داميا.. مغبرا دخل الإقليم ــ والعالم ربماــ عاما هو المتمم للربع الأول من القرن الحادي والعشرين، بحرائق مشتعلة، تمتد من مخيمات غزة حتى قصور لوس أنجلوس.
وللشهر الثالث على التوالي، يحتل الرئيس الأمريكي الذي كان منتخبا، ثم صار رئيسا فعليا صدارة المشهد، محدثا المزيد من الصخب، والتداعيات بامتداد الكرة الأرضية.
يناير الذي افتتح العالم أيامه بصلوات، تبحث عن السكينة والسلام، شهد نهاية “مهتزة” لخمسة عشر شهرا من النيران في غزة، وأن انتقلت شراراتها للضفة، بينما النار تحت الرماد في لبنان.
محليا، تأرجح المشهد بين ما هو “حقوقي وقانوني” مع استمرار جدل تمرير قانون الإجراءات الجنائية، التهاب ملف مصر الحقوقي قبل وأثناء مناقشة تفاصيله في قصر الأمم بجنيف، ضمن آلية الاستعراض الدوري الشامل، وبين ما هو اقتصادي مع تصاعد الضغوط الحياتية على مواطني الطبقة الوسطي بشرائحها، وتلك التي تدنوها من الفقراء.
الأسبوع الأول.. دهس وطعن وخيام محترقة
بينما كان العالم يستعد للاحتفال بقدوم العام الجديد، كان جيش الاحتلال يقصف مرة أخرى خيام “المواصي” في خان يونس بقطاع غزة، بينما نفذ جندي أمريكي سابق من تكساس خدم في أفغانستان، ويشتبه في ارتباطه بتنظيم القاعدة، نفذ عملية دهس كبرى، أسفرت عن 15 قتيلا على الأقل، وكادت تفسد فرحة العام الجديد.
مبكرا حذرت الكاتبة الفلسطينية د. أروى محمد الشاعر، من استخدام حادث الدهس، كإلهاء لصرف الأنظار عن جرائم الصهيونية في فلسطين، وقالت: “في محاولة يائسة لإضافة طابع ديني وسياسي للحادث، خرجت وسائل الإعلام بتقارير مفبركة، تزعم أن صحفية أمريكية تبين أنها يهودية زارت منزل القاتل، وأشارت هذه الصحفية إلى نسخة من القرآن الكريم بحديث مباشر، ثم انتقلت الكاميرا بشكل مقصود لتُظهر الكوفية الفلسطينية الموضوعة على أحد الكراسي. هذا المشهد التمثيلي الساذج، ليس إلا محاولة مكشوفة لتشويه رموز الحرية والمقاومة”.
وتابعت: “لا يخفى على أحد، أن إسرائيل تواجه أزمة في كسب الرأي العام العالمي. خلال العدوان الأخير على غزة، ومع تزايد التغطية الإعلامية للجرائم المرتكبة بحق المدنيين، انتفضت شعوب العالم تضامنًا مع الفلسطينيين، منددة بالإبادة الجماعية وسياسات الاحتلال الاستيطاني. هذا التحول في الرأي العام العالمي شكل ضغطًا غير مسبوق على إسرائيل، مما جعلها تبحث عن استراتيجيات جديدة لاستعادة السيطرة على الصورة الإعلامية”.
بينما توقف الكاتب السياسي دكتور عبد المنعم سعيد؛ ليرصد المشهد العنفي في إطلالة واسعة، كيف أن “لعام خذلنا في أمور كثيرة، كنا نظن أنما كانت حروبا غائرة سوف تتوقف أو تصل إلى نهاية، على العكس ثبت أن العنف لديه قدرات عالية للاستمرار في طحن نفوس البشر، لا انتهت حرب أوكرانيا، ولا انتهت حرب غزة، ولا توقف القتال عن التوسع على جبهات جديدة”.
بينما اعتبر أن “فوز دونالد ترامب كان فارقًا كبيرًا هذه المرة؛ لأنه وفق رأى الباحثين كان هزيمة لليبرالية في آفاقها الواسعة في الفكر السياسي”.
