واحد وثلاثون يوما عاصفة، ساعاتها لم تتوقف عن ولادة الأحداث والمتغيرات، حتى تلك الساعات التي خلت من الأحداث، كان ما أسفل سطحها مثقلا بالتطورات في المشهد الإقليمي، والدولي، والمجتمعي المصري.

في ديسمبر، التهب أوار “عمليات” رسم الحدود والوجود، لاستكمال خرائط الواقع والمستقبل. فهذا الشهر شهد أحداثا سورية كبرى هزت العرب والعالم.

الأسبوع الأول.. قلق عربي متأخر

في اليوم الأول من ديسمبر، أعلنت الجامعة العربية عن قلقها، مما يحدث في سوريا، وكانت الفصائل المسلحة المنبثقة عن تنظيمات متطرفة، قد دخلت حلب، وبات المشهد مهيئا لسقوط الدولة السورية في قبضتها.

جامعة الدول ليست الوحيدة التي كانت قلقة وقتها من وصول القاعديين والدواعش لحكم سوريا.

الكاتب عبد الله عبد السلام، رصد المشهد لحظتها قائلا: “خلال السنوات الماضية، استقر المتمردون من هيئة تحرير الشام المرتبطة سابقًا بتنظيم القاعدة في مناطق جبلية بالريف السوري، لكنهم فجأة، واعتبارًا من الأربعاء الماضي، أصبحوا يتجولون وسط شوارع حلب، ثانية كبرى مدن سوريا، ويلتقطون الصور أسفل قلعتها الشهيرة، بينما يمزقون صور رموز النظام الحاكم، ويتقدمون في مناطق أخرى عديدة. لقد حققوا أكبر اختراق لهم منذ سنوات”.

ولفت إلى أن “خصوم الرئيس السوري انتهزوا الفرصة لعقابه على مواقف سابقة. الرئيس التركي لم ينسَ رفض الأسد تطبيع العلاقات مع بلاده، رغم محاولاته المتكررة. كان لافتًا أيضًا، أن نتنياهو قبيل هجوم المتمردين هدد الأسد بدفع الثمن، إذا استمر تدفق الأسلحة عبر سوريا إلى حزب الله. ورغم أن واشنطن ادّعَت، أنها فوجئت بالهجوم على حلب، فإن تقارير عديدة تشير، إلى أنها تدعم جماعات المعارضة، وتمدها بالعتاد والسلاح”.

وبدا الكاتب عبد اللطيف المناوي، أشد قلقا وهو يتساءل: “هل ستؤدي هذه المعركة إلى تغيير جذري في معادلة القوة في سوريا؟ أم أن الأمر لا يتعدى كونه رسالة سياسية؛ تهدف إلى زعزعة توازن المصالح الروسية والإيرانية في المنطقة”؟

قبل أن ينتهي الأسبوع الأول وتحديدا يوم 7 ديسمبر، كانت ورقة دمشق سقطت، وطار الرئيس الذي بات سابقا بشار الأسد إلى روسيا، ودخلت قوات هيئة تحرير الشام التي كانت جزءا من تنظيم القاعدة، حتى وقت قريب إلى عاصمة “الممانعة” الأخيرة، ليبادر قائد تلك القوات، وربما في ساعات حكمه الأولى إلى إرسال التطمينات، إلا أن إسرائيل لم تنتظر نصيبها من التطمينات، فاجتاحت الجغرافيا السورية بعد تبخر جيش الأسد وهروب جنوده.

لا زلنا في الأسبوع الأول من ديسمبر، والأعين كلها مسلطة على دمشق، التي رأي الكاتب المعروف عبد المنعم سعيد، أن “الدولة السورية كانت منهارة قبل الوضع الحالي وسقوط نظام الأسد، وهناك تدخل روسي وتركي وأمريكي في سوريا منذ سنوات”.

أكثر من كاتب ومحلل تحدث عن خطورة سقوط الدولة السورية على ما يطلق عليه البعض مقدرات الأمن القومي العربي، والأمن القومي المصري.

أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، محمد محمود مهران رصد ضمن تهديدات عديدة، تحاصر الأمن القومي المصري، ما حدث في سوريا معتبرا أن “إسقاط النظام الحاكم، وتزايد التدخلات الإقليمية والدولية في سوريا يشكل تهديداً للاستقرار الإقليمي بأكمله، مضيفا أن تداعيات هذا الصراع قد تمتد لتشمل دول الجوار، مما يتطلب يقظة مصرية مستمرة”.

