عادت خطوط الغاز الإقليمية التي رفضها الرئيس السوري السابق بشار الأسد للواجهة بعد سقوط نظامه أخيرًا، وسط دعم “قطري ـ تركي” للمشروع الذي من شأنه، أن يحول دمشق إلى دولة ترانزيت في مشروع تحويل تركيا إلى مركز عالمي لتداول الطاقة.
يعود المشروع إلى عام 2009، حينما اقترح حاكم قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وجود خط أنابيب للغاز من قطر إلى تركيا بتكلفة 10 مليارات دولار بطول 1500 كيلو متر، لنقل الغاز من حقل غاز الشمال في قطر إلى أوروبا عبر السعودية والأردن وسوريا ومحطات التوزيع التركية.
يمثل المشروع حاليًا أمل أوروبا لتحرير يدها من قبضة موسكو التي تمد أوروبا بنحو 40% من حاجتها من الغاز الطبيعي عبر أوكرانيا، قبل أن تقرر الأخيرة منذ أيام منع نقل الغاز الروسي عبر أراضيها، فصحيح أن أوروبا استطاعت أن تبني مخزونات من الغاز المسال، لكنها حل مؤقت لمشكلة مزمنة تجدد كل شتاء وتضر بتنميتها الصناعية.
تمتلك قطر التي تدعم المشروع ثالث أكبر احتياطي على مستوى العالم. لكنها تعاني من صعوبات في نقله لأوروبا؛ بسبب الافتقار إلى خطوط أنابيب مباشرة، مما أدى إلى الاعتماد على شحنات الغاز الطبيعي المسال المُكلفة في التسييل وغير العملية في نقل كميات كبيرة.
تلهف تركي لإحياء المشروع
وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بايراكتار، المتزعم للمشروع حاليًا، يقول إن بلاده تدرس مشروعاً محتملاً لنقل الغاز الطبيعي القطري عبر سوريا إلى تركيا، ومن ثم إلى أوروبا، لكنه قال إن تلك الخطط لا تزال في مراحلها الأولى، وتتطلب المزيد من التقييم الفني والمالي”.
وفقا للوزير التركي، فإن خط الأنابيب المقترح يمكن أن يشكل ممراً مهماً للطاقة، وينوع طرق الإمداد لأوروبا، ويشبه تمامًا الطريقة التي يُنقل بها النفط عبر خط أنابيب بطول 38 كيلومتراً للاتصال بين “العراق – تركيا”.
تسعى أنقرة لدمج المشروع الجديد مع خط أنابيب “العراق- تركيا”، وتكثف حاليا من إرسال وفود الطاقة إلى سوريا للمساعدة في إعادة بناء البنية التحتية للطاقة المتضررة؛ بسبب الحرب في البلاد، بما يسمح لها بالهيمنة على صناعة القرار في دمشق.
الإدارة الجديدة بسوريا لا تملك رفضا
تعرف تركيا، أن الإدارة الجديدة، التي ساعدتها في الإطاحة ببشار الأسد، تعاني أزمة طاقة ولا يمكنها الرفض، ولذلك تسرع الخطى بمشروعات التحكم في الطاقة السورية، إذ تشغل تركيا حاليًا ثلاثة خطوط نقل للكهرباء وأربع مناطق توزيع في سوريا.
قبل الصراع، كانت سوريا لديها حجم إنتاج طاقة بنحو 8500 ميجا واط، لكن تم تدمير ما يقرب من 5500 ميجا واط خلال الصراع الطويل بين بشار الأسد ومجموعة من الفصائل المسلحة، نجحت أخيرا في الإطاحة به، ولم يتبق سوى حوالي 3000 ميجا واط في الخدمة، وعبر المشروع التركي يمكن أن تتحول سوريا لدولة ترانزيت لنقل الطاقة للبنان التي تعاني أزمة طاقة هي الأخرى.
تركيا.. استثمار في دبلوماسية الطاقة
وزير الطاقة التركي تحدث عن مبادرات الطاقة التركية الخارجية، بما في ذلك المشاريع في ليبيا وأذربيجان والنيجر، قائلاً: “نحن بحاجة إلى أن نكون أكثر نشاطًا في دبلوماسية الطاقة، وخاصة في مجال النفط والغاز الطبيعي.
إيران التي تعاني العقوبات الغربية ربما تستفيد هي الأخرى من مسار الخطط الجديد الذي يلقي دعمًا من أوروبا، فحقل غاز الشمالي الذي يستهدف المشروع نقل الغاز منه للقارة العجوز، يقع في الخليج العربي وتتقاسمه طهران والدوحة معًا.
