كتبت- إيمان رشدي
ربما تكون الحالة الصحية المتدهورة للمدونة والمترجمة مروة عرفة؛ بسبب معانتها لأشهر من نزيف دموي مستمر، ليست بالقدر الكافي لإنهاء معانتها من الحبس الاحتياطي، والذي استغرق أكثر من أربع سنوات، بالمخالفة لمدد الحبس الاحتياطي المقررة بموجب المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية المصري الذي جعل الحد الأقصى له عامين.
في الثاني من يناير 2025، قررت نيابة أمن الدولة العليا إحالتها إلى المحاكمة الجنائية على ذمة القضية رقم 570 لسنة 2020 حصر أمن الدولة العليا بتهم نشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية.
حالات متكررة للحبس بنفس التهم، كانت دافعا للإعلامية رشا قنديل في إطار مداخلتها في فعالية- شهادات من عائلات الضحايا والمدافعين عن حقوق الإنسان- والتي أقيمت ضمن المراجعة الدورية الشاملة لملف حقوق الإنسان في مصر، لتصف الوضع، بأنه “مدد لا نهائية وعلى ذمم قضايا واهية، تضيع أعمار أفضل نخب جيلنا”.
وتصدر “مصر 360” هذا التقرير كجزء لا يتجزأ من تقرير مركز التنمية والدعم والإعلام “دام” السنوي لعام 2024 لحالة حقوق الإنسان في مصر، وكيفية تعامل أجهزة الدولة مع هذه الحقوق.
لقراءة التقرير كاملا:
متهمو اللافتة.. والـ”بوستات”
لافتة تحمل تعليقات تضامنيه مع فلسطين، حملها ستة شباب أعلى أحد الكباري بمحافظة الإسكندرية، كانت كفيله، بأن توجه لهم تهم الانضمام لجماعة إرهابيّة، ونشر بيانات كاذبة، والاشتراك في تجمهر.
كلفتهم اللافتة قضاء تسعة أشهر من الحبس الاحتياطي على ذمة قضية، اشتهرت إعلاميا بـ”بنر فلسطين”.
وبالتزامن وقف 19 شخصا، أغلبهن باحثات ومحاميات وصحافيات وطالبات أمام المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، من أجل التضامن مع نساء فلسطين والسودان، وطالبن بوقف حرب الإبادة الدائرة في غزة والسودان، ليجدوا انفسهم متهمين على ذمة القضية 1567 لسنة 2024.
بوقفة احتجاجية أو عبر تدوينات مكتوبة أو مسموعة أو مرئية، أو حتى تعليقات ساخرة على الإنترنت، تستمر ملاحقات حرية الرأي والتعبير عبر إلصاق تهم نشر أخبار كاذبة وتكدير السلم، كذلك الانضمام لجماعة إرهابية التي تنسب إلى الصحفيين وغيرهم.
للحريات الرقمية… نصيبها من التقييد
تستمر السلطات في تقييد الحريات الرقمية التي باتت جزءا لا ينفصل عن الحريات الشخصية والمدنية المكفولة بموجب القوانين والدساتير، وغيرها من أشكال الرقابة على الإنترنت واتباع سياسات الحجب لمواقع مصرية محلية وأخرى عربية، فمنذ عام 2017، جرى حجب العديد من المواقع الإلكترونية لصحف مستقلة ومنظمات حقوقية، دون أسباب معلنة، أو حتى معرفة الجهة التي قامت بالحجب.
فبلغ إجمالي عدد المواقع والروابط المحجوبة في مصر 562 موقعًا، منها ما لا يقل عن 132 موقعا صحفيا، بحسب التقرير السنوي لمنظمة “فريدوم هاوس” عن عام 2024،إ ضافة لأشكال أخرى من القمع الرقمي سبق، وتناولتها مصر 360 في تقرير مفصل.
اقرا: الحكومة والبرلمان وميتا… ثلاثي صناعة القهر في “الفضاء الرقمي“
تصنيف متراجع ونصوص لم تخرج إلى حيز التطبيق
حصدت مصر المركز 170 في تصنيف مؤشر حرية الصحافة لعام 2024، والذي تصدره منظمة “مراسلون بلا حدود” ،ويقيم حالة حرية الصحافة في 180 دولة ومنطقة سنوياً، وهو ما يعد تراجعا في الترتيب عن عام 2023، والذي سجلت فيه مصر الترتيب رقم 166.