وفي ورقة بحثية أعدتها نوران عوضين، خلصت إلى أنه من غير الواضح ما قد تسفر عنه الأوضاع الراهنة من تداعيات، من شأنها إما إعادة الاستقرار إلى سوريا، أو إثارة موجة جديدة من الفوضى التي قد تحمل بدورها ارتدادات سلبية على منطقة الشرق الأوسط.

ورصدت إشكاليتين، تتعلق الأولى باستمرار الوفاق بين فصائل المعارضة المسلحة، بينما تنصرف الإشكالية الثانية إلى مدى قبول الأقليات في سوريا لحكم وسلطة “هيئة تحرير الشام” التي لم تنف اعتزامها تطبيق نموذج من الحكم الإسلامي “المعتدل”، بحسب ما تروج له.

داخليا احتل إعلان النوايا عن إنشاء حزب “موالاة” جديد، يرأسه أو يتصدر كواليسه من خلف ستار شفاف رجل الأعمال إبراهيم العرجاني مساحات واسعة من جدل التحليل السياسي، وفي حين اكتفى أستاذ العلوم السياسية حسن سلامة، بالتحذير: “لا نريد حزباً يشكل عبئاً إضافياً على الحياة السياسية، في وقت نحتاج فيه لتقليل عدد الأحزاب القائمة، بسبب تقارب وتشابه أفكارها”، اعتبر آخرون تمثلهم صفحة الموقف المصري على فيس بوك، أن “حزب الجبهة الوطنية تحت رعاية العرجاني.. لا موالاة ولا معارضة ولا سياسة أصلا”.

بينما قدر الكاتب حمدي رزق الموقف قائلا: “تقديري، وقد أكون مخطئًا، إعلان «حزب الجبهة الوطنية»، إذا حسنت النوايا وأحسن صنعته، مثل قبلة حياة للحياة الحزبية التي كادت أن تموت إكلينيكيًا، دخلت في سُبات عميق، أخشى غيبوبة سياسية، إعلان الحزب مثل صدمة كهربائية، ربما تُنعش القلب العليل”.

الأسبوع الثاني.. إسرائيل تتوغل والتصديق على قانون اللاجئين

ما زالت سوريا تحتل صدارة المشهد في الأسبوع الثاني من ديسمبر، حيث تتوغل القوات الإسرائيلية في أراضيها، دون أن يحرك “الثوار” ساكناً، ربما مزيدا من التطمينات دون جدوى، وهو ما اعتبره مؤيدون تكنيكاً.

التطمينات الداخلية التي أطلقها أحمد الشرع رئيس الإدارة السورية الجديدة “الجولاني سابقاُ”، لم تنطل على الكاتب الدكتور عبد المنعم سعيد، الذي اعتبر أن “الطلعة الأولية الهادئة حول «الشمول السياسي» واحترام الأقليات، هو زعم زائف، وليس حقيقة صادقة. الحرب الأهلية السورية بعد «الربيع السوري» لم تصهر الجميع في بوتقة واحدة؛ دفاعاً عن وطن سوري، وإنما خلقت حقيقة انفصاماً عميقاً”.

بينما طرح عبد اللطيف المناوي تساؤلات، اعتبرها مشروعة بخصوص تصريحات الجولاني فكتب يقول: “في تصريحات له، أكد أبو محمد الجولاني، أو أحمد الشرع، زعيم (هيئة تحرير الشام)، أن المعارضة السورية لم تتلقَّ أي دعم دولي في معركتها ضد نظام الرئيس الأسبق بشار الأسد، مشيرًا في ذات التصريحات، إلى أن المعارضة لم يشجعها أحد على خوض المعركة ضد النظام، ولفت إلى أن كافة الأسلحة التي استخدمتها في القتال هي تصنيع محلي.

واعتبر المناوي، أن مثل هذه التصريحات “يجعلنا نشكك تمامًا في تلك الرواية، وفي روايات أخرى للجولاني، سواء نُفذت على الأرض، أو يَعِد بتنفيذها في المستقبل”.

