كتبت- دعاء عبد المنعم
خمسة أعوام من الحبس الاحتياطي، قضاها الصحفيون الثلاثة، أحمد أبو زيد، وعبد الله شوشة ومصطفى الخطيب، بينما احتفظ الصحفي عبد الرحمن فراج والناشط السياسي محمد عادل بالرقم القياسي، البالغ خمس سنوات كاملة في الحبس الاحتياطي، الأمر الذي لا يمكن وصفه، إلا بأنه انتهاك لحق الخمسة في “الأمان الشخصي”، وهو الحق الذي كفله الدستور وصانته القوانين المختلفة.
و”مصر 360″ تنشر هذا التقرير كجزء لا يتجزأ من تقرير مركز التنمية والدعم والإعلام “دام” السنوي لعام 2024 لحالة حقوق الإنسان في مصر، وكيفية تعامل أجهزة الدولة مع هذه الحقوق.
لقراءة التقرير كاملا:
فالحبس الاحتياطي على قسوته، ليس هو الصورة الوحيدة لانتهاك “الحق في الأمان الشخصي”، فهناك “التدوير” أو “التناوب” بالمصطلح القانوني، ويقصد به اتهام المحبوس احتياطيا بتهم جديدة قبل انتهاء مدة حبسه احتياطيا، لضمان بقائه محبوساً.
أما الصورة الأشد قسوة ورعبا، فهي بالتأكيد “الاختفاء القسري“، حيث لا يعرض المتهم على النيابة، ولا تعرف أسرته مكان احتجازه، فقط يبتلعه الظلام.
“الحق في الأمان الشخصي”.. بين الدستور وواقع الحال
بينما كفل الدستور المصري في مادتيه 54 و55 حق كل مواطن في الأمان الشخصي، ورسم الملامح القانونية لمشهد تقييد الحرية، يبدو الواقع مختلفا بشدة.
فقد نصت المادة 54 على أنه “لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد، إلا بأمر قضائي مسبب، يستلزمه التحقيق. ويجب أن يُبلغ فوراً كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويُمكن من الاتصال بذويه وبمحاميه فوراً، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته.
ولا يبدأ التحقيق معه إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محام، نُدب له محام، مع توفير المساعدة اللازمة لذوي الإعاقة، وفقاً للإجراءات المقررة في القانون. ولكل من تقيد حريته، ولغيره، حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء، والفصل فيه خلال أسبوع من ذلك الإجراء، وإلا وجب الإفراج عنه فوراً”.
بينما تنص المادة 55 على أن كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنياً أو معنوياً، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانياً وصحياً، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة. ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقاً للقانون. وللمتهم حق الصمت. وكل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شيء مما تقدم، أو التهديد بشيء منه، يهدر ولا يعول عليه.
وبقدر رقي النصوص، يبدو الواقع مختلفا، خاصة حين تسمع الحكايات على لسان أصحابها، ممن عانوا غياب الأمان وانتقاص الحقوق، من المحبوسين احتياطيا لسنوات، أو من أسر المختفين قسريا، أو ممن عانوا، ولا زالوا يعانون “التدوير المستمر” لسنوات وسنوات.
تروي ميرنا ابنة الصحفي حمدي الزعيم، المحبوس احتياطيا من سنوات، كيف تم القبض عليه، وهي طالبة تستعد لامتحانات الثانوية العامة، وكيف مرت الأيام والشهور والسنوات، التحقت بكلية الحقوق، تخرجت، والتحقت بالدراسات العليا، ولم تعد تزوره في محبسه بصفته ابنته، بل باتت محاميته التي تحمل توكيلا رسميا منه، وتدافع عنه في كل جلسة تجديد.
تقول ميرنا: “قابلته خلال إحدى جلسات المحكمة لتجديد الحبس، بعدما أنهيت دراسة الحقوق في الجامعة، ووقفت أمامه لأول مرة بزي المحاماة الأسود”.
تضيف: “كانت تلك المرة الأولى التي يراني فيها مرتدية زي المحاماة، فعبّر عن فرحه الشديد، وأكد لي، أنه فخور بي، وأنه يقف إلى جانبي بقلبه، حتى وإن كان جسده بعيدًا”.
ربما كانت حالة أسرة الناشط السياسي، والبرلماني السابق “مصطفى النجار” أصعب كثيرا.
تقول زوجته شيماء: “انقطع التواصل معه، بعدما أبلغني، أنه في مدينة أسوان جنوبي مصر، قبل أيام من جلسة محاكمته مع آخرين بتهمة إهانة القضاء في سبتمبر عام 2018”.
وتضيف: “بعد أيام، تلقيت مكالمة هاتفية من شخص مجهول على هاتف المنزل، يفيد أن مصطفى قد ألقي القبض عليه”.