والنتيجة من وجهة نظره، هي “أن العالم سوف يشهد أكبر عملية تراجع فكري عرفه العالم منذ بدايات القرن العشرين.، حيث ساكن البيت الأبيض الرئيس رقم 47 لديه جدول أعمال إمبراطوري، يقوم على استعادة قناة بنما مرة أخرى، ضم كندا إلى الولايات المتحدة، فتكون الولاية 51، وشراء جرين لاند الجزيرة الثلجية الهائلة الواقعة في شمال المحيط الأطلنطي بين أوروبا وأمريكا الشمالية.
المشهد الحقوقي المصري في الأسبوع الأول من يناير، كان مترقبا لفعالية ” الاستعراض الدوري الشامل” التي ينظمها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مرة كل أربعة أعوام، والذي اعتبرته المنظمات الحقوقية فرصة؛ لإعادة قراءة وتقييم المشهد الحقوقي وبدء حراك نحو تطويره.
ويرصد عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان دكتور إسماعيل عبد الرحمن في صحيفة الأهالي آلية الاستعراض وطريقة عمله، ليحتل الاستعراض مساحات أوسع عبر نشر التقارير التي أرسلتها منظمات المجتمع المدني ــ يلقبها مجلس حقوق الإنسان بأصحاب المصلحةــ ومن ثم تعليقاتها على التقرير الحكومي، وتعليقات “الحكوميين” على التعليقات.
الأسبوع الثاني.. متغيرات وبدائل
في بداية الأسبوع الأول من يناير رحل الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر، ورحل معه قرنــ ربماــ من السياسة الأمريكية التي تتسم بالبرجماتية المحضة، وصولا إلى “الندالة” أحياناً، الأمر الذي رصده الكاتب أسامة غريب في مقال ذي عنوان لافت “هل كان كارتر نذلًا”؟ يعيد من خلاله مساءلة السياسة الأمريكية في المنطقة قائلا:”الحقيقة أن الرؤساء الأمريكيين جميعًا أثناء الجلوس في المكتب البيضاوي يكونون في منتهى النذالة، فيما يخص الحقوق العربية، وبعد زوال السلطة نبدأ نسمع منهم كلامًا متزنًا به حكمة السنين وموضوعية، مَن لا يبغي من اللوبي الصهيوني شيئًا!.”
ويستشهد بموقف أمريكا من حليفها شاه إيران بعد سقوطه، وكيف “كان بعض الواهمين يتصورون، أن الولايات المتحدة التي قدم لها الرجل خدمات جليلة ستؤويه، وتمنحه اللجوء السياسي، لكن خاب أملهم، بعد أن تغلبت البراجماتية السياسية وتم رفض استضافته في أمريكا. والمفارقة العجيبة أن يكون للأمريكان هذا الموقف العملي البارد الذي يعتد فقط بالمصالح، بينما يقوم الرئيس السادات في حركة شهامة لا مبرر لها بالموافقة على استضافة الرجل بمصر!. وكانت الحجة أن الشاه وقف إلى جانبنا في السابق، ولا بد من رد الجميل له!. هذا، وقد فشل شعب مصر في التعرف على أي من الجمايل والأفضال التي كانت لهذ الرجل، والتي يبدو أنها كانت مشفّرة، فلم يلمسها أحد!”
الكاتب عبد الله السناوي توقف أيضا عند رحيل كارتر واصفا إياه بعراب كامب ديفيد، راصدا انقلابه على الإرث المر، عندما قال: “ما يحدث في فلسطين كارثة إنسانية وانتهاك لحقوق الإنسان بكافة أشكاله”. كان ذلك تصريحا مدويا في حينه (إبريل 2015) ومكانه (غزة)، التي زارها تضامنا مع محنة أهلها في الحصار المفروض عليها، باعتباره ناشطا دوليا في حقوق الإنسان، وفي تلك الزيارة اتهم إسرائيل أمام الكاميرات بـ«سرقة أموال الفلسطينيين”.
