ضمن رصده للأبعاد الكاملة للمشاهد المجتمعية والحقوقية والقانونية، قدم “مصر 360” العديد من الرؤى والأطروحات والتحليلات المتعلقة بمشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وقدم مختلف الآراء وزوايا النظر ووجهاتها.
من بين الإسهامات في مناقشات القانون الجديد، ما عرضه الباحث القانوني “طارق عبد العال” الذي قدم أكثر من مقاربة سعت لإحاطة الموضوع بما يستوجبه من مقاربة شاملة.
فيما قدم الباحث شريف هلالي مقاربة ذات طابع حقوقي، وبدا مهموما بالعدالة كفكرة ومصطلح.
مبكرا، بدأ طارق تقديم ملامح مقاربته بادئا بمشهد تقديم الحكومة لمشروع القانون في إبريل الماضي بعد شهرين اثنين على آخر تعديل تشريعي، أقره مجلس النواب على قانون الإجراءات الجنائية، والذي صدر بموجب القانون رقم 1 لسنة 2024، والذي أطلق عليه حينها تقنين استئناف الجنايات.
اقرأ: عن التعديل المقترح لقانون الإجراءات الجنائية ودوام التشريع
في إطلالته الأولى على الملف، يؤكد طارق على أن الاهتمام بمسألة الصناعة القانونية أو التشريعية ليس مجرد اعتناء بالجانب الشكلي والإجرائي، إنما الهدف منه هو الوصول إلى تطبيق دولة القانون، والحكم الراشد من خلال سن تشريع جيد ومتطور، في منتهى الوضوح والدقة في الصياغة، منسجما مع الدستور وغير متعارض مع القوانين الأخرى، مفهوم عند عامة الناس وقابل للتطبيق، كما تعد نوعية الصياغة التشريعية والاعتناء بها مكونا هاما من مكونات الإدارة الرشيدة لما لها من أثر على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للبلاد.
وطالب الباحث أعضاء مجلس النواب بتحري الدقة في تناولهم لهذا التعديل التشريعي الخطير، وأن تتم مناقشته بشكل جدي، وإن كان الأجدرــ في رأيه ـ الاستعانة بالمتخصصين.
ومن المقاربة الأولى، ينطلق عبد العال لقراءة أساسية في المشروع معربا عن دهشته، من “كيف يكون لدينا مجلس نواب، به ما يقارب ثمانين عضوا من أهل القانون، وكيف يكون ضمن لجنة إعداد مشروع قانون الإجراءات الجنائية ممثلا عن نقابة المحامين، وممثلا عن لجنة ما يسمى الإصلاح التشريعي، ويخرج علينا مشروع قانون على هذه الهيئة التي تتناقض بشكل رئيسي مع باب الحقوق والحريات في الدستور المصري، ولا تتوافق مواده مع أغلب، ما صادقت عليه مصر من اتفاقيات حقوقية، أو اتفاقيات ومواثيق معنية بشؤون العدالة واستقلال القضاء”.
اقرأ: عن مشروع قانون الإجراءات الجنائية أعيدوا الحقوق لأصحابها
ويشدد على أن قانون الإجراءات الجنائية يمثل الظهير الحامي لحدود الشرعية، فيما تتخذه السلطات من إجراءات حال تنفيذها للقوانين العقابية، بداية من لحظة حدوث الجريمة، وهو ما يستدعي ـ من وجهة نظره ــ إجراءات جنائية، تصون حقوق المتهمين/ المجرمين، في كافة مراحل التقاضي، بداية من لحظة القبض عليهم، نهاية بتنفيذ العقوبة المقضي بها، أو القضاء بتبرئة من تم تقديمه للمحاكمة، وإذ أنه لما كان التشريع «القانون» هو السند الذي يتوقف عليه تنظيم ممارسة ورسم حدود الحقوق والحريات، فالتشريع على هذا النحو هو السند الذي يتوقف عليه تنظيم ممارسة ورسم حدود الحقوق والحريات.
بعدها يرجع طارق خطوة للخلف؛ ليطل على المشروع من زاوية أوسع، كونه ــ القانون ــ أحد القوانين المكملة للدستور، والمرتبطة بالحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، والتي اعتبرها الدستور، أنها مكملة له، بحيث لا تقبل اجتهاداً أو تأويلاً، وهو ما يدل على أن المشرع الدستوري قد قدّر اتصالها بقواعد الدستور الكلية، وقد أكدت غالبية الدساتير، على أن تتضمن قواعد تشريع تلك القوانين اشتراطات خاصة أو نسقا تشريعيا، يراعى فيه قيمته.