أما صدمة التدوير فقد تلقاها المرشح الرئاسي السابق دكتور عبد المنعم أبو الفتوح، حيث تم إبلاغه بإحالته للتحقيق في قضية جديدة، تتعلق بقيادة جماعة إرهابية وتمويلها من داخل السجن، وبالتالي، تحرمه من الخروج من السجن، عندما تنتهي محكوميته الحالية في 2033!
أرقام.. وتوصيات دولية
لا توجد إحصائيات دقيقة بعدد من تعرضوا لأي من أشكال الحرمان من الحق في الأمان الشخصي، لكن منظمة العفو الدولية قالت ــ على سبيل المثال ــ إن قوات الأمن احتجزت 119 شخصًا تعسفًيا، من بينهم سبع نساء، وطفل على الأقل في مختلف محافظات مصر على خلفية دعوات “ثورة الكرامة” التي انطلقت على الإنترنت في يوليو الماضي، عقب تفاقم أزمة انقطاع التيار الكهربائي.
وهناك نماذج عديدة لم تفرق الانتهاكات فيها بين سياسي مخضرم، بلغ السبعين من عمره كيحيى حسين عبد الهادي، أو باحث مرموق في مجال الاقتصاد، أو مقاول أو صحفي، أو حتى رسام كاريكاتير، يحترف صناعة البهجة.
الظاهرة بطيفها متعدد الدرجات، كانت مثار اهتمام أثناء مراجعة سجل مصر الحقوقي في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ضمن آلية الاستعراض الدوري الشامل.
فأوصت جامبيا وغانا والمكسيك ومنغوليا وكوريا الجنوبية وكوت ديفوار وجنوب السودان وفرنسا والجزائر وكرواتيا، بقبول مصر التصديق على الاتفاقية الدولية؛ لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
بينما أشارت المغرب وبريطانيا إلى تكثيف الجهود لتعديل قانون الإجراءات الجنائية، مما يؤدى إلى تعزيز البدائل للاحتجاز السابق للمحاكمة، وإنهاء تناوب حبس الاحتياطي، بينما حثت نيوزيلندا على الإفراج عن جميع المعتقلين؛ بسبب ممارستهم السليمة لحقوقهم في حرية تكوين الجمعيات أو حقهم في حرية التعبير والمعتقلين فقط؛ بسبب ارتباطهم الفعلي بالأحزاب أو الجماعات السياسية.
ورأت كل من النرويج وكندا ضمان الحماية الكافية للمدافعين عن حقوق الإنسان، بما ذلك الامتناع عن الاعتقالات بموجب تشريعات مكافحة الإرهاب، وأوصت إسبانيا والنمسا بإنشاء آليات المساءلة عن حالات الاختفاء القسري الناتجة عن أفعال غير قانونية من جانب قوات الأمن.
وبالنسبة إلى الأشخاص المحتجزين في الحبس الاحتياطي التي تجاوزت الحد القانوني المحدد لعامين على ذمة التحقيقات، طلبت سويسرا وبلغاريا الإفراج عنهم وضمان امتثال قانون الإجراءات الجنائية للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ورأت زامبيا ضمان عدم احتجاز أي محتجز، دون تهمة وتقليص الحد الأقصى لمدة الاحتجاز السابق للمحاكمة إلى 48 ساعة، وطالبت كوستاريكا بالإفراج عن جميع السجناء المدانين الذين قضوا عقوبتهم بالفعل، وأشارت أستراليا إلى ضمان الامتثال لجميع القوانين والإجراءات القضائية وممارسات الاحتجاز قبل المحكمة لحقوق الإجراءات القانونية الواجبة المنصوص عليها في العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وفي المادتين 54 و55 من الدستور المصري.
وفيما يتعلق بسياسة تدوير القضايا، أوصت بلجيكا بضمان الاحترام الكامل لضمانات المحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة لجميع المتهمين، وتقييد الاستخدام المفرط للاحتجاز السابق للمحاكمة ووضع حد لممارسة تدوير القضايا والاحتجاز، بينما أشارت ألمانيا إلى إنهاء الاستخدام المفرط للاحتجاز السابق للمحاكمة والممارسة غير القانونية لإعادة فتح القضايا بشكل تعسفي.
ودعت كندا إلى زيادة استخدام التدابير البديلة لضمان احترام الحد الأقصى القانوني للاحتجاز السابق للمحاكمة، ورأت كولومبيا، أنه ينبغي على مصر اعتماد تعريف للاختفاء القسري وتجريم الاختفاء القسري، وأوصت فنلندا بضمان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، وخاصة رفع أي تجميد للأصول وحظر السفر والإفراج عن المعتقلين تعسفيًا، بينما طلبت ألمانيا التوقف عن تقييد وتجريم عمل المدافعين عن حقوق الإنسان والسياسيين المعارضين وممثلي المجتمع المدني والإفراج عن جميع السجناء السياسيين.