وشهد الأسبوع ذاته واقعة شديدة الدلالة على متغيرات المشهد، حيث طار الناشط والشاعر المصري التركي عبد الرحمن يوسف القرضاوي، نجل الداعية الذي استنجد يوما بأمريكا وحلف الناتو، أن يقفا “وقفة لله” ضد الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
طار عبد الرحمن إلى المسجد الأموي الذي مات والده، وهو يحلم، بأن يؤم مصليه كما فعل في الأزهر، ومن ساحته فتح هاتفه وصور فيديو، يمتدح فيه سيطرة الجماعات المسلحة المدعومة تركياً على دمشق و”بالمرة” يهاجم مصر والسعودية والإمارات، وفي طريق عودته اوقفته السلطات اللبنانية، كونه مطلوبا وفق مذكرة من مكتب “وزراء الداخلية العرب” قدمتها مصر التي حاكمته غيابيا، وقضت عليه بالسجن، وفي محبسه اكتشف أن هناك مذكرة أخرى إمارتية تطالب بتسليمه وفي ثلاثة أيام تقريبا، كان مجلس الوزراء اللبناني ناقش وقرر تسليمه للإمارات ووافقت الحكومة لتهبط طائرة خاصة إمارتية في مطار بيروت لتقله إلى أبوظبي، دونما اعتراض يذكر من الحكومة التركية التي يحمل جنسيتها.
وفي حين رأى الباحث هشام جعفر، أن القبض والترحيل لعبد الرحمن يوسف القرضاوي هدفه هو القضاء على كل ما تحمله لحظة هروب الأسد من دلالة، لاستعادة روح الربيع العربي في المنطقة، وأن سؤال التغيير في المنطقة لا يزال مطروحا، ولم يتقدم أحد لتقديم إجابة عليه، مؤكدا أن أول العاجزين هي الثورات المضادة.
في حين قال أستاذ العلوم السياسية الإماراتي والمقرب من السلطات د. عبد الخالق عبد الله أستاذ العلوم السياسية، إن الإمارات تسلمت عبد الرحمن يوسف القرضاوي المتهم بارتكاب أعمال من شأنها إثارة وتكدير الأمن العام في الإمارات التي أكدت، أنها تقف بحزم ضد كل من يستهدف أمنها واستقرارها، وأنها لن تتوانى عن ملاحقة المطلوبين، واتخاذ الإجراءات القضائية في حقهم، معتبرا أن عدم ممانعة جميع الأحزاب اللبنانية التسليم، دلالة أن لبنان بجميع طوائفه وأطيافه، يقدر ويحب الإمارات.
القيادي الإخواني المصري التركي أيضا عصام تليمة، كتب راصدا ما أسماه السعي الإماراتي الحثيث لاجتذاب القرضاوي الأب في إطار التنافس مع قطر، ثم الانقلاب في الموقف الإماراتي عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
قال تليمة: “في ظل التنافس المحموم بين الإمارات وقطر، كان التنافس على أشده من أبوظبي، لاحتضان القرضاوي ومشاريعه، فدعم مالي سخي لموقع إسلام أون لاين الذي يرأس مجلس إدارته القرضاوي، ثم رصدهم لوقف مالي كبير لمشروع يرعى الموهوبين، والذي قدمه القرضاوي، عندما منحوه جائزة الشخصية الإسلامية، ومشاريع أخرى، كل ذلك استرضاء له، وطلبا لكسبه كقوة ناعمة، ومحاولة ترك الدوحة للاستئثار به”.
في حين قدمت الإذاعة البريطانية “بي بي سي” تقريرا رصينا عن قانونية القبض على نجل القرضاوي، نقلت فيه عن قانونيين، أن القبض على عبد الرحمن سياسي وليس قانونيا.
الأسبوع الثالث.. اليوم التالي للحرب
الحدث الأهم، والذي اقتنص دوائر الضوء ومربعات الاهتمام في الصف التاني من يناير، كان الإعلان عن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، على أن يصبح ساريا ابتداءمن 19 يناير قبل تنصيب ترامب الذي اشترط “إغلاق الصفقة” قبل مراسم دخوله المكتب البيضاوي.
الكاتب حمدي رزق، اعتبر أن توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، يترجم ولادة غزة الجديدة من تحت الأنقاض، والأسطورة ستروي لاحقا، في سرديات غزة، مثلها مثل «طائر الفينيق»، حسبما يُسمى في «الميثولوجيا الإغريقية»، طائر عجيب يجدد نفسه ذاتيًا، يولد من رماد احتراق جسده..
وقال: “الاتفاق سيفجر المجتمع الإسرائيلي الهش من داخله، اتفاق بطعم الانتصار في غزة، نفسه اتفاق بطعم الخزي والعار فى تل أبيب. لم يحرر نتنياهو رهائنه بالسلاح، كما توعد، أطلقتهم غزة بواسطة مشروطة، والسلاح لا يزال في أيادي المقاومين، نتنياهو فشل في غزة، وسيحاسب تاليًا على الفشل مقرونا بالفساد..
