تظهر توجيهات وزارة المالية للجهات الإدارية والهيئات الاقتصادية منحى تقشفيا للموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد 2025/ 2026، في ظل استمرار تقليص التعيينات الحكومية الجديدة، وغل يد الوزارات والوحدات المحلية عن التوسع بالإنفاق.

تشير الموازنة التقشفية إلى سياسة حكومية رامية إلى خفض الإنفاق، وغالبًا ما يكون ذلك من خلال تقليص الخدمات العامة، بهدف خفض العجز في الموازنة، وبالتالي تقل الحاجة للاقتراض لتمويله، وذلك بعدما أظهر أداء الموازنة العامة الحالية 2024/ 2025 استمرار تأثير فوائد الديون التي مثلت 53% من إجمالي مصروفات الخزانة العامة في 4 أشهر.

تعد الجهات الإدارية حاليًا، مقترحاتها للموازنة العامة للعام الجديد، والإطار الموازني متوسط المدى (3 سنوات)، على أن تسلمه لوزارة المالية بحد أقصى 9 يناير المقبل، وخلال شهري يناير وفبراير 2025، من المقرر عقد سلسلة من المناقشات المشتركة بين تلك الهيئات ووزارة المالية.

ضبط الإنفاق.. توجه واضح في العام الجديد  

تعليمات وزارة المالية، تضمنت ترشيد الهيئات الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال العام الإنفاق، خاصة في العناصر غير المرتبطة بالإنتاج، مع رفع كفاءة الإنفاق الحكومي وتعظيم الإيرادات بالوقت ذاته.

في منشور إعداد الموازنة الذي عممته الوزارة على جميع الجهات الإداري للدولة، تم التأكيد على ضرورة الالتزام بالشراء من الإنتاج المحلي، إلا بحالات الضرورة القصوى حال عدم توافر الإنتاج الوطني بجانب مراعاة أحكام القانون بتنظيم التعاقدات التي تبرمها الجهات العامة، وترشيد استهلاك الكهرباء والمياه من خلال أعمال الصيانة والكشف الدوري، مع ضرورة استخدام جميع أجهزة الدولة للمبات الموفرة للطاقة.

الهيئات الاقتصادية وقطاع الأعمال العام ملزمًان أيضًا، بالاستفادة من المخزون الراكد مع الاحتفاظ بالحد الأدنى للمخزون الاستراتيجي اللازم، وحظر إدراج أي اعتمادات لشراء مستلزمات جديدة، طالما تتوافر بالجهة الإدارية احتياجاتها.

ارتفع الإنفاق على المواد الخام في الأربعة أشهر الأولى من العام المالي الحالي، بنحو 5.8 مليارات جنيه، إلى 18 مليار جنيه خلال فترة الدراسة، كما ارتفع الإنفاق على الصيانة بنحو 1.3 مليار جنيه، بنسبة %24.8 ليحقق 6.6 مليارات جنيه خلال الفترة المذكورة.

تقييد التعيينات الجديدة

التعليمات التي تضمنها منشور إعداد الموازنة، تنص على حظر إجراء أية تعاقدات جديدة في ضوء أحكام قانون الخدمة المدنية، إلا في حالات الضرورة وبموافقة رئيس مجلس الوزراء لمدة لا تجاوز ثلاث سنوات، بناء على عرض الوزير المختص، وذلك دون الإخلال بالحد الاقصى للأجور.

وقضت أيضًا بعدم إجراء تعاقدات تحت أي بند من بنود الموازنة العامة للدولة أو الحاق أي عمالة تحت أي مسمى، أيًا كان مصدر تمويلها، إلا بعد دراسة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، ووزارة المالية وموافقة رئيس مجلس الوزراء.

وبحسب آخر التقارير الصادرة عن المالية، فإن ارتفع الإنفاق على الأجور وتعويضات العاملين بنحو 36.1 مليار جنيه بنسبة %22.4 ليحقق 197.1 مليار جنيه خلال فترة الدراسة.

امتدت التضييق أيضًا إلى حوافز الأداء ومقابل وظائف الإدارة العليا ومقابل ساعات العمل الإضافية، ومقابل التشجيع على العمل بوظائف أو مناطق معينة والنفقات التي يتحمله الموظف في سبيل أداء أعمال وظيفته والمزايا النقدية والعينية وبدلات الموظفين، إذ اشترط عرضها من الوزير المختص بعد موافقة وزير المالية مع عدم جواز زيادتها، إلا بقرار من رئيس مجلس الوزراء وموافقة وزير المالية ودراسة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة.

