كتبت- أميرة الطحاوي

طفل من قرية مصرية في العاشرة من عمره، أرسله أهله عبر الصحراء الغربية لدخول ليبيا “تهريب” على متن عربات “لوري”، وأحيانا في “صناديق” مع أشخاص لا يعرفهم من جنسيات مختلفة، بعضهم قصر وأطفال، يتعرضون للاختناق والدهس على مرأى منه.

 يهرب من حرس الحدود وعصابات النفوذ.. وأحيانا نيرانهم، ليقبع لأسابيع في مقر “تخزين”، تديره عصابات تهريب البشر “وتعذيبهم”، ثم يُلقى في مركب غير صالح للإبحار، حتى إذا ما نجا من الموت غرقا أو عطشا، في الرحلة المخيفة، يصل لإيطاليا، فتتولاه منظمات إنسانية، فيمكث هناك سنوات حتى يبلغ السن القانوني “للعمل”.

استنكار

الصبي الذي نقل الإعلام الإيطالي شهادته، وآخرين، أشار بإصبعه واثقا لصورة في صدر جريدة محلية للجنرال الليبي “أسامة نجيم” الملقب بالمصري، والذي تتهمه المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، واستخدام المهاجرين واللاجئين في أعمال أقرب “للعبودية” والاستغلال، والذي قُبض عليه في 19 يناير بناء على مذكرة اعتقال أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، حيث كان يقيم في فندق بمدينة تورينو ـ مقاطعة بييمونتي شمال إيطاليا، لحضور مباراة فريق يوفنتوس، لكن السلطات الأمنية الإيطالية أطلقت سراحه، وعاد إلى ليبيا وسط استنكار من الدوائر الحقوقية المحلية والدولية.

احتجاجات

يقول ع: “هذا هو الرجل الذي كان يتحكم في الموجودين، وقد تعرضت للضرب على يد رجاله..”

 وتنقل صحيفة Avvenire أو المستقبل عنه، أنه قبل 3 سنوات تحديدا كان في سجن معيتيقة سيئ السمعة، حيث يخرج الآلاف من المهاجرين واللاجئين القادمين من دول إفريقيا إلى أوروبا، والذي يوصف بأنه “جحيم على الأرض”.

وكان الجنرال الليبي يديره منذ عام 2015، إذ نسق وأمر ونفذ جرائم القتل والعنف الجنسي والتعذيب، بحسب الاتهامات الموجهة له.

شهادات

ذهبت الجريدة في الأيام الأخيرة، بعد انفجار القضية السياسية القضائية، للبحث في مراكز الاستقبال الإيطالية عن بعض المهاجرين الذين كانوا شهودًا مباشرين وضحايا لهذا التعذيب. وقابلوا م. الصبي المصري الذي يعيش منذ عام 2022 في ريدجو كالابريا، في دار استقبال يديره مجتمع البابا يوحنا الثالث والعشرين المخصص للقصر غير المصحوبين، الذين وصلوا بمفردهم لسواحل إيطاليا.

في دار الاستقبال، وحيث مطالعة الصحف هو جزء من الأنشطة المقترحة للأطفال، تعرف ع. على المتهم.

 “لقد كان هو الآمر هناك”، يقول بينما يشير إلى صورته مرة أخرى، “كان هو الذي يقرر متى؟ ومن؟ وكيف؟ وأين نتحرك؟… ما زلت أتذكر أسماء رجاله: أيوب، أسامة، أدباي، النمير”.

يضيف عن الأسابيع التي قضاها في مقر الاحتجاز بليبيا، “وضعونا داخل المستودعات. في يوم من الأيام، ضربوني أيضًا وضربوا صبيا آخر، يبلغ من العم 14 عاما تقريبا.. اعترض المهاجرون الآخرون: لقد استيقظوا للدفاع عنا؛ لأننا كنا صغارًا جدًا. ثم بدأ المهربون في إطلاق النار في الهواء بالمدافع الرشاشة، حتى يصمت الجميع”.

“في سن العاشرة، غادرت مصر مع أربعة أولاد آخرين أكبر قليلاً”. تاركا والده، الذي ظل في المنزل مع زوجته وابنه الأصغر، وبوساطة من أحد الجيران، قام بدفع قسط من “تكاليف” الرحلة إلى المهربين.

يذكر الفتى، أنهم تعرضوا للضرب أيضا بالعصيان فور نزولهم من الشاحنات لشاطئ في ليبيا من قبل مصري هذه المرة، اسمه “عبد الناصر”، ثم صعد م. على متن قارب مع مئات من المهاجرين الآخرين. لم يأكل لمدة يومين، أوقف خفر السواحل القارب عند لامبيدوسا، وانتقل الصبي لاحقا لشمال البلاد. يمضي وقته في أنشطة مختلفة منها اللعب مع الحيوانات، يقول إنه ذلك يذكره بعمل والده في مصر الذي يتضمن تربية ورعاية الماشية.

تنقل الصحيفة شهادات من أطفال وقصر من إريتريا وغينيا، يستعرضون فظائع وقعت بحقهم وضغط نفسي على أسرهم لطلب مزيد من الأموال لوقف التعذيب.

ونجيم مسئول نافذ فيما يسمى “جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة”، ومقره العاصمة طرابلس، وهو متهم بالقتل غير المشروع، والإخفاء القسري، وقد أدانت منظمة العفو الدولية مؤخرا إفلات نجيم ومساعديه من العدالة، وما حدث من دمج لبقية أعضاء وقادة قوة جهاز الردع “، من قبل السلطات الليبية المتعاقبة في مؤسسات الدولة، وتسليمهم مناصب رفيعة المستوى، وخصصت لهم رواتب من الدولة، مما شجّعهم على ارتكاب المزيد من الانتهاكات وترسيخ الإفلات من العقاب.”

 من ناحيته، قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني مساء الأربعاء إن حكومته خرجت أقوى عقب طلب الإحاطة من وزيري العدل كارلو نورديو والداخلية ماتيو بيانتيدوزي للبرلمان حول ملابسات إطلاق سراح نجيم. فيما اتهمت الحكومة الإيطالية، اليوم الأربعاء، المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب أخطاء في مذكرة توقيف بحق رئيس الشرطة القضائية الليبية أسامة المصري نجيم، أجبرتها على إطلاقه وترحيله، وهو ما أدى إلى رفع شكوى ضد رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني أمام محكمة متخصّصة.

وادعت حكومة جورجيا ميلوني، أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرة توقيف “ناقصة” بحق أسامة نجيم.

ومنذ عقد ونصف تقريبا، يخرج من مصر أعداد متزايدة من الأطفال والقصر غير المصحوبين بذويهم أو المنفصلين عنهم القادمين إلى إيطاليا عن طريق البحر الأبيض المتوسط، قادمين من ليبيا، وحسب تقديرات اليونيسف، يموت 11 طفلاً كل أسبوع أثناء سعيهم للهجرة بحرا. لا تصدر حكومة مصر بيانات رسمية وتحديثات دورية حول أعداد مواطنيها من “الأطفال” الذين دُفعوا ليسلكوا هذا المسار، من مات ومن بقي حيا.