حقق المغرب قفزة قياسية بمعدلات السياحة ليحتل المرتبة الأولى بإفريقيا، متقدما على مصر التي ظلت محتفظة بذلك المركز لعقود، ما يثير تساؤلات حول السياسات التي اتبعها المغرب لاجتذاب السائحين، رغم عدم تنوع مقاصده السياحية مقارنة بمصر التي تمتلك تراثاً ثقافيًا فريدًا وزاخرا.

استقبل المغرب 17.4 مليون سائح في 2024 بزيادة 20٪ عن 2023، مقابل 15.7 مليون سائح بمصر خلال 2024 التي حققت زيادة بنسبة 5.4% عن 2023، أي أن المغرب سجل زيادة عن مصر تناهز مليوني سائح.

خطوط مباشرة لجذب السائحين

تعامل المغرب بواقعية في جذب السياحة، إذ ركز على التعاقد مع شركات الطيران وفتح خطوط مباشرة لاجتذاب السائحين، من أجل التيسير عليهم، بدلاً من رحلات الترانزيت التي تستهلك وقتًا، ولا يفضلها الأشخاص الذين لديهم وقت محدود، ولا يريدون تضييعه في المطارات.

في 2024، وقع المغرب اتفاقيات مع شركات الطيران من أجل جلب السياح، كان أهمها “رايان إير”، وهي شركة طيران إيرلندية منخفضة التكلفة، والتي افتتحت بدورها 24 خطا جويا (رحلة مباشرة بين بلدين) دوليًا للمغرب في إبريل 2024، وتعتزم إضافة 11 خطا أخرى.

وعمل المغرب على مدار السنوات الماضية على توقيع اتفاقيات تتعلق بالخدمات الجوية لتعزيز التعاون بمجال الطيران المدني من بينها الهند، كما يسعى المغرب لزيادة وتيرة تلك الاتفاقيات بعد اتفاقه مع الهند، وذلك بتوقيع اتفاقية منذ أيام على خط مباشر بينه وبين العراق.

الاعتماد على المشاهير في التسويق المجاني

اعتمد المغرب على تسويق المطعم المغربي وتسويق الأكلات التراثية، خاصة بعد فوز المطبخ المغربي في مسابقة أحسن مطبخ في العالم المنظمة من قبل «بابيتي كويزين» على منصة «إنستجرام» في عملية تصويت، شارك فيها ما يزيد على 38 مليون شخص.

وحصل المطبخ المغربي على أكثر من 2.5 مليوني صوت، كأحسن مطبخ في العالم متفوقاً على عدد من المطابخ العالمية على غرار المطبخ الإيطالي والمكسيكي والياباني والفرنسي والهندي، ما جذب قطاعا كبيرا من الفوود بلوجر الذين قاموا بدورهم بتسويق المغرب ككل بشكل غير مباشر.

كما اعتمد المغرب على استثمار نجوم كرة القدم المغاربة بالخارج لتسويق بلادهم وثقافتها ودعوة نجوم بكرة القدم مؤثرين لزيارتها، إذ أعلن المكتب الوطني المغربي للسياحة عن خطة لوضع كرة القدم في قلب استراتيجيته الترويجية مع منظمي الرحلات الفرنسيين والعالميين.

واستثمر المغرب الإنجازات التي حققها في كرة القدم، والتي جذبت 130 مليون تفاعل بمواقع التواصل الاجتماعي بعد كأس العام الأخير، كما وقعت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والمكتب الوطني المغربي للسياحة اتفاقا استراتيجًيا ينص على القيام بالترويج لوجهة المغرب عبر كرة القدم للفترة الممتدة من 2023 وإلى 2030.

يشجع المغرب الأفلام الأجنبية على التصوير بالبلاد، حتى أن أفلام عديدة عن مصر ذاتها تم تصويرها بالمناطق المغربية، مثل المومياء، على عكس التعقيدات الطويلة التي يحتاجها تصوير أعمال بمصر.

خدمات متكاملة يقدمها المغرب

يقول عاطف عبد اللطيف، رئيس جمعية “مسافرون” وعضو جمعية مستثمري جنوب سيناء، إن المغرب تفوق في أعداد السياح لأسباب عديدة، منها افتتاح خطوط جوية جديدة إلى أسواق سياحية رئيسية، ما سهل وصول السياح إلى وجهات متعددة داخل البلاد، بجانب تنويع الوجهات السياحية باستمرار، ما يجذب فئات متنوعة من السياح الباحثين عن تجارب مختلفة.