الكاتب “ناصري الهوى” أحمد الجمال، توقف ليقول: “في اعتقادي، أن استهداف سوريا والتركيز الغربي والأمريكي والصهيوني على ضربها، يتجاوز وجود البعث وبشار ونقيضهما من المعارضة بكل فصائلها وتوجهاتها، إلى ما تعنيه سوريا في المعادلة بأبعادها الإقليمية والدولية، وهي معادلة رسمها ويتحكم فيها الغرب الأوروبي والأمريكي والصهاينة، وفيها مساحات يغض الطرف عنها الإيرانيون والروس، رغم أنهم- في ظاهر الأمر وكثير من جوهره- في جانب مغاير للجانب الغربي والصهيوني”.

بينما اختار الكاتب الليبرالي زياد بهاء الدين، أن يشدد على حقيقة مفادها: “أن سقوط الحكم في سوريا- في تقديري- أخطر تطور تشهده الساحة العربية منذ سنوات طويلة، وأظنه سيكون أبعدها أثرًا، ليس فقط على الدولة والمجتمع السوريين، وإنما على المنطقة بأسرها”.

وفي إطار التأكيد على الحقائق قال: “إن «هيئة تحرير الشام» مهما غيرت اسمها وعدلت خطابها، إلا أنه من الصعب تجاهل أن بدايتها كانت عام 2012 باسم «جبهة النصرة»، التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، ثم صارت تابعة لتنظيم القاعدة من 2013 إلى 2016، ثم لعامين تاليين أخذت مسافة من تنظيم القاعدة، واتخذت لنفسها اسم «جبهة فتح الشام»، وأخيرًا من عام 2017 اندمجت مع فصائل إسلامية مسلحة أخرى تحت اسم «هيئة تحرير الشام».

جدل التغيير في المشهد السوري على حدته، لم يغط على جدل داخلي حاد حول قانون اللاجئين الجديد الذي أقره مجلس النواب وصدق عليه الرئيس السيسي.

يتوقف الباحث القانوني طارق عبد العال عند ما يراه مثيرا للدهشة قائلا: “وعلى الرغم من انضمام مصر للاتفاقيات الحقوقية الخاصة باللاجئين، إلا أن مواد القانون المطروحة تحتوي على العديد من الإشكاليات القانونية التي قد تؤدي إلى نتائج ذات أثر بالغ الخطورة على حقوق اللاجئين أو ملتمسي اللجوء، وأيضا المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة المعنية بشؤون اللاجئين في مصر، كما أن أحكامه تسري فورًا على اللاجئين وطالبي اللجوء المتواجدين على الأراضي المصرية، سواء كانوا قد اكتسبوا صفة اللاجئ قبل صدور هذا القانون أو بعده. ولم يوضح القانون، ما الإجراءات التي يجب انطباقها على الأشخاص المسجلين أو المعترف بهم بالفعل، وما مصير بياناتهم المحفوظة في قواعد بيانات المفوضية السامية، المسئولة بشكل رئيسي، عن كل ما يتعلق بتنظيم أوضاع اللاجئين في مصر منذ القرن الماضي. كما أن نصوص القانون لم يتبين منها مصير المسجلين بصورة مؤقتة، أو من يمرون بالمراحل الإجرائية لتحديد وصف اللاجئ”.

جهات حقوقية مصرية ودولية حذرت، مما اعتبرته عوارا في القانون، ومواد خطرة قد تؤدي إلى الإضرار بالحقوق الأساسية للاجئ.

بينما توقع مدير مبادرة تنمية اللاجئين بمصر عبد الجليل نورين: “أن يكون التشريع مظلة أمان لكل لاجئ، ما سيدفع عددا كبيرا جدا من المخالفين لتقنين أوضاعهم عبر تسجيل بياناتهم لدى الجهات المختصة، فضلا عن تحسين أوضاعهم المعيشية بالنزول لسوق العمل، وهو ما يشكل في الوقت نفسه إضافة للاقتصاد المصري”.

ولما كان الأسبوع الثالث من ديسمبر

في ديسمبر البارد مناخيا، اشتعلت معارك الحدود والوجود، في إطار ترسيم مصائر الإقليم بقوة الحديد والنار.