روسيا هي المتضرر الأول من الخط الجديد الذي يحرر أوروبا من قبضتها، وكان ذلك سبب رفض بشار الأسد الشروع فيه في 2009، واستبدله حينها بـ”استراتيجية البحار الأربعة” لتحويل دمشق إلى مركز تجاري بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط والخليج العربي/ بحر العرب وبحر قزوين؛ لتصبح مسار تقاطع للعالم بأسره في الاستثمار والنقل، وهو مشروع كان يلقى قبولا من الصين وروسيا معًا.
وفضل بشار أيضًا مشروع أطلق عام 2004 بين مصر والأردن ولبنان مع العراق؛ لتوصيل خط الغاز العربي (الذي يربط بين مدينة العريش في شمال سيناء إلى العقبة في جنوب الأردن) مع العراق لتصدير غاز بغداد لأوروبا أيضاً، وكان متوقعا أن يتم الانتهاء من هذا المشروع عام 2010، لكن ثورات الربيع العربي عطلت ذلك المشروع.
تركيا الفائز الأول من تغير الأوضاع بسوريا
برزت تركيا كفائزة في سوريا من جميع الجوانب، فترسيم الحدود البحرية مع سوريا؛ سيفتح لها فرصا كبيرة لوضع يدها على الغاز بالمنطقة، خاصة إذا اعترفت الحكومة السورية الجديدة بمطالبات المنطقة الاقتصادية الخالصة التركية في شرق البحر الأبيض المتوسط، مما يعزز موقف أنقرة في النزاعات الجارية مع اليونان وقبرص.
طموحات تركيا ظهرت بقوة في قمة الطاقة الكبرى في إسطنبول الشهر الماضي، والتي استضافت فيها وزراء من كبار منتجي الغاز، بما في ذلك أذربيجان وليبيا وأوزباكستان بجانب ممثلين من دول العبور مثل جورجيا والمستوردين من أوروبا الشرقية. وتتمثل رؤية أنقرة في أن تعمل، وأعلنت فيها صراحة عن رغبتها في التحول لنقطة عبور رئيسية بين منتجي الغاز في الشرق والجنوب والأسواق إلى الغرب.
وتوفر البنية الأساسية الحالية للطاقة في تركيا أساسًا جيدًا لهذه الطموحات، فخط أنابيب الغاز الطبيعي عبر الأناضول ينقل الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا، كما تمتلك البلاد سبعة خطوط أنابيب للغاز، وخمس محطات للغاز الطبيعي المسال، وثلاث وحدات تخزين عائمة، ومنشأتين للتخزين تحت الأرض.
تسعى تركيا حاليا لمنافسة منتدى غاز شرق المتوسط - وهو تحالف يضم مصر وإسرائيل واليونان وقبرص وفلسطين والأردن وإيطاليا وفرنسا، خاصة أن مشروع خط أنابيب شرق المتوسط البالغ 1900 كيلومتر، والذي يربط إسرائيل وقبرص باليونان يتقدم ببطء، لكن ربما يصطدم المشروع التركي بأهداف الاتحاد الأوروبي طويلة الأجل للحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
إذا استُعيد الاستقرار السياسي في سوريا؛ فسيكون الخط قابلا للتنفيذ، فتدخل روسيا في سوريا، كان هدفه التعطيل الاستراتيجي لوأد أي بديل لأوروبا، يمكنها من الحصول على الغاز لحين إنهاء الحرب الأوكرانية، وحققت روسيا هدفها بالحفاظ على السيطرة على جميع تدفقات الغاز إلى أوروبا، إما بشكل مباشر أو غير مباشر.
بورصة للطاقة في تركيا
صحيفة “ميليت” التركية قالت، إن وقف ترانزيت الغاز الروسي عبر أوكرانيا إلى أوروبا سيساعد في جعل تركيا مركزا للطاقة، كاشفة عن فكرة لإنشاء بورصة في تركيا، يتم فيها تحديد أسعار الطاقة.
بتأسيس تلك البورصة، تصبح تركيا إحدى دول العالم التي يتم فيها تحديد أسعار الطاقة، مثل ألمانيا وهولندا اللتان ليستا دولتين منتجتين للطاقة، لكنهما تحددان الأسعار.
الهيدروجين الأخضر.. مشروع مستقبلي
حسب “رؤية 2030” تهدف السعودية إلى أن تصبح أكبر منتج للهيدروجين في العالم، وستصل الكمية المنتجة من الهيدروجين إلى 4 ملايين طن سنويا في 2035.
وبعد ما نشرته شركة “أكوا باور” السعودية المتخصصة بإنتاج الطاقات المتجددة، تعتزم الرياض أن تصبح المورد الرئيس للهيدروجين في العالم، وتهدف إلى التصدير للسوق الأوروبية، وسيكون هدف السعودية ممكنا، ويحقق الجدوى الاقتصادية عبر خط أنابيب يعبر الأردن وسوريا؛ ليغذي السوق التركية، ومن ثم السوق الأوروبية.