تضع وزارة المالية حاليا الرتوش الأخيرة على مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد 2025 /2026؛ تمهيدًا لتقديمه لمجلس النواب أول مارس المقبل لمناقشته وإقراره قبل الأول من يوليو المقبل وسط تحديات كبيرة، فيما يتعلق بالتمويل والعجز ووضع الدين العام على مستوى هبوطي.
يمثل ملف الدين العام أحد التحديات الاساسية للموازنة الجديدة، خاصة أن إعدادها يتزامن مع إعداد الحكومة استراتيجية خفض الدين العام لمصر في المدى المتوسط من المفترض إعلانها خلال الربع الأول من العام الحالي (يناير ـ مارس 2025).
وتستهدف وزارة المالية، خلال العام المالي الحالي الذي ينتهي في يونيو المقبل، خفض نسبة الدين إلى 85% من الناتج المحلي الإجمالي، على أن يصل لأقل من 81% من إجمالي الناتج المحلي خلال العام المالي بعد المقبل 2026/2027.
استراتيجية الدين العام.. هل تصل لمستقبل مستدام؟
![وزير المالية أحمد كجوك](https://masr360.net/wp-content/uploads/2025/02/وزير-المالية-أحمد-كجوك.jpg)
تستهدف وزارة المالية تطبيق استراتيجية متكاملة لخفض الحد من المكون الخارجي في الدين العام على المدى المتوسط، وحتى 2030 (المكون الخارجي يقصد به الدين الخارجي، فالدين العام يتكون من دين محلي ودين خارجي)، ويستمر ذلك البرنامج لمدة 3 سنوات خلال الفترة (2024- 2027) تحت شعار “معا نبني مستقبلا مستداما” رؤية متكاملة في مقدمتها، ويتضمن وضع حد أدنى للإيرادات الضريبية وحد أقصى لإجمالي دين قطاع الموازنة.
بحسب بيانات الوزارة تراجع الدين الخارجي لأجهزة الموازنة بأكثر من 3 مليارات دولار في العام المالي الماضي (نهاية يونيو 2024)، وتستهدف الوزارة خفضه بنحو 2 مليار دولار بنهاية العام المالي الحالي (يونيو 2025)، ووفقا لوزير المالية أحمد كجوك، فإن إجمالي الدين الخارجي على أجهزة الموازنة تراجع من ٨٢ مليار دولار إلى ٧٩ مليار دولار.
يقول مسئول بالمالية، إن الوزارة وضعت حدا أقصى لإجمالي دين قطاع الموازنة لضمان عدم تجاوز مستويات الديون حدوداً غير مستدامة، مما يساهم في الحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي، عبر توجيه الفائض الأولي (الفرق بين إيرادات ومصروفات الموازنة) واستخدام جزء من حصيلة التخارج وبرنامج الطروحات الحكومية لزيادة إيرادات الموازنة لخفض حجم الاقتراض الحكومي.
كيف يمكن تحقيق التمويل؟
تراهن وزارة المالية على برنامج الطروحات الحكومية لتحقيق 20- 25 مليار جنيه سنويًا للخزينة العامة من عائدات التخارج خلال الأعوام المقبلة، وتستهدف الحكومة طرح 10 شركات أمام القطاع الخاص في العام الحالي.
أطلقت الحكومة في الربع الأول من 2023، برنامجاً لطرح حصص في 40 شركة وبنكاً موزعة على 18 قطاعاً حتى مارس 2024، وجرى تمديده إلى ديسمبر 2024، وتستهدف عوائد تبلغ 6.5 مليارات دولار من البرنامج بنهاية العام المالي الحالي.
وقال المسئول بالمالية، إن الحكومة تستهدف بلوغ إجمالي سقف الدين لأجهزة الموازنة العامة للدولة 15.1 تريليون جنيه بنسبة 88.2% من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2024/2025، بعد إقرار قانون المالية العامة الموحد مقارنة بـ 96% من العام المالي المنتهي في 30 يونيو 2023 و90% في 30 يونيو 2024.
ووضعت المالية سقفًا لدين أجهزة الحكومة العامة (الموازنة العامة + الهيئات الاقتصادية) بلغ نحو 16.4 تريليونا من الجنيهات، بعد إضافة جميع ديون 59 هيئة اقتصادية، وذلك بنسبة 96.4% للناتج المحلي.
كما وضعت خطة لخفض فاتورة خدمة دين أجهزة الموازنة ليصل إلى (42.6%) من المصروفات العامة في عام 2026 /2027، وذلك ضمن استراتيجية متكاملة لوضع معدل الدين في مسار نزولي، بعدما أظهر أداء الموازنة العامة الحالية 2024ــ 2025 استمرار تأثير فوائد الديون التي مثلت 53% من إجمالي مصروفات الخزانة العامة في 4 أشهر.
على جانب الإيرادات، تسعى الوزارة لزيادة الإيرادات الضريبية عبر تبسيط الإجراءات واستمرار جهود الميكنة، ووضع منظومة جيدة لإدارة الضرائب للحد من التهرب الضريبي، والاســتمرار فــي توســيع القاعــدة الضريبيــة مــن خــلال زيــادة معــدلات الحصــر والتركيــز علــى ضــم الاقتصــاد غيــر الرســمي، وإنشاء مكاتـب تحصيـل ضريبـي متخصصـة للتعامـل مـع كبـار وصغـار المموليـن وبعـض الأنشـطة الأخـرى كل علـى حـدة.