بينما توقف الكاتب عبد الله عبد السلام، عند ضرورة المراجعات قائلا: “الدماء ما زالت ساخنة، والدمار هو العنوان الرئيس في غزة، إلا أنه من المهم جعل مراجعة ما جرى أولوية، بل فرض عين.
أعتقد أن كثيرين لن يختلفوا، على أن حركة النضال الفلسطينى تلقت ضربات ساحقة ومؤلمة خلال الخمسة عشر شهرًا الماضية. ابتعدت كثيرًا طموحات الحصول على الحقوق وإنهاء نظام الفصل العنصري، وتلاشت آمال قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. الحرب الدموية، الأطول منذ نكبة فلسطين ١٩٤٨، خلّفت حقائق جديدة على الأرض. تقريبًا انهار الأفق السياسي، ولم يعد الحديث عن المستقبل ممكنًا”.
جدلية الانتصار والهزيمة اجتذبت عددا كبيرا من الكتاب والمحللين، فكتب د. عمرو الشوبكي “بالمعيار التقليدي لمعارك النصر والهزيمة، يمكن القول، إن دولة الاحتلال انتصرت عسكريًّا، بعد أن فقدت أعدادًا محدودة من الجنود مقابل فقدان حماس أعدادًا مضاعفة من عناصرها، وإضعاف جانب كبير من قوتها العسكرية، ولكنها في نفس الوقت لم تحقق جانبًا رئيسيًّا من أهدافها من هذه الحرب، وهو تحرير رهائنها بالقوة المسلحة، وتدمير كل الأنفاق، إنما اضطرت أن تقبل بالتفاوض وبوقف إطلاق النار وبالإفراج عن أسرى فلسطينيين مقابل إطلاق سراح الدفعة الأولى من الرهائن الإسرائيليين”.
وأضاف: “والحقيقة أن وضع معيار مختلف للحكم على الانتصار أو الهزيمة في معارك التحرر الوطني، لا يرجع إلى محاولة التخفيف من آثار إضعاف القدرات العسكرية لحماس ولا الدمار الهائل الذي تعرض له قطاع غزة، ولا أعداد الشهداء والمصابين والأسر المنكوبة، إنما يعني التأكيد على أن الصراع سيظل باقيًا معنا، ما دام هناك الاحتلال جاثم على نفوس الفلسطينيين، وأن دورات المقاومة سواء كانت سلمية أو مسلحة ستستمر ما دام الاحتلال.
الأسبوع الثالث.. جدل التهجير ورهانات “الحليف الأمريكي”
بينما احتل الاستعراض الدوري الشامل مساحات واسعة من الاشتباك المجتمعي في مصر خلال يناير بالكامل، وبلغ ذروته في الأسبوع الأخير، كان اقتراح التهجير الترامبي هو مادة الاشتباك الأولى في الإقليم، خاصة مصر والأردن.
السفيرة منى مكرم عبيد، حذرت من تحول آلية الاستعراض الدوري الشامل إلى فخ قائلة: “ما أخشاه في جلسة المراجعة، فهو اعتماد المفوضية على تقارير منظمات غير حكومية مشبوهة، حيث عادة في جلسات المراجعة الدورية، يتم تقديم تقرير الحكومة من الدولة الخاضعة لآلية المراجعة، وتقرير من المجلس الوطني، (المجلس القومي لحقوق الإنسان)، وكذلك تقرير تعده المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ويضم توصيات منظمات حقوقية وجمعيات أهلية مستقلة، وهي نقطة الخلاف، حيث ظهرت كيانات غير معروفة تقدم تقارير، وتركز على ملفات بعينها؛ بهدف إحراج الحكومة، والحديث عن أرقام تخص معتقلين أو الاختفاء القسري، دون دليل أو معلومات واضحة، ومن ثَمَّ مطلوب من الحكومة الرد على مثل هذه النقاط، حتى ولو كانت غير دقيقة، من كيانات غير معروفة، لكنها بالنسبة للمفوضية السامية تُعد منظمات مستقلة ومعترفًا بها!”.
