كتب- سمير عثمان

لا تزال حالة الجدل حول مشروع قانون المسئولية الطبية قائمة، وسط اعتراضات الأطباء على خروج القانون بالصيغة الحالية، رغم إعلان مجلس النواب إلغاء مادة الحبس الاحتياطي للطبيب، والتي أدت إلى إلغاء الجمعية العمومية للنقابة العامة لأطباء مصر، والتي كان مقررًا لها أول يناير الجاري، فيما أعلن عدد من أعضاء مجلس النقابة استقالاتهم على خلفية إلغاء الجمعية العمومية.

ووسط هذا الجدل تزايدت الأسئلة حول مدى تأثير القانون على طرفي العلاقة من الأطباء والمرضى، ومنها زيادة معدلات هجرة الأطباء خارج مصر، وارتفاع حالات الطب الدفاعي، والتي تؤثر بدورها على المريض الذي يحتاج إلى تدخلات عاجلة ومعقدة في بعض الأوقات.

وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في آخر إحصاء للخدمات الصحية عام 2021، والذي صدر منتصف عام 2023، فإن عدد الأطباء بلغ 168046 طبيبا، موزعين على القطاعين الحكومي والخاص، مقسمين إلى 133540 طبيبا بشريا، و34506 أطباء أسنان.

الدكتور أحمد حسين، عضو مجلس نقابة الأطباء السابق، أن إحصاء الجهاز المركزي مختلف عن الواقع، مشيرًا إلى أن إحصاءات الجهاز تشمل جميع المسجلين بالوزارة، ولكنها لا تشمل الأطباء الذين يتقدمون بالحصول على إجازة، بدون مرتب كل عام أو الذين يتقدمون باستقالاتهم.

وأضاف حسين في تصريحات خاصة، أنه وفقًا لدراسة أصدرتها نقابة الأطباء خلال عام 2022، يوجد 11 إجازة بدون مرتب واستقالة يومية، يتقدم بها الأطباء، لافتًا إلى أن هناك من يتقدم بالإجازة، ويعمل طبيبًا حرًا داخل مصر، كما يوجد من يتقدم بها للسفر للخارج، وهؤلاء لا تستطيع النقابة حصرهم؛ لأنه لا يوجد أي إجراء إداري تتخذه النقابة في سفرهم، موضحًا أن جميع هذه البيانات موجودة فقط لدى وزارة الصحة، وهي التي تستطيع حصرهم، ولكن لا يوجد إحصاء رسمي بعدد الأطباء المهاجرين.

في منتصف عام 2022، حذرت نقابة الأطباء في دراسة أصدرتها من هجرة الأطباء، مؤكدًة أن هناك عزوف كبير من الأطباء عن العمل الحكومي، مع تزايد الرغبة في الهجرة خارج مصر.

الدراسة أشارت، إلى استقالة أكثر من 11 ألف طبيب منذ عام 2019 حتى الربع الأول من 2022، موضحًة أن عدد الأطباء المسجلين بالنقابة والمرخص لهم بمزاولة المهنة تحت سن المعاش بلغ حتى منتصف مارس 2022 حوالي 228 ألفا 862 طبيبا، وبلغ عدد العاملين بالمستشفيات الحكومية منهم 93 ألفا 536 طبيبا وطبيبة، وبلغت نسبة العاملين في القطاع الحكومي إلى عدد المسجلين بالنقابة 40.8%.

الدكتور خالد أمين، الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء، أكد في تصريحات له قبل أيام، أن معدل استقالات الأطباء اليومي وصل إلى 12 طبيبا، وهو ما يتفق مع الدراسة التي أعدتها النقابة قبل عامين.

الأمر نفسه، أكده الدكتور أحمد حسين، عضو مجلس النقابة السابق، حيث أشار إلى أن الاستقالات تؤثر بشكل كبير على تقديم الرعاية الصحية للمرضى، موضحًا أن المعدل العالمي هو 23 طبيبا لكل 10 آلاف مواطن، بينما في مصر، كان المعدل هو 9.2 أطباء لكل 10 آلاف مواطن، وهي نسبة بعيدة جدًا عن المعدل العالمي.

في نفس السياق، كشف تقرير للقوى العاملة البريطانية، صدر أواخر عام 2022، حول «حالة التعليم والممارسة الطبية في المملكة المتحدة»، ارتفاع نسبة الأطباء المصريين المهاجرين إلى بريطانيا بنسبة 202%، ما بين 2017 و2021.

التقرير أوضح، أن مصر تأتي بعد الأردن والسودان في دول الشرق الأوسط، في هجرة الأطباء إلى بريطانيا، مشيرًا إلى أن 435 طبيبًا مصريًا هاجروا إلى بريطانيا في 2017، وارتفع عددهم في العام التالي إلى 756 طبيبًا، ثم إلى 1301 طبيب في 2019، وفي 2020 انخفض إلى 1220 طبيبًا، وارتفع مجددًا إلى 1312 طبيبًا في 2021.

في طلب مناقشة عامة، تقدمت به صفاء جابر عيادة، عضو مجلس النواب، لفتت إلى أن خريجي كليات الطب يبلغ حوالي 9 آلاف طبيب سنويًا، في حين يعمل أكثر من 60 في المائة من الأطباء المصريين خارج البلاد.

وأشارت النائبة في طلبها، إلى تقرير لوزارة القوى العاملة البريطانية، الذي يشير ارتفاع نسبة الأطباء المصريين المهاجرين إلى بريطانيا بنسبة تزيد على 200% منذ عام 2017 حتى عام 2021.

