كتبت- إيمان رشدي
“أساسي.. لكنه غير مرئي، ويتم استغلاله”.. هكذا وصف تقرير لمنظمة أوكسفام إنترمون ومعهد الدراسات الجامعية للهجرة التابع لجامعة كوميلاس، العامل المهاجر الذي يمثل ¼ العاملين في قطاع الزراعة بدول الاتحاد الأوروبي، ورغم ذلك يعاني من العنف وساعات العمل الطويلة وتدني الرواتب.
وعندما يشتري المواطن الأوروبي طبقا من “التوت البري” السويدي، قد لا يعلم في الغالب، أن من عمل في قطافه هو عامل موسمي، قدم من تايلند ليقضي 19 ساعة يوميا من العمل الشاق، بحثا عن فرصة عمل، قد لا يجدها في بلاده.
لا يقتصر الباحثون عن فرص للعمل والحياة الأفضل على عمال الزراعة، ورغم أن الأغلبية من “العمال اليدويين”، إلا أن هناك أيضاً أطباء ومقدمي خدمات الرعاية الصحية، وقطاعات أخرى عديدة.
ملايين المهاجرين ومليارات التحويلات
بينما قدرت منظمة العمل الدولية عدد العمال المهاجرين حول العالم في العام 2019 بـ169 مليون عامل، ارتفعت التقديرات في العام 2024، لتصل الي 281 مليون مهاجر، ثلثيهم عمال مهاجرون، أي حوالي 187 مليونا، انتقلوا من بلادهم، بحثا عن فرص عمل وتعليم وسبل عيش أفضل وبيئة أكثر استقرارًا وسلامًا.
ووفقا لتقرير الهجرة العالمية الصادر عن وكالة الأمم المتحدة للهجرة 2024، ارتفعت تحويلات هؤلاء العمال بنسبة 650% من 128 مليار دولار أمريكي عام 2000 إلى 831 مليار دولار أمريكي عام 2022، وكان لتدفقات التحويلات المالية للمهاجرين دورً أكبر من الاستثمار الأجنبي في تعزيز إجمالي الناتج المحلي للدول النامية.
وتحتضن مزارع الخضروات والفاكهة في أوروبا حكايات 2.4 مليون مهاجر، يحصدون مع الفواكه، وثمار الخضار الطازجة، انتهاكات ممنهجة، لحقوقهم الأساسية، وبالطبع تتضاعف الانتهاكات، عندما يتعلق الأمر بالفئات الأضعف، النساء، ومن يحملون تصاريح مؤقتة، وبالتأكيد العمال “غير النظاميين”.
وتتضمن قائمة الانتهاكات أجورا أقل، وساعات عمل أطول، وظروف عمل قاسية، وهناك حالات موثقة لتسمم العمال، وتوفي رجل بعد عدم حصوله على الماء طوال يوم العمل في حرارة بلغت 44 درجة.
أطباء وبناءون.. الاستغلال في عاصمة الأنوار
ووصلت الانتهاكات “الأوروبية” ذروتهاــ ربماــ في باريس خلال عمليات تجهيز البنى التحتية بعاصمة الأنوار لأولمبياد 2024.
يقول شيكنا سارامبونو، وهو مهاجر من مالي، يقيم في فرنسا، ويعمل في مجال البناء: “لولا استغلالنا، لما أبصرت القرية الأولمبية النور في الموعد المحدد، ولما تمكنت باريس من استضافة الألعاب الأولمبية بهذه التكلفة”.
الأمر يختلف قليلا، عندما نتحدث عن أطباء انتقلوا إلى ألمانيا، لكن هذا لا يمنع أن الطبيب السوري أحمد نزال، اضطر للعمل كممرض لفترة، حتى تمكن من إتقان اللغة الألمانية، رغم كونه اختصاصي أمراض نساء وتوليد في بلده التي هاجر منها.