نص الدستور المصري 2014، على كفالة حرية الصحافة والإعلام، والتي هي جزء من حق أوسع، يشمل حرية الرأي والتعبير التي تعتبر حق أصيل، يشمل حزمة من الحريات، تأتي حرية الصحافة والإعلام في مقدمتها، تليها حرية تداول المعلومات وحرية الإبداع، والحريات الرقمية والحق في التجمع السلمي.
جميعها تشكل حقوقا، أكدت عليها المواثيق والإعلانات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، من بينها الإعلان العالمي لحقوق الانسان في مادته رقم 19، وفي وقت لاحق تمت حماية هذه الحقوق قانونياً بمجموعة من المعاهدات الدولية والإقليمية.
فيما نصت المادة الخامسة والستين من الدستور، على أن “حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول والكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر”.
ولكن على ما يبدو، أنها مجرد نصوص شكلية لم تخرج الي حيز التطبيق، وهو ما تشير الية الأعداد المتزايدة، ممن يواجهون عقوبات بالسجن على خلفية قضايا الرأي والتعبير.
من جهتها، أصدرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات تقريرا بعنوان منبر حرية الصحافة والإعلام، شمل حصادا لأبرز الانتهاكات التي شهدها الواقع الصحفي والإعلامي علي مدار شهر يناير 2025، بل والتضييق الذي واجة كافة العاملين بالمجال سواء كانوا نقابيين أو غير نقابيين.
شمل الإصدار أوضاع اثني عشر شخصا، ممن استخدموا حرية الرأي وسيلة للتعبير عن أرائهم.
لا يتوقف الانتهاك على تجاوز مدد الحبس الاحتياطي المقررة بموجب القانون فقط، بل شملت أوجه أخرى كاستغراق قرارات الإحالة للمحاكمات مدد كبيرة.
حيث تولت نيابة أمن الدولة العليا التحقيق في معظم قضايا الرأي خلال 2024، والأسابيع الأولى من 2025، والبالغ عددها 130 قضية، 95 منها تمت إحالتها خلال 2024، و35 قضية أحيلت منذ بداية العام الحالي.
وهو ما يكشف عن تفاوت ملحوظ بين بدء التحقيقات في القضية وإحالتها للمحاكمة، حيث تم إحالة 43 قضية للمحاكمة بعد فترة، تراوحت بين يوم وعامين من بدء التحقيق فيها، و78 قضية أحيلت للمحاكمة بعد فترة تحقيق استمرت من 3 إلى 5 سنوات، وأخيرا 9 قضايا أحيلت بعد أكثر من 5 سنوات من فتحها.
القضايا المحالة تلك شملت عددًا كبيرًا من الحقوقيين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، حيث يواجهون اتهامات تتعلق بالانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، معظمهم ما زال رهن الحبس الاحتياطي، بينما حصل البعض على إخلاء سبيل بعد سنوات طويلة من الاحتجاز.
تشمل قائمة القضايا، قضية الصحفي كريم إبراهيم، والمصور التلفزيوني كريم سالم، والمصور الصحفي حمدي الزعيم.
كذلك قضية الباحث بالمفوضية المصرية إبراهيم عز الدين، التي أحيلت للمحاكمة بعد الإفراج عنه، وكذلك المحامي الحقوقي إبراهيم متولي المحتجز منذ عدة سنوات.
وأصدرت مؤسسة المرصد المصري للصحافة والإعلام، تقريرا حول تطورات أوضاع الصحفيين المحبوسين خلال عام 2024، ومحاكمتهم في 52 ورقة؛ بهدف تقديم عرض تفصيلي وتوثيقًا لقضايا الصحفيين، المُلقى القبض عليهم.
غطى التقرير أوضاع 29 صحفيا متهمين في عدد 19 قضية، شمل كذلك انتهاكات ومخالفات قانونية، تعرض لها هؤلاء الصحفيون أثناء المحاكمات، ناهيك عن استمرار وضع عشرة صحفيين تحت مظلة الحبس الاحتياطي.
