع أمين صندوق نقابة الأطباء، أن الاعتراضات تتمثل في العقوبات المقررة على الأطباء؛ نتيجة أخطاء مهنية متعارف عليها في العالم أجمع.
الطب الدفاعي
وتساءل كيف يمكن أن تكون العقوبة على من يهدد طبيب أو يدمر منشأة طبية، بمبالغ لا تتعدى 10 آلاف جنيهًا أو 50 ألف جنيه، وعقوبات لا تتعدى ستة أشهر أو سنة؟ مشيرًا إلى أن هذه العقوبات لا يمكن أن تردع، بل تكون سببًا في وقوع العديد من المشكلات بين مقدمي الخدمة الطبية والمرضى. وأكد القاضي، أن القانون سيكون سببًا في هجرة الأطباء للخارج، لأنه يزيد من انتشار الطب الدفاعي.
ويقصد بالطب الدفاعي عدم قيام الأطقم الطبية بمهام مسئولياتها خوفًا من وقوع خطأ تكون عقوبته هي الحبس، وهو ما يؤدي إلى وجود آلاف الحالات داخل المستشفيات بدون وجود أطقم لخدمتها أو تقديم الرعاية لها، مثل طبيب التخدير الذي قد يرفض تخدير مريض يستعد لإجراء عملية جراحية، بسبب تخوفه من أن خطأ في جرعة التخدير قد يزج به في السجن.
ووفق دراسة حديثة تم نشرها بواسطة مجموعة من العلماء والأطباء المصريين، وشارك فيها الدكتور محمد جاب الله- استشاري الطب الشرعي وعضو مجلس نقابة أطباء الدقهلية، فإن النتائج صادمة حول ممارسة ثلث الأطباء المصريين للطب الدفاعي، وهو الذي يعتمد وينطوي على إجراء فحوصات طبية وتشخيصية وعلاجية مبالغ فيها؛ خوفًا من المساءلة القانونية وقضايا المسئولية الطبية.
ورصدت الدراسة تجنب الأطباء التعامل مع الحالات الخطرة والمعقدة، ومع المرضى الذين سبق لهم تقديم شكاوى؛ خوفًا من المساءلة القانونية، كما أظهرت أن أغلبية الأطباء في التخصصات الجراحية، وخاصة في المستشفيات الحكومية، يلجأون للطب الدفاعي، وكلما زادت خبرة الطبيب، كلما لجأ له أكثر، كما أن الأغلبية من الأطباء الذين لجأوا للطب الدفاعي، سبق وأن تعرضوا لشكاوى قانونية وتهديد بالمقاضاة من جانب المرضى وذويهم.
وأوضحت الدراسة، أن الطريقة الوحيدة لتقليل ممارسة الطب الدفاعي هو في إنشاء محاكم وهيئات متخصصة في بحث قضايا المسئولية الطبية، ووجود شركات تأمين ضد مخاطر وأخطاء مهنة الطب، وكذلك التدريب والتثقيف المستمرين للأطباء في المجالين الطبي والقانوني.
مؤازرة
الدكتور نبيل دعبس، رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس الشيوخ، طالب بتأجيل مشروع القانون في الوقت الحالي، نظرًا لتخوفه من إقرار وتطبيق مشروع القانون على أرض الواقع في الوقت الحالي.
وأضاف دعبس خلال مناقشة مشروع القانون، أن القانون قد يفتح الباب لمطالبات عديدة من المرضى بالحصول على تعويضات من الأطباء أو مقدمي الخدمات الطبية، بمجرد تعرضهم لأي مضاعفات في مراحل الكشف أو التدخل الطبي، وهو الأمر الذى يستحق التأني في الدراسة، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
نفس الأمر أكده الدكتور حسام الملاح، عضو مجلس الشيوخ، الذي أشار إلى أنه لا يوجد أحد يقبل أي تقصير أو خطأ، يتم من قبل الأطباء في حق المريض، منوهًا أن المضاعفات التي قد تحدث للمريض لم يتطرق إليها مشروع قانون المسئولية الطبية، فضلا عن أن هناك هجرة جماعية من الأطباء؛ بسبب تلك القضايا، ومن الممكن أن يؤدي مشروع القانون لرد فعل عكسي، فيما يتعلق بهجرة الأطباء، داعيًا لدراسة أكبر للقانون قبل إقراره.
الدكتور إيهاب هيكل، نقيب الأسنان، أكد رفض جميع نقابات الأطباء لمشروع القانون، مشيرا إلى أن اسم مشروع القانون وحده يعطي انطباعًا، بأنه يحفظ حقوق المرضى فقط، فهو قانون “المسئولية الطبية وحماية المريض”، متسائلًا: “ومن يحمي الأطباء ومقدمي الخدمة الطبية؟”
وتابع هيكل لـ”مصر 360″ أن هذا القانون إذا تم تطبيقه وإقراره ستواجه المنظومة الطبية أزمات لا حصر لها، سواء من المرضى أو من الأطباء الذي سيلجأون إلى الطب الدفاعي، أو أولئك الذين أعلنوا اكتفاءهم بالتدريس في الجامعات فقط، ولن يدخلوا المستشفيات، فضلًا عن الأطباء الذين سيقررون الهجرة؛ نتيجة عدم وجود مناخ ملائم لممارسة مهنة الطب في مصر.
على صعيد متصل، أعلن عديد من الأطباء وأساتذة الجامعات رفضهم مشروع القانون على منصات التواصل الاجتماعي، وقرارهم بالتوقف عن ممارسة مهنة الطب، إذا تم إقرار القانون.
وقال الدكتور أحمد الشيخ، أن الأطباء لا يبحثون عن حصانة أو حماية من المساءلة والمحاسبة، ولكن يجب أن تتم هذه المحاسبة وفق أسس علمية وليس بشكل جنائي.
وأضاف، أن ما يقره مشروع القانون الجديد، هو مزيد من الملاحقات القضائية لمقدمي الخدمة الطبية، مشيرًا إلى أن الأطباء وقتها سيكون هدفهم الأول هو حماية أنفسهم، وليس إنقاذ المرضى، وهو ما يؤدي إلى خلل المنظومة الطبية، حيث المريض يعاني وفي حاجة لمن ينقذه، بينما يخشى الطبيب إجراء أي تدخل جراحي حماية لنفسه.
ما زال في مرحلة المناقشات
النائب عاطف مغاوري عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، قال إن القانون ما زال في مرحلة المناقشات، وبعد مجلس الشيوخ سيعود إلى مجلس النواب مرة أخرى لعقد جلسات عامة حوله.
وأضاف مغاوري، أنه لا يمكن تمرير القانون إلا بعد النقاش مع المتخصصين، منوهًا أن الهدف في النهاية هو حماية المريض والطبيب، وليس حماية طرف واحد.
وشدد على أن المجلس يستمع لكل الآراء من أجل الوصول إلى “صيغة توافقية” حول المسئولية الطبية.