كتب- سمير عثمان
بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، أصبح اللاجئون السوريون المحور الأساسي للنقاش في العديد من دول العالم، خاصة تلك التي تستضيف الملايين منهم على أراضيها، فيما أعلنت دول عديدة تعليق النظر في طلبات اللجوء للسوريين؛ بسبب الأحداث التي شهدتها البلاد بعد سيطرة هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع على مقاليد الأمور بالبلاد، ليظل السؤال حول مصير اللاجئين السوريين بعد سقوط الأسد وفي سوريا الجديدة قائمًا؟
تشير إحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، إلى أنه قبل الأحداث الأخيرة في سوريا كان عدد النازحين داخل البلاد يصل إلى 13 مليون نازح، ووصل إلى 7.2 ملايين نازح داخليًا بعد سقوط نظام الأسد، فيما يعاني أكثر من 16 مليون سوري، ويحتاجون إلى الحماية والمساعدات الإنسانية.
تركيا هي أكبر دولة مستضيفة للمهاجرين السوريين، بعدد يقترب من 3 ملايين لاجئ، تليها لبنان الدولة المجاورة بنحو 755 ألف لاجئ، والأردن والعراق ومصر على التوالي، ليصل إجمالي اللاجئين السوريين إلى 5 دول حوالي 4 ملايين 741 ألف لاجئ، بما يمثل ثلث سكان سوريا.
الإحصائيات التي تصدرها المفوضية السامية بشكل مستمر ومحدث، تمثل المسجلين بالمفوضية فقط، ولكنها لا تعكس الأرقام الحقيقية لجميع اللاجئين السوريين داخل مصر، حيث أصدرت المنظمة الدولية للهجرة في مصر، إحصائيات حول عدد السوريين الموجودين داخل البلاد، وأوضحت أن عددهم يصل إلى 1.5 مليون سوري.
وفي عام 2022، أصدرت المنظمة ورقة بحثية، رصدت فيها عدد المهاجرين المقدرين الموجودين داخل مصر، والذين وصل عددهم إلى 8.7 % من إجمالي سكان مصر آنذاك والذي تخطي 103 ملايين نسمة.
في نهاية ديسمبر من العام الماضي، صرحت مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، أن اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية يمثلون حوالي 17 % من تعداد اللاجئين في مصر، وهو ما يتفق مع تقديرات المنظمة الدولية للهجرة.
أشارت المنظمة، إلى أن عدد السوريين المسجلين لدى المفوضية السامية لشئون اللاجئين بلغ 140 ألفًا في الربع الأول من عام 2022، بينما بلغ عدد السوريين الذين تحتضنهم مصر حوالي 1.5 مليون سوري، من إجمالي أكثر من 9 ملايين مهاجر على الأراضي المصرية، منهم 3% فقط لاجئون وطالبو لجوء، ووفق المفوضية السامية فإن مصر تستضيف أكبر عدد من اللاجئين وطالبي اللجوء في تاريخها.
السفارة السورية في مصر، أعلنت عن تسهيل إجراءات عودة اللاجئين إلى بلادهم، مع منح تيسيرات للعائدين، ووفقًا لبيانات مفوضية اللاجئين، فإن عدد العائدين إلى سوريا خلال عام 2024، وحتى أكتوبر الماضي بلغ 2197 مواطنا فقط، كما بدأ عشرات السوريين في العودة لبلادهم عبر مطار القاهرة.
تشير بيانات مفوضية اللاجئين، إلى أن محافظة الجيزة تعد الأكبر من حيث استضافة اللاجئين، تلتها القاهرة، فيما ضمت العديد من محافظات الدلتا الكثير من اللاجئين، وبحسب دراسة ميدانية حول الأوضاع المعيشية والاجتماعية للسوريين في مصر، تم تطبيقها على بعض السوريين بمدينة 6 أكتوبر، أكدت الدكتورة حسناء العربي، مدرس علم الاجتماع بجامعة القاهرة، أن أغلب مناطق تمركز السوريين في مصر تمثلت في مدينة 6 أكتوبر والمدن الجديدة، مثل الرحاب والعبور والتجمعات بالقاهرة الجديدة، فيما شرع العديد من اللاجئين إلى التوجه للمناطق الريفية، وذلك بسبب انخفاض تكاليف المعيشة بها.
على الرغم من أن بيانات المفوضية لا تشير سوى أولئك المسجلين لديها، فإن المهاجرين الموجودين داخل مصر منتشرون داخل أنحاء الجمهورية، خاصة المناطق الريفية.
بعد سقوط نظام الأسد، شرعت العديد من الدول إلى تحفيز السوريين للعودة لبلادهم، منها تلك التي منحتهم مبلغ مالي بقيمة ألف يورو، أو تلك التي أعلنت تسهيل العودة بطرق مختلفة، وبحسب مفوضية اللاجئين، فإن أكثر من 200 ألف سوري عادوا إلى البلاد بعد سقوط الأسد.