مشيرا إلى تحسين جودة الخدمات السياحية بتحديث البنية التحتية الفندقية وتأهيل أطقم الضيافة، ما رفع من مستوى رضا الزوار، بجانب استهداف أسواق جديدة بالتركيز على جذب سياح من دول وأسواق جديدة، مثل الصين والهند وأستراليا والبرازيل، ما ساهم في زيادة أعداد الزوار، فضلاً عن الاستقرار السياسي والأمني، وهو عامل جاذب للسياح الباحثين عن وجهات آمنة.

في المقابل، يقول عبد اللطيف، إن عدد السائحين لمصر تراجع؛ بسبب التوترات الإقليمية بمناطق قريبة، مثل غزة ولبنان ما أثر على الصورة العامة للمنطقة أمام السياح، ودفعهم لتجنب زيارة مصر، واستمرار الحرب الروسية – الأوكرانية، فروسيا وأوكرانيا من أكبر الأسواق السياحية لمصر، واستمرار النزاع، بينهما أدى إلى انخفاض أعداد السياح القادمين منهما.

في 2023، كان الألمان أكثر جنسية زارت مصر بإجمالي 1.6 مليون سائح ألماني، بينما جاءت روسيا في المرتبة الثانية بإجمالي 1.5 مليون سائح، وحل السعوديون ثالثًا بإجمالي مليون سائح سعودي، وقبل الحرب الروسيةـ الأوكرانية، كان الأوكران في المركز الثاني، من حيث السائحين الزائرين بمصر بإجمالي 1.2 مليون سائح.

وقال عبد اللطيف إن تدني أسعار الخدمات السياحية قلل أرباح الفنادق، وقلل من مستوى الجودة فيها.

وأكدت دراسة حديثة وجود قصور في تطبيق معظم بنود ومتطلبات المواصفة الدولية الأيزو 22301 في العديد من الفنادق بمصر موصية بالبدء بجدية في تطبيق نظام إدارة استمرارية الأعمال عن طريق توفير الموارد المالية اللازمة.

يوجد بمصر 6667 منشأة سياحية وفندقية، منها 1247 منشأة فندقية بطاقة استيعابية 222 ألفا و716 غرفة فندقية، و1490 مطعمًا سياحيًا، و344 مركز غوص، و208 يخوت سفاري، و241 مركز أنشطة بحرية، و17 مركز سفاري جبلي، و3120 بازار، و117 شركة إدارة فندقية.

تم اختيار 3 فنادق مصرية بقائمة أفضل 25 فندقًا سواء على مستوى العالم أو شمال إفريقيا والشرق الأوسط، في خطوة قالت الحكومة، إنها تعكس قدرة هذه الفنادق على المنافسة عالميًا، وبما يؤكد المستوى المتميز لبعض الفنادق المصرية.

كيف تستعيد مصر مركزها؟

يقول عاطف عبد اللطيف، إن عودة مصر لمكانتها، وتحقيق مستهدفاتها لجذب 30 مليون سائح، تتطلب خطة عمل، تشترك فيها جميع الوزارات، تتضمن العديد من النقاط من بينها إنشاء المزيد من الغرف الفندقية، خاصة بالقاهرة، وزيادة حافلات نقل السائحين وتحديثها باستمرار.

 وشدد على ضرورة زيادة عدد المراكب السياحية بالنيل وزيادة عدد المراسي النيلية، خاصة في ظل الطلب الكبير على المراكب النيلية، خاصة “اللونج كروز” (رحلات طويلة تتحرك من القاهرة لأسوان، وتستمر قرابة 12 يومًا في النيل) .

وطالب بتوسعة المطارات وتسريع الفترة الزمنية اللازمة لمغادرة السياح، وزيادة عدد السيور الخاصة بالحقائب حتى لا يقضي السائح وقتا طويلا في انتظارها، وتطوير الأسواق الحرة وتنويع البضائع بها، وزيادة ساعات عمل المتاحف ومدها لفترات مسائية.

كما أكد على ضرورة رفع كفاءة العاملين بالفنادق؛ لتحسين جودة الخدمة والضيافة، والاهتمام أكثر بالسياحة الرخيصة بتوفير المزيد من الفنادق الرخيصة “نجمة أو نجمتان”، وجذب السياحة الشبابية، وهي فئة عمرية تخلق حالة من الرواج، ويمكنها الدعاية المجانية لمصر عبر الصور التي تلتقطها وتنشرها على السوشيال ميديا.