هؤلاء العمال خاصة الموسميين منهم، يمولون نظام الضمان الاجتماعي، لكنهم لا يستفيدون منه، حسب تقرير صادر عن المعهد النقابي الأوروبي ومركز بحث الكونفدرالية الأوروبية للنقابات، واعتمد مضمونه على تحليل بيانات أنظمة الضمان الاجتماعي في دول الاتحاد الأوروبي الـ27.
الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، وصفت العامل المهاجر، بأنه الشخص الذي سيشارك أو يشارك أو شارك في نشاط مقابل أجر في دولة، هو ليس من رعاياها.
الاتفاقية وغيرها من المعاهدات والقوانين الدولية، لم تمنح تغطية حمائية كافية، حيث تشير التقديرات العالمية وفقا لدليل رسم خريطة عملية هجرة العمالة إلى أن العمال المهاجرين يمثلون، ما يقرب من ربع ضحايا العمل القسري البالغ عددهم 25 مليونا على مستوى العالم، والذين يعانون من أشكال متعددة من الإكراه من قبل أصحاب العمل وشركات العمالة.
حيث كشفت دراسة، أجرتها منظمة العمل الدولية، أن ما يقرب من 24 % من هؤلاء العمال تم حجب أجورهم أو منعهم من مغادرة البلاد التي يعملون فيها؛ بسبب التهديدات بعدم دفع الأجور المستحقة، كما تعرض 17 % منهم لتهديدات بالعنف، و16 %منهم لأعمال عنف جسدي، وتعرض 12 % منهم لتهديدات ضد الأسرة.
أما بالنسبة للنساء، فأفادت 7% من الضحايا بتعرضهن لأعمال عنف جنسي.
وتظهر البيانات، أن الانتهاكات الأكثر شيوعًا، تتعلق بمعايير التوظيف- انتهاكات الأجور، وساعات العمل، والإجازات، والفصل التعسفي- كذلك انتهاكات الصحة والسلامة المهنية، حيث فقد ما لا يقل عن 90 عاملاً مهاجرًا حياتهم؛ نتيجة لسوء المعاملة والإهمال من قِبل الشركات.
وتظهر الإحصاءات، أن نسبة كبيرة من هذه الوفيات، والتي تقدر بحوالي 83% ترتبط بانتهاكات معايير الصحة والسلامة المهنية.
ناهيك عن ممارسات التوظيف غير العادلة، بالإضافة إلى السلوك العنيف، ولا يمكن تجاهل فرض رسوم التوظيف على العمال المهاجرين في مناطق مختلفة من العالم، مثل أوروبا والخليج وجنوب شرق آسيا والولايات المتحدة.
التحويلات المالية.. النموذج المصري
التحويلات المالية هي الوجه الآخر لهجرة العمالة، فعلى سبيل المثال، بلغت تلك التحويلات في مصر وفقا لبيانات البنك المركزي 22,1 مليار دولار، وهو ما يمثل 7,07% من الناتج المحلى الإجمالي عام 2022- 2023، وتعد مصر أكبر متلق للتحويلات المالية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وهو ما دفع مصر للانضمام للاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم مع التحفظ على نص المادة الرابعة والفقرة السادسة من المادة 18، والخاصة بتنظيم منح الجنسية لأبناء المهاجرين، ومحاكمة مرتكبي بعض الجرائم هناك.
وقدمت مصر التقريرين الدوريين إلى اللجنة المعنية بحماية حقوق جميع العمال المهاجرين بموجب المادة ٧٣ من الاتفاقية، ونوقش التقرير الأول في إبريل 2007، بينما نوقش التقرير الدوري الثاني في ديسمبر 2024.
ليست التحويلات المالية وحدها تشكل أوجه الاستفادة، ولكن نقل المهارات وإنشاء شبكات الأعمال والتجارة.
