تصاعدت الهجمات بالطائرات المسيّرة التي تنفذها قوات الدعم السريع، مستهدفة عدة مدن آمنة، خاضعة لسيطرة الجيش السوداني. في تطور خطير، تركزت هذه الهجمات مؤخرًا على السدود، خاصة المحطات التحويلية للكهرباء، مما يذكّر بحادثة إغلاق بوابات خزان جبل أولياء في ديسمبر الماضي، والتي أدت إلى غرق مناطق واسعة بولاية النيل الأبيض.

الهجمات بالطائرات المسيّرة ليست بجديدة، فقد استهدفت قوات الدعم السريع منذ أغسطس 2023 حفل تخرج طلاب الكلية الحربية بمنطقة جبيت بحضور قائد الجيش، وهو الهجوم الشهير في أغسطس الماضي، ما أسفر عن مقتل 7 طلاب وإصابة آخرين. كما شنّت هجومًا آخر في إبريل الماضي خلال إفطار جماعي لكتيبة البراء بن مالك في مدينة عطبرة أدى لمقتل 5 مدنيين داخل قاعة الإفطار ومع ذلك، شهد شهر يناير 2025 تحولًا نوعيًا في الاستهداف، حيث ركزت الهجمات على البنية التحتية الحيوية للدولة. تعرض سد مروي، ومحطات الكهرباء في الشواك، وسنجة، وسنار، إضافة إلى مطار عطبرة، لهجمات ممنهجة، أدت إلى انقطاع التيار الكهربائي عن مناطق واسعة.

لم تقتصر آثار هذه الهجمات على الأضرار المادية فقط، بل طالت حياة ملايين السودانيين بشكل مباشر، حيث أدت إلى شلل في الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء، والمستشفيات، وشبكات المياه، والمدارس، ما فاقم معاناة السكان في ظل أوضاع معيشية متدهورة .

روزنامة يناير

في 9 يناير الجاري، استهدفت طائرات مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع محطة الكهرباء التحويلية في سد مروي مرتين خلال الأسبوع ذاته، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية التي تحظر استهداف البنية التحتية المدنية. الهجوم الأول وقع مساء 9 يناير، ما أدى إلى حريق هائل تسبب في انقطاع التيار الكهربائي عن مناطق واسعة في الولاية الشمالية، ما ألحق أضرارًا كبيرة بالمنشآت الحيوية، وأثر بشكل مباشر على الحياة اليومية للمواطنين. أما الهجوم الثاني، الذي وقع مساء 12 يناير ، فقد تسبّب في انقطاع الكهرباء عن ولايات البحر الأحمر، وكسلا ونهر النيل، إضافة إلى محلية كرري بولاية الخرطوم. وقد أدى ذلك إلى شلل في الخدمات الأساسية التي يعتمد عليها المدنيون، وتشكل الكهرباء المنتجة بواسطة سد مروي ٤٠٪ من إجمالي إنتاج الكهرباء في السودان.

في 17 يناير 2025، تواصلت الهجمات بالطائرات المسيّرة، حيث استهدفت محطة الكهرباء في الشواك بولاية القضارف، ما أسفر عن إصابة المحولات وتوقف إمدادات الكهرباء في ولاية القضارف. كما استهدفت الهجمات أيضًا محطة كهرباء سنجة في ولاية سنار، لكنها لم تسجل أي خسائر تذكر، بالإضافة إلى استهداف مدينة سنار ومطار مدينة عطبرة بشمال السودان.

وقد أفاد مسافرون على متن حافلات قادمة من عطبرة، أنهم استفاقوا في استراحة بإحدى المحطات على صوت انفجار ضخم، ثم شاهدوا طائرة مسيّرة ثانية تحلق فوقهم. الهجوم ألحق حالة من الذعر والهلع بين المسافرين، الذين هرعوا للفرار فورًا؛ خوفًا على حياتهم. المنطقة كانت مكتظة بالمسافرين؛ بسبب حظر السفر وحركة المركبات بعد الساعة الخامسة مساء، ووفقًا للمسافرين، المنطقة التي تنطلق منها الطائرات المسيّرة، لا تزال مجهولة، رغم التقارير التي تشير إلى أن هناك مسيرات قد تنطلق من خارج الحدود. تشير المصادر إلى أن غالبية الهجمات السابقة تنطلق من مناطق تقع في منطقة شرق النيل بالخرطوم.

الأبعاد الاستراتيجية

الهجمات بالطائرات المسيّرة على البنية التحتية الحيوية في السودان تمثل تحولًا في استراتيجيات النزاع، حيث لم تعد المواجهات محصورة في مناطق القتال المباشر، بل امتدت لتشمل المدن الآمنة، التي تُعد بمثابة ملاذات للمدنيين الفارين من مناطق النزاع. هذه المدن التي كانت بمثابة نقاط نزوح لملايين النازحين السودانيين، بما في ذلك أولئك الذين فروا من مناطق القتال في دارفور وكردفان والنيل الأزرق، أصبحت الآن مستهدفة بشكل ممنهج. الهجمات على هذه المدن ليس فقط محاولة لتعطيل الحياة المدنية في مناطق آمنة، بل هي خطوة استراتيجية، تهدف إلى زيادة الضغط على الحكومة السودانية وتفكيك البنية الاجتماعية التي تعتمد على تلك المدن لاستيعاب النازحين.

استهداف مدن مثل عطبرة وسنار وسنجة التي تستقبل أعدادًا كبيرة من النازحين، يهدف إلى إضعاف قدرة هذه المدن على تأمين الخدمات الأساسية لمواطنيها. بالإضافة إلى تعطيل الكهرباء والمياه، يفاقم هذا التهديد من معاناة المدنيين في هذه المناطق التي كانت تعتبر ملاذًا من ويلات الحرب، مما يفضي لتردي الأوضاع الإنسانية في المناطق التي كانت تعتبر أكثر استقرارًا في سياق الصراع السوداني.

الهجوم على هذه المدن الآمنة، التي غالبًا ما تكون بعيدة عن خطوط المواجهة المباشرة بين الأطراف المتصارعة، يعكس استراتيجية تسعى إلى تحويل هذه الملاذات إلى مناطق لا تصلح للعيش، وبالتالي دفع المزيد من السكان إلى النزوح أو الخروج من البلاد. بهذه الطريقة تسعى قوات الدعم السريع إلى إرباك السلطات السودانية عبر تضييق الخناق على السكان المحليين والنازحين على حد سواء، مما يساهم في تفاقم الأزمة الإنسانية، ويزيد من تحديات الحكومة السودانية في تقديم الدعم للمجتمعات المتضررة.

علاوة على ذلك، استهداف هذه المدن يهدف إلى إثارة حالة من الذعر والهلع بين المدنيين، خاصة أولئك الذين كانوا يأملون في العثور على الأمان بعيدًا عن مناطق النزاع المباشر. هذا من شأنه أن يساهم في تأجيج الفوضى وخلق بيئة مواتية لاستمرار الصراع وانتشاره، مما يهدد استقرار المنطقة بأسرها.