اقرأ: القوانين المكملة للدستور ومشروع قانون الإجراءات الجنائية
وهنا يتوقف؛ ليؤكد على انتماء قانون الإجراءات الجنائية إلى هذه الطائفة من التشريعات المكملة للدستور، وذلك بوصفه من أهم القوانين التي تنظم حقوق وحريات المواطنين، خصوصاً في مجال التجريم، كما وأنه من زاوية ارتباطه بالنظام القضائي، فهو متعلق بممارسة إجراءات التقاضي في المجال الجنائي، لذا فلا بد من أن تتم معاملة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الحالي من هذا المنطلق.
ولا يستنكف الباحث من إبداء الدهشة البالغة، مما اعتبره تسرعا غير مطلوب، قائلا إنه “بما أن مجلس النواب في الإجازة السنوية المقررة له ما بين أدوار الانعقاد، وبحسب كونه السلطة التشريعية المختصة بمناقشة القوانين، فقد كان حريا، أن نقوم بالبحث حول كيفية عقد تلك الجلسات لمناقشة قانون على قدر كبير من الأهمية في حياة جموع المصريين، بخلاف أهميته للعاملين بالمجال القضائي أو المهتمين بالشأن العام، وبمطالعة نصوص الدستور المصري الأخير، وما جاء في الباب الخامس، وفي الفصل الأول منه، تحت عنوان السلطة التشريعية (مجلس النواب) والمتضمن المواد من 101 إلى 138، لم نجد به نصاً يبيح أو يمنع انعقاد إحدى لجان مجلس النواب في الإجازة البرلمانية، وهو ما يعني أن ذلك يخضع للأصل العام، بما يعني أنها إجازة”.
اقرأ: مناقشة قانون الإجراءات الجنائية في غير دور الانعقاد ضرورة مفتعلة وسرعة غير مطلوبة
ويطرح سؤالا مبدئيا عن نقطة رئيسية منحصرة في مناقشة قانون الإجراءات الجنائية في الإجازة التشريعية، ودون الخوض فيمن يكون صاحب طلب الانعقاد، سواء كان رئيس المجلس أو الحكومة، إلا أن السؤال المبدئي يكمن في كيفية انعقادها في الإجازة، وما هي الضرورة الملحة أو الدافعة إلى هذا الانعقاد، إذ أن أمامها دورا تشريعيا كاملا، تبحث فيه نصوص القانون على مهل، وأن تعرضه على المتخصصين من الفقهاء والقانونيين والحقوقيين.
ومن سؤال التوقيت ينتقل طارق عبد العال إلى النسق الديمقراطي باعتباره أهم القيم السياسية الحالية التي ينبغي أن يمثلها القانون، على اختلاف درجاته، وهو الأمر الذي يعني أن هناك علاقة متلازمة ما بين القانون والديمقراطية، لا تغني إحداهما عن الأخرى.
اقرأ: الديمقراطية ومشروع قانون الإجراءات الجنائية
ويفسر الباحث قائلا، إن “النسق الديمقراطي للقانون، أو ديمقراطية القانون، لها مستويان، لا بد من تحققهما، أولهما: النسق الشكلي لديمقراطية القانون، وهو ما يعني أن يصدر القانون من الهيئة المكلفة بإصداره، حسبما تقضي نصوص الدستور، ووفق السبل القانونية التي أقرها الدستور، ولكن بصورة أكثر عمقاً، قد يبدو هناك مشكلة أو خلل في طريقة وضع الدستور ذاته، إذ لا بد وأن يكون الدستور قد وضع وفق الأسس المتعارف عليها في آليات وضعه، وأن يتضمن عدوان سلطة على غيرها، أو استحواذ سلطة على المقدرات الدستورية الطبيعية المقررة لغيرها من السلطات، وهو ما يؤكد على حقيقة عدالة الدستور”.
ومن نقطة دستورية، ونسقية، ينتقل إلى نقطة تقنية، ليرصد كيف أدهشه أن تكون القوانين إحدى الطرق التي من الممكن، أن يتم استخدامها من قبل السلطات لمصادرة أموال الناس، أو التحفظ عليها تحت أسباب واهية، أو أن تكون تلك الأموال وسيلة من الوسائل المستخدمة لسد العجز المالي في خزينة الدولة، أو طريقة من طرق تجميع الأموال اللازمة لمسيرة السلطة، أو لسداد ما عليها من ديون أو قروض.
اقرأ: قانون الإجراءات الجنائية ومصادرة الأموال والكفالات
ويرصد عبد العال المواد الخاصة بالعقوبات المالية، معتبرا أنه لا يمكن قبولها كقواعد تنظيمية خاصة بالعدالة، بقدر ما هي سعي إلى مصادرة الكفالة التي قد يتم تقريرها على المتهم حال الإفراج عنه.
وفي عودة أخيرة لمناقشة القانون في نوفمبر، يرى الباحث، أن السلطات لم تأبه، بما أٌبدي على مشروع قانون الإجراءات الجنائية خلال شهرين ماضيين من أوجه نقد أو ملاحظات فنية وقانونية، ومخالفات حقوقية ودستورية، نالت من قيمة وقوة المشروع.