في السودان الذي وصفه عبد اللطيف المناوي، بأنه ما زال منسيا، تواترت الأحداث في الإطار ذاته، جهات إقليمية ودول تدعم ميليشيا الدعم السريع، أملاــ ربما ــ في التسريع بالانقسام، ويندهش المناوي من الغياب أو التغييب للأزمة: “العالم ربما نسى السودان تمامًا. الأزمة السورية حاضرة والفلسطينية بكل تأكيد. الحرب الروسية الأوكرانية ضمن الاهتمامات، البرنامج النووي الإيراني كذلك. ملفات الرئيس القادم إلى البيت الأبيض، دونالد ترامب، ربما انشغلت بها مراكز دراسات وأبحاث عالمية عديدة، أما السودان، فحقًا ليس في الحسبان”.

وتقاسمه سلمى عبد المنعم الدهشة والتحذير من الصمت قائلة: “في ظل صمت دولي شديد، تدمر السودان منذ ما يقارب الـ ١٨ شهرا، فقد أسفرت الحرب عن معاناة شديدة، وهو ما عرض حقوق السودانيين الأساسية للخطر، مثل الحق في الحياة والحصول على الغذاء والماء، وتهدف هذه الورقة إلى تحليل أبعاد الأزمة الإنسانية في السودان وتكاليف الحرب القاسية التي تُحمّل الفئات الضعيفة النصيب الأكبر من الأعباء، كما تناقش خيارات النزوح والهجرة التي تؤثر ليس فقط على السودان، بل على الدول المجاورة أيضًا”.

المشهد السوري كان حاضرا أيضا في الأسبوع الثالث من ديسمبر، ربما كأحد عناوين صراع الحدود والوجود، وملامح الإقليم بعد “سايكس بيكو الجديدة”.

الكاتب عبد الله السناوي، تساءل عن المكان الذي نقف فيه كـ”مصر” من الصراع في سوريا قائلا: “لم تكن تركيا وإسرائيل، على وجه التخصيص، في انتظار دعوة من أحد للتدخل وفق مصالح واضحة ومحددة. تركيا خططت وهندست، ما أطلق عليها عملية «ردع العدوان»، وإسرائيل كانت في صورة المعلومات الأساسية، وبدت مستعدة ومتأهبة للخطوة التالية.

وبالنسبة لمصر يرى الكاتب استنادا على كتاب لباتريك سيل، بعنوان “الصراع على سوريا، أن الوقت ملح لطرح التساؤل والإجابات: “أين نقف بالضبط إذا؟ الإجابة: حيث تكون سوريا حرة، تمتلك قرارها، وتتسع لكل مواطنيها، دون تخل عن القضية الفلسطينية، أو العودة إلى عصور الظلام”.

بينما يرصد الكاتب عماد الدين حسين، الدور الإسرائيلي في إسقاط الأسد قائلا: “أتحدث عن الدور الإسرائيلى على مدى سنوات وعقود، خصوصًا منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد بشار الأسد في مارس ٢٠١١، الخطأ الأكبر الذي حدث وقتها، أن قوى متطرفة وأجهزة مخابرات إقليمية ودولية ساهمت في عسكرة هذه الانتفاضة، مما حولها إلى صراع وحرب أهلية ضارية، منذ هذا الوقت أدت في النهاية إلى إيصال سوريا إلى هذه الحالة.

هذه العسكرة استلزمت تدخل الأتراك لصالح الميليشيات، وتدخل حزب الله وإيران وروسيا لصالح النظام، في حين دخلت أمريكا بحجة محاربة داعش ودعم الأكراد، واستمرت من وقتها حتى الآن. في ظل هذا استغلت إسرائيل هذه الفوضى، وفرضت واقعًا يتمثل في توجيه ضربات بصورة شبه منتظمة للعديد من الأهداف العسكرية والاستراتيجية السورية.

هذه الضربات كانت تتم كل شهرين أو ثلاثة، ثم تحولت إلى ضربات شهرية، وبعدها أسبوعية، ثم صارت يومية، إلى أن وصلت إلى شن أكثر من ٥٠٠ غارة في يوم واحد بعد لحظات من إعلان فرار بشار الأسد، وسيطرة الميليشيات المسلحة على السلطة.

كانت الحجة الإسرائيلية في البداية هي استهداف الأسلحة والمعدات الإيرانية، حتى لا تتحول سوريا إلى قاعدة إيرانية متقدمة، ثم صارت الضربات تستهدف مواقع وقيادات حزب الله التي دخلت سوريا؛ لإنقاذ نظام الأسد من السقوط ابتداءً من عام ٢٠١٥”.