وطالبت بتدخل حكومي عاجل لوقف نزيف هجرة شباب الأطباء، في ظل حالة من العجز الكبير في عدد الأطباء، وانخفاض أعداد الطلاب المقبولين في كليات الطب، ما يهدد مستقبل الرعاية الطبية في مصر، في ظل ما تشير إليه بعض الإحصائيات، هجرة ما يقرب من 110 آلاف طبيب، وهو ما يمثل نصف عدد الأطباء المقدرة أعدادهم بأكثر من 220 ألف طبيب.

قبل أيام، أعلن مصدر بوزارة الصحة عن توجيه خطاب لجميع مديريات الصحة على مستوى الجمهورية، بدعوة جميع الأطباء المستقيلين والمنقطعين عن العمل، بالعودة إلى عملهم بالوزارة، من أجل التغلب على نقص الأطباء بالمستشفيات الحكومية.

وأوضح المصدر في تصريحات صحفية، أن الوزارة ستقدم كافة التسهيلات للأطباء الراغبين في العودة للعمل ضمن الفريق الطبي.

وفي سياق متصل، يقول الدكتور أحمد حسين، إن عدم وجود قانون للمسئولية هو أول أسباب هجرة الأطباء للخارج، منوهًا أن العمل في بيئة تهدد المنظومة الصحية، ولا تحفظ حقوق الأطباء وتعرضهم للمحاكمات؛ بسبب أخطاء طبية واردة الحدوث، يؤدي إلى عزوف الأطباء عن تقديم الخدمة.

وأكد حسين لـ”مصر 360″، أن ضعف الرواتب أحد الأسباب، خاصة إذا ما قورنت برواتب الأطباء في العديد من الدول الأخرى سواء العربية أو الأوروبية، لافتًا إلى أن الدراسة التي قدمتها نقابة الأطباء حددت جميع الأسباب، وطالبت بالتدخل العاجل لوقف هذا النزيف.

من جانبه، يرى خالد أمين، الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء، أنه في حال استمرت هجرة الأطباء على ذلك النحو، فإننا أمام كارثة حقيقية تواجه الدولة المصرية، مشيرًا إلى أن الطبيب الذي يهاجر للخارج هو الطبيب الكُفء الذي يستطيع المنافسة في الخارج، وهو ما يعني أن استمرار سفر الكفاءات يهدد المنظومة الصحية المصرية.

وتابع أمين في تصريحات لـ”مصر 360″، أن هذه الهجرة ستؤدي إلى وقوع جرائم طبية، وليس مجرد أخطاء، لأنه وقتها لن يكون لدينا جودة في الرعاية الصحية، سيكون هناك عدد، ولكن ذلك العدد غير مؤهل وغير مدرب جيدًا، وهو ما سيؤدي إلى وقوع جرائم، وذلك بالطبع يؤثر على المنظومة الصحية التي توفر لها الدولة مليارات لتطويرها.

وأوضح الأمين العام المساعد للأطباء، أن الأطباء المصريين يتجهون إلى الدول التي تقدم لهم راتب وحافز جيد، فهناك العديد منهم اتجه إلى الإمارات وبريطانيا ودول عربية وأوروبية أخرى، وكل ذلك سببه تقديم هذه الدول للدعم الكامل للأطباء، وكذلك تقديم التدريب اللازم والتوجيه المستمر.

وحول الشكاوى المقدمة للنقابة ضد أطباء؛ بسبب الأخطاء الطبية، كشف تقرير صادر عن نقابة الأطباء، أن عام 2024 شهد تلقي النقابة 184 شكوى طبية، منها 174 شكوى تم التحقيق فيها، بينما اتخذت النقابة قرارًا بتحويل 319 طبيبا للتحقيق بلجنة آداب المهنة.

على صعيد متصل، قال الدكتور مجدي مرشد، رئيس لجنة الشئون الصحية الأسبق بمجلس النواب، إنه كان من ضمن أوائل النواب الذين تقدموا بمشروع للمسئولية الطبية في برلمان 2015، منوهًا أنه قام بمراجعة 13 قانونا خلال من دول عربية وأوروبية من أجل خروج قانون المسئولية الطبية المصري للنور بشكل مناسب.

وأضاف مرشد لـ”مصر 360″، أن الحبس في الأخطاء الطبية غير موجود في أي دولة في العالم، لافتًا إلى أنه في حالة تطبيق القواعد العلمية المتبعة، والإجراءات المهنية السليمة، لا يمكن أن يعاقب الطبيب، بسبب خطأ طبي وارد حدوثه، وذلك معمول به في كل دول العالم.

وأكد مرشد، أن خروج قانون للمسئولية الطبية غير متوافق عليه، يؤدي إلى ارتفاع حالات الطب الدفاعي، وهي تلك التي يرفض الطبيب عدم التدخل بأي نوع رعاية طبية للمريض، بسبب إمكانية حدوث مضاعفات، وتلك المضاعفات قد تؤدي إلى وفاة المريض، وفي حالة تطبيق عقوبات تصل للحبس على الأطباء في مشروع القانون، فإن الطبيب سيرفض إجراء هذا التدخل، حتى لو كان على حساب حياة المريض.

وشدد رئيس لجنة الصحة الأسبق، على ضرورة إصدار قانون توافقي يهدف إلى الحفاظ على حياة المرضى، وكذلك يحقق حماية الأطباء، لأن تأثيرات القانون ستكون كارثية، فمصر تعاني من هجرة مستمرة للأطباء، وفي حالة عدم توافق سترتفع نسبة الأطباء المهاجرين، خاصة في ظل الأوضاع المادية والنفسية التي يعيشها العاملين بالرعاية الصحية.