كما استمر حظر صرف مكافأة نهاية الخدمة للعاملين على اعتمادات موازنات جميع الجهات الداخلة بالموازنة العامة للدولة والهيئات العامة الاقتصادية، وعلى كل الجهات الإدارية الداخلة بالموازنة العامة للدولة إدراج كافة المخصصات المالية من مكافآت وبدلات ومقابل حضور جلسات ورواتب، وأية مزايا أخرى بخلاف المزايا التأمينية التي تتقاضاها الفئات.

لا مجال للرفاهية

اشترطت وزارة المالية على كافة الجهات التي تم نقل مقراتها بالكامل للعمل بالعاصمة الإدارية الجديدة عدم إدراج أية مبالغ، تخص تشغيل أو صيانة أو شبكات إنترنت أو نظافة أو أيه مصروفات أخرى لازمة للمباني القديمة باستثناء نفقات الأمن والحراسة مع موافاة وزارة المالية ببيان مستقل لتلك النفقات.

وتم التنبيه على ضرورة وضع معدلات استهلاك الوقود والزيوت لكل سيارة، بما يضمن استمرارها في تأدية الخدمة على مدار العام، وعدم السماح بتجاوز المعدلات الموضوعة، ومراعاة المعدلات المحددة بمعرفة الهيئة العامة للخدمات الحكومية، مع إعداد بيان بوسائل النقل والانتقال المملوكة للجهة.

أما الجهات التي تتولى عقد مؤتمرات أو تنظيم مهرجانات الحد من السفر للخارج للأفراد أو الوفود، فيقتصر ذلك على المهام الرسمية الأساسية فقط، وفي حدود أقل عدد ممكن، والضرورة القصوى أو في حال تحمل الجهة الداعية أعمال السفر بالخارج .

امتد الأمر إلى الإعلانات والدعاية التي تم حظرها، إلا فيما يرتبط باحتياجات العمل الضرورية ومتطلباته الأساسية، مع مراعاة أن يكون النشر عبر الصحف القومية والمواقع الإلكترونية الخاصة بها، وفي أضيق الحدود، بجانب حظر نشر التهاني أو التعازي في المناسبات المختلفة.

ووضعت الوزارة حظرًا على شراء سيارات الركوب (الصالون، الجيب والاستيشن) بجانب تحويلها هي وسيارات النقل العالم للعمل بالغاز، بدلاً من البنزين والسولار، وإمكانية اتباع أسلوب التأجير، بدلا من الشراء بالنسبة للسيارات في حال ثبوت جدواها، وأن يكون شراء وسائل النقل والانتقال من الإنتاج المحلي فقط، وباتباع خطة الإحلال والاستبدال التي تقوم بها الهيئة العامة للخدمات الحكومية.

وشمل الحظر شراء الأجهزة المكتبية والأثاث، فيما يجاوز الاعتمادات المدرجة في الموازنة، وكذلك الخطوط التليفونية وشراء الأثاث اللازم للمدارس والمعاهد والجامعات، وأجهزة الحاسب الآلي والطابعات والماسحات الضوئية وأجهزة التكييف اللازمة لها، وأجهزة الوقاية من الحريق، والمعدات المكتبية الضرورية والحتمية للعمل، ومعدات التصوير، ومستلزمات المستشفيات من أثاث ومعدات وأجهزة، وجميع الأجهزة والمعدات والأدوات والآلات وغيرها التي لها مثيل من الإنتاج المحلي.

التعيينات.. التقييد لا يفيد

وقال رجل الأعمال أحمد عز، في لقاء رئيس الحكومة مع عدد من كبار رجال الأعمال، إن الحكومة تحتاج للتوظيف؛ لأن القطاع الخاص ليس لديه إمكانيات الجهاز الإداري للدولة، وانتقد انخفاض أعداد الموظفين لـ3.5 ملايين مقابل 6 ملايين قبل 10 سنوات.

أضاف عز، أن مصر تحتاج لجيل جديد بإمكانيات جديدة، وهو ما يتسق مع وجود 40 ألف مصري، يدرسون بجامعات أجنبية، يجب الاستفادة منهم.

يؤكد هاني توفيق، الخبير الاقتصادي، الأمر ذاته مشددًا على أن الاهتمام يجب أن يكون منصبًا على التعليم، قائلاً: “لو كان قرار توزيع موارد الدولة في يدي لخصصت أكبر موازنة في تاريخ مصر للتعليم الذي يعاني من عجز شديد بكل من عدد وكفاءة المدرسين، ولو على حساب المخصص للقطاعات الأخرى، فالتعليم هو المستقبل”.

وشدد توفيق، على أن أهم ثروة بمصر هي القوى العاملة، وقد تكون بتعليمها الفني مع بعض اللغة، ثم تصديرها لدول العالم المختلفة، المصدر الرئيسي لدخلنا القومي، وهذا لا يستقيم مع عجز ٦٧٠ ألف مدرس، يجب أن يكون تعيينهم على رأس أولويات متخذ القرار.