وفي أكثر من مقال يرصد الباحث الدكتور عمرو الشوبكي مستقبل سوريا ما بعد الأسد، مقدما ثلاثة سيناريوهات محتملة: “ظهور بديل غير معلن من خارج النظام وخارج جبهة تحرير الشام يقود المرحلة القادمة، وهو ما يمكن وصفه بـ«السيناريو المخفي»، الذي تم ترتيبه والتوافق عليه، واعتبر أن هيئة تحرير الشام هي الجناح العسكري لهذا السيناريو، السيناريو أو الخطر الثالث، فهو الاقتتال الأهلي والعنف وتشظي سوريا، وهو ما أشار إليه أكثر من تقرير لبعض مراكز الأبحاث الأوروبية (فرنسية وألمانية)، ولم ترجحه معظم التقارير الأمريكية التي بدت أكثر ثقة من النتائج، وكأنها تقول إن الأمور تحت السيطرة”.

ويرصد عبد المنعم سعيد صورة بانورامية للمشهد من وجهة نظره: “سوريا لم تتحمل «الربيع العربي» فخاضت حربا أهلية، انقسمت فيها الجغرافيا، بقدر ما انقسمت الأعراق والسياسة، ولكن التدخل الإيراني من طهران ومن بيروت، حيث حزب الله والروسي أعطى بشار الأسد مساحة، تكفي لتمثيل سوريا، واتهام قيادات العرب، بأنهم «أنصاف رجال». لم يمض وقت طويل، حتى كان هاربا بعد منتصف الليل إلى موسكو، بينما كانت عاصمة الخلافة الأموية تسقط في يد تحالف راديكالي، بينما تسقط القذائف الإسرائيلية على معسكرات الجيش العربي السوري، وتبتلع إسرائيل بقية الجولان”.

نهاية ديسمبر.. نهاية العام.. ونهايات أخرى

ملتبسا يطل الأسبوع الأخير من الشهر والعام، مؤذنا بتحولات مرعبة في تفصيلات المشهد.

يتزايد الغزل بين أبو محمد الجولاني و”إسرائيل”، كما يرصده طلعت إسماعيل “اليوم تتبختر بعض فصائل الإسلام السياسي التي دمغت في وقت سابق بالإرهاب، وكانت رءوس قادتها مطلوبة في أمريكا مقابل «حفنة دولارات»، في ساحة الأمويين، ويتفاخر مؤيدوها بامتلاكهم مفاصل الحكم في دمشق عاصمة «الخلافة» الأموية، غير أن هذا «النصر المبين» لا يعرف طريقه لتحرير فلسطين!!

تمر الرصاصات الإسرائيلية تحت أنوف عناصر «هيئة تحرير الشام» أو «جبهة النصرة» سابقا، وباقي الفصائل المتحالفة معها، على كتاب بايدن، وسنة حليفه نتنياهو، وتضرب الطائرات الإسرائيلية كل شبر في سوريا، فيضع «المجاهدون» السابقون رءوسهم في الرمال وشعارهم «لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم»!!

تتجاوز الدبابات الإسرائيلية المنطقة العازلة، وتتوغل في الجولان المحتل، وتسيطر على جبل الشيخ، وتصبح العاصمة السورية على مرمى حجر للقوات الغازية.. تنفذ إسرائيل ضربات عنيفة ضد أهداف استراتيجية في سوريا، وتدمر معظم مقدرات جيشها، وسط مخاوف من محاولة ضم أجزاء من هضبة الجولان، فلا يعبر حكام دمشق الجدد عن أي قلق!!”

بينما يرصد الكاتب والدبلوماسي السابق علي محمد فخرو متطلبات الزمن العربي الجديد معتبرا أن الواقع الحالي يستلزم “تفكيرا بمنطق الأولويات، وقيام أقطار المغرب العربي بتعويض انتكاسات المشرق العربي. ومعالجة الخلاف المزمن حول الصحراء الغربية بالتي هي أحسن، وأن الأولوية هي للعودة إلى مشروع الوحدة المغاربية، ومن ثم تطلب الجزائر اجتماع رؤساء الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا وممّثل عن ليبيا لإحياء وبناء وتفعيل ذلك الاتحاد المغاربي؛ ليلعب دورا محوريا في استعادة التوازن القومي العروبي المشترك الذي دمّره تكالب الخارج وجهات الداخل. كما يتطلب ذلك شجاعة الجزائر التي عودتنا دائما على التصرف أثناء الملمّات بشجاعة، وسيتطلب التزاما قوميا مسئولا من قبل الأعضاء الآخرين بترك الفرعيات والتوجّه إلى الأساسيات”.