من يحمي العمال المهاجرين؟
يؤدي نظام “الكفالة” الموجود بشكل رئيسي في دول الخليج، على سبيل المثال إلى صمت العمال إزاء الانتهاكات التي يتعرضون لها؛ خوفا من الترحيل، إضافة لمصادرة الأوراق الشخصية، والتي تشكل نهجا آخر، يستخدمه أصحاب العمل المستغلون لمنع العمال من طلب المساعدة، أو حتى الشعور بالحرية في العودة إلى بلادهم.
وإزاء هذه الانتهاكات، يطرح المهتمون بالملف تساؤلا، حول عمن هو المسؤول عن حماية هؤلاء؟
المادة السابعة من الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، أشارت إلى أن دولتي الأم والعمل تتعهدان وفقا للاتفاقيات الدولية، باحترام الحقوق المنصوص عليها بالاتفاقية، ومن بينها حمايتهم من أي انتهاكات، قد يتعرضون لها وتأمينهم هم وأفراد أسرهم دون تمييز.
وعليه، يتعين على الدول تنفيذ نظام متكامل للسياسات العامة للعمالة المهاجرة، يتماشى مع الالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان، يستطيع مواكبة الأعداد المتزايدة من العمالة؛ بسبب ما تشهده المنطقة من صراعات وحروب.
على سبيل المثال، توفر بعض الحكومات مراكز خدمية متكاملة، تهدف إلى تبسيط عمليات الهجرة العمالية، وتضمن حقوق العمال من خلال توفير جميع الخدمات المتعلقة بالهجرة في مكان واحد، ككندا التي أنشأت مراكز لاستقبال المهاجرين (Immigrant Services Centres) .
في مصر لم يتم إنشاء مركز واحد متكامل، يشمل جميع خدمات الهجرةـ حتى الآن، وإن تم إطلاق بعض المبادرات والخدمات المتعلقة بالعمال المهاجرين.
وشدد دليل رسم خريطة هجرة العمالة على قيام الدول بإنشاء آليات تظلم تجارية، تتوافق مع معايير المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، بما يضمن حق العمال حال وقوع انتهاك عليهم.
ويستوجب إنشاء آليات شكاوى وملاحظات سرية مع مراكز إبلاغ واضحة، بلغات يفهمها العمال المهاجرون، باستخدام حلول التكنولوجيا، ومن الممكن أن تتولاها النقابات العمالية لبث المزيد من الثقة في نفوسهم، وهو ما يشكل أهمية كبيرة بالأخص للعمال المهاجرين الذين يتعرضون للاستغلال الجنسي والإساءة على أيدي أصحاب الأعمال أو حتى عمال آخرين.
إعادة الإدماج.. أزمتان
بعد الانتهاء من عملهم المؤقت بالخارج، يعود العمال المهاجرون إلى بلادهم، ما يتسبب عادة في أزمتين، تتمثل الأولى عدم تصفية العقود بين هؤلاء العمال وشركات إلحاق العمالة بالخارج، كما يطلق عليها، إلا بعد عودة العمال المهاجرين إلى بلدهم، مما يعني أن وكلاء توظيف العمالة لا يزالون يتمتعون بسلطة ترهيب العمال المهاجرين وإكراههم.
أما الثانية، فتخص الحكومات، لأنه كي يعود هؤلاء إلى بلادهم، يجب الاستعداد جيدًا لإعادة دمجهم في مجتمعاتهم وأسواق العمل المحلية فبعد سنوات من الهجرة، تشكل إعادة الإدماج عملية معقدة، تتطلب تخطيطًا دقيقًا يراعي الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والنفسية.
والمغرب أحد الدول التي أعدت برنامجًا لإعادة الإدماج، يوفر الدعم المالي والتدريب للعائدين من أوروبا.
وتتطلب إعادة الدمج جهوداً مشتركة من الحكومة والمنظمات غير الحكومية بالاشتراك مع القطاع الخاص لضمان توفير الفرص الكافية لهم، ولمن أعيد قسريا، من خلال توظيفهم في أماكن يمكن الاستفادة من خبراتهم التي اكتسبوها في بلاد الهجرة المؤقتة.