اقرأ : العودة لمناقشة مشروع قانون الإجراءات بما به وما عليه
وفي عودته لمناقشة القانون، يرى الباحث القانوني طارق عبد العال أن ذلك المشروع يسيء إلى سمعة مصر في المحافل القانونية، وأنه لا يتناسب بشكل أولي مع كم الخبرات القانونية والقامات العلمية التي تحتويها مصر في شتى أنواع القانون، بحسبه أحد أهم أدوات المعرفة الإنسانية، ذلك بخلاف القامات القضائية والفقهية التي تصدرها مصر إلى العالم.
ضمانات المحاكمة العادلة
بالانتقال لمقاربة الباحث شريف هلالي التي بدأت بالتأكيد، على أن إعادة النظر في منظومة القوانين المتعلقة بالعدالة الجنائية، وبشكل خاص تعديل قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية، أحد أهم مطالب القانونيين والحقوقيين المصريين بهدف؛ تحقيق ضمانات المحاكمة العادلة بشكل كامل.
في هذا السياق الواجب أشار هلالي إلى تركز أهم المطالب في ضرورة الفصل بين سلطتي النيابة العامة في التحقيق والاتهام، والتأكيد على الاستقلال الحقيقي للنيابة العامة، وإلغاء ما يسمى بنيابات أمن الدولة، واستحداث نظام قاضي الحبس، وهو المسئول عن اتخاذ قرارات الحبس الاحتياطي.
اقرأ: هدم العدالة1
واعتبر شريف، أن مشروع القانون الذي قدمته الحكومة، جاء متناقضا مع تلك المطالب، واستندت فلسفته الأساسية على التراجع عن كل المتبقي من إيجابيات محدودة، بل والعصف بكل حقوق الدفاع نظريا، بعد أن أطيح بها -وفق المشروع- عمليا من خلال التجاوزات التي تتم مع المحامين، والتي وصلت إلى حبسهم، وعدم إتاحة الفرصة لهم للاطلاع وتقديم الدفوع والترافع، خاصة بعد استحداث تجديد الحبس عن بعد عبر دائرة تلفزيونية مغلقة.
ويتوقف عند الالتزامات التي وضعها القانون على رجال الضبط القضائي والمبادئ العامة، لكن لم يعط مسئولية في حالة تجاهل هذه الالتزامات.
ويفند هلالي عددا من مواد القانون، قبل أن يعتبر أن ملاحظات المتخصصين السلبية بخصوص المشروع، تستلزم وقف مناقشة هذه التعديلات فورا وعقد جلسات استماع لممثلي نقابتي المحامين والصحفيين وأساتذة القانون المستقلين بالجامعات ومنظمات حقوق الإنسان.
ويواصل شريف هلالي تقديم مقاربته، مشيرا إلى أنه كان يأمل أن يتبنى المشروع فلسفة مغايرة للقانون الحالي، فيما يتعلق بتعديلات الحبس الاحتياطي، خاصة بعد الإشارة إلى تزكية الرئيس السيسي، لمطالب مجلس أمناء الحوار الوطني في ذات الموضوع.
اقرأ: هدم العدالة.. مشروع قانون الإجراءات الجنائية يرسخ الحبس الاحتياطي المطول (2-2)
ويلفت إلى صدمته كقارئ عند تصفح أوراق المشروع، الذي لم يتبن أي تعديلات جوهرية، تؤدي إلى التقليل من مبدأ الحبس الاحتياطي المطول، أو تعطي ضمانات، بألا تتجاوز النيابة العامة في توقيع هذا الأمر بشكل دائم. كل ما فعله المشروع، أنه نقل المنصوص عليه في القانون الحالي، مع إضافة باب خاص بالتعويض عن الحبس الاحتياطي، حسبما ما هو منصوص عليها في الدستور.
ويفند الباحث الحقوقي مواد وفقرات القانون، ويستشهد بملاحظات أستاذ القانون الجنائي د. محمود كبيش في ملاحظاته حول المشروع، أن هذا التعديل لم يأت بإضافات ذات شأن إلى ما هو مقرر في القانون الحالي منذ عام 2006، وما طرأ عليه من تعديلات، فالحدود القصوى للحبس احتياطيا موجودة في القانون الحالي، هي ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا تجاوز 6 أشهر في الجنح و8 أشهر في الجنايات، وسنتان إذا كانت العقوبات المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام، وبمقارنة النصين، يتضح أن التعديلات في هذا الجزء لم تكن ذات شأن بالمقارنة بالقانون الحالي، مما لا يستحق معه الترويج لهذا المشروع في هذا الخصوص.