بينما غالب جميل مطر تشاؤمه متمنيا، أن تكون فرحتنا بسقوط الاستبداد في سوريا على مستوى فرحة السوريين، والآن نتمنى أن يكون حظ السوريين أفضل من حظوظ شعوب عربية أخرى، سقطت حكوماتها ولم ينصلح حالها.

ويقترح الكاتب الساخر أسامة غريب، “عمل ائتلاف سياسي عربي من بعض أعضاء هذه الكتلة، يحمل اسم: إحنا آسفين يا إسرائيل!. أما النوع الثالث فيمكن تسميته الكتلة المرعوبة أو المقموعة، وأفرادها يعرفون جيدًا، أن إسرائيل دولة إرهابية، يحكمها مجرم مطلوب لـ«الجنائية الدولية»، وهي لا تتورع عن تخريب أوطاننا، مهما وقّعنا معها من معاهدات.. هؤلاء الناس رغم معرفتهم بكل هذا، فإنهم يرددون كلام الفضائيات المؤيدة للعدو، فيتحدثون بالخير عن أولاد العم، كما لا يفوتهم التنديد بكل مَن يعادي إسرائيل، أو يرمي عليها حجرًا. والحقيقة أن هذا الموقف لا يعود إلى تفاهة صاحبه أو إلى غسل دماغه، وإنما هو نتيجة حالة من العدمية والاستسلام”.

المشهد الداخلي كان مليئا بالحديث عن “الحزب الجديد” في الأسبوع الأخير من ديسمبر، وصولا للحظة التدشين الرسمية، والتي خلت من مفاجآت كبرى.

وفي حين تساءل الباحث السياسي عمرو هاشم ربيع ـ مستعيرا لزمة كوميدية من مسرحية قديمةــ اتحاد مصر الوطني.. أنت جاي تشتغلي إيه؟ متوقفا عند “ما يبدو أنه يستحق وقفة، هو تلك الكلمات التي قالها الحاضرون، من قادة التنظيم الجديد أو المؤسسين خلال هذا اللقاء: “نحن في حاجة لكيان أو حزب، ينطلق من المصريين أنفسهم، ويضم كل الأطياف” “ليس بهدف أن يكون حزب موالاة للدولة، بل عليه أن يحتفظ بمسافة واحدة بين الموالاة والمعارضة”.

واعتبر هاشم هذه الكلمات بالطبع، لا تقصد أن تقول، إن باقي الأحزاب القائمة لا تضم مصريين، وإن كانت في المعنى الحرفي تشير إلى ذلك. أيضا فإن انضمام كل الأطياف لأي حزب- كما تقول تلك الكلمات- يخرجه من كونه حزب طبيعي إلى كونه حزب شعبوي تعبوي.

في حين يرصد شادي لويس ملمحا مختلفا: “على خلاف الرؤساء، بدءاً من ناصر وحتى مبارك، وخروجاً على تقاليد ترأسهم للجسم السياسي الحاكم، سواء كان الاتحاد الاشتراكي في حالة الأول أو الحزب الوطني في حالة الأخير، تحاشى السيسي بشكل قاطع، أن يكون على رأس حزب سياسي. جميع الرؤساء السابقين من العسكريين، استمدوا جل شرعيتهم من الانتماء إلى الجيش. ولكن فهموا أيضاً حاجتهم للسياسة؛ من أجل اكتساب أرضية أوسع وأكثر استقراراً”.

بينما كتبت شريفة الشوباشي الناصرية البارزة وعضو تأسيسية الحزب الجديد:”مصر كانت تحتاج يقينا، إلى أن يتأكد أبناؤها، مهما اختلفت الآراء، أنّ التعبير بحرية تامة عن آرائهم هو الرهان الوحيد الرابح على مصر الجديدة، وكيفية خروجها من دائرة الصعوبات العالمية والمحلية”.