بينما كان للحقوقيين رأي آخر مختلف، عبر أغلبهم عنه من خلال التقارير والمنشورات على مواقع التواصل، ورصدت مصر360 مشهد المراجعة بشكل شامل في مواد عديدة، كان آخرها رصد مخرجات المراجعة من “توصيات وتحفظات وإشادات”.
أما قنبلة ترامب التي ألقاها ببساطة أثناء رحلة على الطائرة الرئاسية، والتي اعتبر فيها، أنه يمكن حل القضية/ الصفقة الفلسطينية بتهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، وربما دول عربية أخرى، فما زالت توابعها قائمة حتى اللحظة، وربما لأشهر عديدة قادمة.
اعتبر الكاتب خالد سيد أحمد، أن “إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على أن مصر والأردن سيستقبلان سكان غزة، رغم رفض البلدين الواضح والمعلن لخطة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، يؤشر إلى أن المنطقة مقبلة على انفجار هائل لا محالة، وربما تكون تداعياته أكثر حدة وقوة وقسوة، مما حدث عقب هجوم «طوفان الأقصى» العام قبل الماضي”.
اما الكاتب عبد الله عبد السلام، فيرى أن “الترحيل القسري للفلسطينيين من غزة، والذي يصر عليه ترامب، لا يقل خطورة ووحشية عن العدوان الإسرائيلي الهمجي على القطاع. الهدف واحد، تفريغ غزة من أبنائها والتمهيد لبناء المستوطنات فيها وإحلال المستوطنين من شذاذ الآفاق مكانهم”.
وكان الكاتب عبد اللطيف المناوي قاطعا، وهو يقول: “مصر لن تكون طرفًا في أي ترتيبات، تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية أو تغيير الواقع الديموغرافي للأراضي الفلسطينية. هذا الرفض لم يكن مجرد تصريح دبلوماسي، بل يعكس موقفًا راسخًا في السياسة المصرية، التي ظلت لعقود خط الدفاع الأول عن القضية الفلسطينية.”
ويحلل المشهد: “التهجير الجماعي للفلسطينيين، يعني فعليًا إنهاء حلم الدولة الفلسطينية، وهو ما يتناقض مع موقف مصر الداعم لحل الدولتين.
تلك العوامل ربما تجعل من مخطط التهجير فكرة غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع، حتى لو أصر ترامب على طرحها خلال هذه الفترة، أو في المستقبل”
الكاتب والمفكر السياسي زياد بهاء الدين، طرح تساؤلا عن كيفية التعامل مع عالم ترامب، ذلك العالم الذي يتسم بـ”خمسة ملامح رئيسية: (1) تجاهل قواعد القانون الدولي، و(2) العدول عن السياسات الداعمة للبيئة، و(3) التوجه لتطبيق سياسات اقتصادية تحقق مصالح أمريكية مباشرة، ولكن تضر بالاقتصاد العالمي، و(4) إغلاق باب الترحيب التاريخي بالمهاجرين، و(5) التراجع في مبدأ سيادة القانون واحترامه”.
ويقر بأن “ذا التراجع المذهل في قيم ومبادئ الليبرالية التي سادت العالم من منتصف القرن الماضي، وطرحت نفسها بديلًا وحيدًا للحوكمة والحكم، وسقوطها المدوي في اختبارات عديدة- أكبرها ما جرى لأهل غزة طوال العام الماضي، تحت مرأى ومسمع وبمشاركة العالم «المتحضر»- يضعنا أمام لحظة صدق ومواجهة لحقيقة معتقداتنا الفكرية والإنسانية.
ويحسم أمره قائلا: “من كان يريد الشكل التقليدي للديمقراطية الليبرالية، فهو في مأزق، أما من يبحث عن مضمونها، فإن قضيته لا تزال عادلة وأحلامه مشروعة وقابلة للتحقيق، ولكن تحتاج نماذج عملية جديدة أو مختلفة”.
ويرصد عماد الدين حسين “لاءات السيسي ضد تهجير الفلسطينيين”، قائلا إن “كل من كان داخل الاتحادية، وحينما استمع لكلام الرئيس شعر بالراحة، وحينما خرجت من القصر عائدا إلى «الشروق»، فإنني تلقيت العديد من الاتصالات من زملاء وأصدقاء بعضهم معارض تماما للحكومة، لكنهم قالوا لي: «للمرة الأولى منذ فترة طويلة هناك توافق جماعي من كل المصريين على موقف الرئيس الحاسم”.