بلغت إيرادات مصر الضريبية 1.48 تريليون جنيه خلال العام المالي الماضي 2023/ 2024، مقابل 1.139 تريليون جنيه في العام المالي السابق له بمعدل نمو 30%، ومن المتوقع ارتفاع الحصيلة إلى 1.8 تريليون جنيه بنهاية العام المالي الحالي.
وأعلنت وزارة المالية عن تجهيز حزمة تسهيلات ضريبية ومُحفّزات لجذب الاستثمارات، كما تعد حزمة أخرى في مجال التسهيلات الجمركية والضرائب العقارية، وهدفها جذب القطاع غير الرسمي للاندماج خاصة العاملين بمجال التسويق والتجارة الإلكترونية.
![مصلحة الضرائب المصرية](https://masr360.net/wp-content/uploads/2025/02/مصلحة-الضرائب-المصرية.jpg)
في الوقت ذاته ساهمت المنظومة الرقمية التي تبنتها مصلحة الضرائب عبر الفاتورة والإيصال الإلكتروني في ضبط قضايا التهرب، وكشف حجم أعمال ضريبية غير مُعلن عنها لأنشطة وأفراد، كانوا يمارسون أنشطة اقتصادية غير مسجلة، مما أدى إلى توسيع قاعدة الممولين واسترجاع فاقد بلغ 11.5 مليار جنيه، وهو رقم قابل للزيادة.
مسار تقشفي في الموازنة الجديدة
لضبط ملف الدين تسعى وزارة المالية لتقليص النفقات في الموازنة الجديدة، بتعليمات بترشيد نفقات الهيئات الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال العام، خاصة في العناصر غير المرتبطة بالإنتاج، بجانب الالتزام بالشراء من الإنتاج المحلي، وترشيد استهلاك الكهرباء والمياه، والاستفادة من المخزون الراكد.
تضمنت الإجراءات أيضًا ضبط ملف الأجور والتعيينات بحظر إجراء أية تعاقدات جديدة في ضوء أحكام قانون الخدمة المدنية، إلا في حالات الضرورة وبموافقة رئيس مجلس الوزراء لمدة لا تجاوز ثلاث سنوات، وعدم إجراء تعاقدات تحت أي بند من بنود الموازنة العامة للدولة أو الحاق أي عمالة تحت أي مسمى، أيًا كان مصدر تمويلها، إلا بعد دراسة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، ووزارة المالية وموافقة رئيس مجلس الوزراء.
يقول فخري الفقي، مساعد مدير تنفيذي سابق بصندوق النقد الدولي، إن اســتراتيجية إدارة الديــن العــام اجتازت عــددا مــن الاختبــارات الصعبــة، ومنهــا الإصلاحات الاقتصاديــة وأهمهــا تحريــر ســعر صـرف الجنيـه المصـري، ومـا ترتـب عليـه مـن آثـار تضخيــم الأرقــام المطلقــة للعجــز فــي الموازنــة.
وتراهن وزارة المالية في العام المالي الجديد على تراجع الفائدة المصرفية، فمن المتوقع أن يخفض المركزي الفائدة من 3 إلى 6% في العام الحالي، وهو أمر من شأنه تقليل تكلفة التمويل على الموازنة فكل تقليل 1% خفضًا بسعر الفائدة، يقلل العبء على الموازنة للدولة بين 30 إلى 32 مليار جنيه عبء دين.
ويقول الفقي، إن استراتيجية الدين تجاوزت الحاجــة إلــى مــلء الفجــوة التمويليــة التــي مــن المتوقــع انخفاضهــا تدريجيــا فــي الأجــل المتوسـط، مـع إمكانيـة تمويلهـا بدرجـة أكبـر من خـلال جــذب المزيــد مــن الاســتثمارات الأجنبيــة وبدرجـة أقـل مـن الاقتـراض الخارجـي فـي الأجـل المتوســط.
ووفقا للفقي، فإن الاستراتيجية تجاوزت ارتفــاع الاســتهلاك الكلــي الخــاص والعــام علـى حسـاب الادخـار المحلـي كنسـبة مـن الناتـج المحلـي الإجمالـي؛ بسـبب ارتفـاع معـدلات النمـو الســكاني التــي تبلــغ أربعــة أمثــال المتوســط العالمــي لنمــو الســكان.
التعامل مع الأسباب
لكن الخبير الاقتصادي هاني توفيق يقول، إن الحل لأزمة زيادة الدين العام بمصر يتم من خلال إجراء إصلاحات اقتصادية هيكلية، والتعامل مع الأسباب وليس النتيجة.
وقال توفيق، في تدوينة على حسابه بموقع الفيسبوك، إن الدين العام زاد ٨٠٠ مليار جنيه خلال ٣ أشهر فقط، معظمها لسداد ديون استحقت، لنصدر ديونًا جديدة كبديل لها، ويقفز الرقم إلى تريليون جنيه الثلاثة أشهر القادمة (المالية تصدر ديون جديدة لسداد ديون قديمة).