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشئون اللاجئين فيليبو غراندي، إن 30% من اللاجئين ينوون العودة إلى بلادهم، موضحًا أن العقوبات المفروضة على سوريا أحد العوائق التي تمنع العديد منهم من العودة، ومطالبًا برفع العقوبات على سوريا من أجل استقرارها.
مفوضية اللاجئين أوضحت، أن العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، عادوا من لبنان بعد الحرب التي دارت بين حزب الله ودولة الاحتلال أواخر ديسمبر الماضي، مشيرًة إلى أكثر من 20 ألف سوري، عادوا من الأردن.
أزمة اللاجئين السوريين هي الأكبر التي عرفها العالم، خاصة أن أغلب هؤلاء اللاجئين والنازحين من الأطفال، الذين يعانون من انعدام الرعاية الصحية وانعدام التغذية.
في تقرير للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “الإسكوا” صدر عام 2020، أوضح أن ملايين السوريين يعانون من انعدام الصحة والغذاء والمأوى والمياه والصرف الصحي.
وعلى الرغم من مرور 4 سنوات على صدور التقرير، إلا أن الأوضاع داخل سوريا لم تتحسن كثيرًا، فما زال الملايين يعانون من نقص الخدمات والبنية التحتية، خاصة وسط تدمير آلاف المنازل، فيما يحتاج العديد منهم إلى جميع الخدمات.
التقرير أشار، إلى أن 82% من الأضرار الناجمة عن النزاع بعد ثماني سنوات من أحداث 2011، تراكمت في سبعة من أكثر القطاعات تطلبًا لرأس المال، وهي الإسكان والتعدين والأمن والنقل والصناعة التحويلية والكهرباء والصحة، حيث بلغت أضرار رأس المال المادي 117.7 مليار دولار، وخسائر الناتج المحلي الإجمالي 324.5 مليار دولار، ما يضع مجموع الخسائر الاقتصادية بحدود 442.2 مليار دولار، ووفقًا للبيانات الرسمية، فقد الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في عام 2018، ما نسبته 54% من المستوى الذي كان عليه عام 2010.
في ورقة بحثية أعدها المركز السوري لبحوث السياسات، فإن الخسائر الاقتصادية السورية تجاوزت 530 مليار دولار، كما تضرر أكثر من 40% من البنية التحتية، ما تسبب في خسارة حوالي 65 مليار دولار، وبلغ معدل الفقر 86% بين السكان السوريين.
التقرير أشار، إلى أن عدد الوفيات منذ بدء النزاع المسلح في 2011 بلغ 690 ألف شخص، بينهم 570 ألفًا، قتلوا بشكل مباشر، فيما خرج حوالي 13 مليونًا من منازلهم كنازحين داخليين، فضلًا عن ملايين اللاجئين حول العالم، كما يعيش 2.4 مليونا طفل خارج المدارس داخل البلاد، يمثلون حوالي 35% من الأطفال في سن الدراسة ما بين 5 أعوام و17 عامًا، يضاف إلى ذلك نسب عدم التحاق الأطفال اللاجئين بالمدارس في أماكن اللجوء خارج سوريا.
تريليون و200 مليار دولا ر، هو حجم الخسائر الاقتصادية من الناتج المحلي السوري حتى عام 2024، وذلك وفق دراسة أعدها معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث، صدرت منتصف ديسمبر الماضي، وأكدت الدراسة، أن سوريات تحتاج إلى 800 مليار دولار لإعادة الإعمار، وشكلت الأضرار في البنية التحتية حوالي 68% من الأضرار، وتقدر عدد المباني المدمرة حوالي 130 ألف مبنى.
مع ضخامة التدمير الذي لحق بالمدن الرئيسية، إلا أن دراسة مركز الأمم المتحدة للتدريب والبحث لم يتطرق إلى جميع أنحاء سوريا بما فيها من قرى.
الدمار الذي لحق بالبنية التحتية والمباني الخدمية والسكنية بمناطق سوريا المختلفة، يعد أحد أبرز التحديات أمام عودة اللاجئين، وسط دعوات لمشاركة عالمية في إعادة إعمار الدولة التي ما زالت تعاني من الحروب منذ 14 عامًا، فيما تعد الأزمات الاقتصادية ثاني أبرز الأسباب، خاصة في ظل بيئة جيوسياسية غير واضحة المعالم.
على الرغم من أن الحنين للوطن أو العودة للأهل أحد الأسباب التي قد تدفع العديد من السوريين للعودة، إلا أنها عودة محفوفة بالمخاطر، حيث ارتفاع نسبة الفقر والبطالة والمعيشة، وعدم توافر البنية التحتية، وكذلك عدم وجود نظام رعاية صحية، بالإضافة إلى انعدام التغذية للأطفال، كلها أسباب تدعو اللاجئين السوريين للتفكير مرات ومرات قبل قرار العودة.