تنوعت الاتهامات الموجة لهؤلاء الصحفيين، والتي كان أبرزها الانضمام الي جماعة إرهابية ونشر أخبار وبيانات كاذبة وإساءة استخدام شبكة المعلومات الدولية إضافة إلى اتهام التظاهر دون إخطار الجهات المعنية وارتكاب جريمة من جرائم التمويل، وإنشاء وإدارة موقع دون ترخيص مع الأخذ في الاعتبار، أن زيادة أعداد الاتهامات ترجع لتوجيه أكثر من اتهام للصحفي الواحد.
توصيات.. دون جدوى
في ظل تلك الاعداد المتزايدة، أعلنت الأمانة العامة لمؤتمر الصحافة المصرية التوصيات الأولية الصادرة عن المؤتمر بعد انتهاء فعالياته التي استغرقت ثلاثة أيام– 13 /14 /15- ديسمبر.
بضرورة الإفراج عن جميع الصحفيين المحبوسين وتبييض السجون من المحبوسين في قضايا النشر والرأي والتعبير، لا سيما من جاوزوا الحد الأقصى للحبس الاحتياطي.
من الجهة الأخرى، فرضت مزيدا من القيود على حرية التعبير من خلال بنية قانونية مقيدة لحرية الري والتعبير التي كفلها الدستور، بل والتعديلات التي أدخلت خلال السنوات الماضية.
تطور السياق التشريعي لجرائم حرية الرأي والتعبير…
في الوقت الذي يوفر فيه القانون الدولي الحماية لحرية التعبير أو حرية الكلام بشكل أدق، ثمة حالات يجوز فيها تقييد حرية الكلام بشكل مشروع بموجب القانون الوطني نفسه، تحت مسميات المحافظة على النظام العام أو مكافحة الإرهاب.
تهمة نشر أخبار وبيانات كاذبة هي الأبرز من بين التهم التي تأتي في سياق التعبير عن الرأي، فتكبيل وتقييد هذا الحق يتم عبر سن القوانين .
أربع مواد شملهم قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 المعدل بالقانون 141 لسنة 2021، (102 مكرر، 80 د، 80 ج، 188).
يلحقه قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 المعدل بالقانون 15 لسنة 2020 في مادته رقم 35.
وقانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018 بالمادة التاسعة عشر، ثم قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 بالمادة الخامسة والعشرين.
انتهاء بأحدث ما أقر في البرلمان المصري في هذا الصدد، والتي أثارت جدلا واسعا، ألا وهي المادة 79 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية.
أتاحت مراقبة وسائل التواصل والهواتف المحمولة والبريد الإلكتروني فلنيابة العامة بعد الحصول على إذن مسبب من القاضي الجزئي، سلطة إصدار أوامر ضبط أو مراقبة أو الاطلاع على وسائل التواصل المختلفة، ومن بينها الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو البريد الإلكتروني أو الهواتف المحمولة، بشرط أن تكون مدة الإذن 30 يوما، كحد أقصى مع إمكانية التجديد لمدة أو مدد مماثلة.
فيما حصدت حرية الرأي والتعبير قدرا غير مسبوق من بين 370 توصية من توصيات جلسة الاستعراض الدوري الشامل لملف مصر الحقوقي، والتي عقدت في الثامن والعشرين من يناير الماضي بجنيف.
أكدت الدول في مداخلاتها أثناء جلسة الاستعراض على أهمية التزام مصر بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، مشددة على أن تحسين الوضع الحقوقي يعد ضرورة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
وكجزء من الواقع الحقوقي، تعتبر عملية تعزيز وحماية حرية التعبير وتهيئة بيئة آمنة ومأمونة للدفاع عن حقوق الإنسان والنشطاء المدنيين والصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام على قمة الحريات الأساسية.
جاء مجمل توصيات حرية الرأي والتعبير بواقع 13 توصية من قبل 137 دولة.
لاتفيا ونيوزيلاندا والنرويج ونيجيريا من بين الدول التي اهتمت، بأن تشمل توصياتها حرية الرأي والتعبير، فأوصت نيوزيلاندا بالإفراج عن جميع المحتجزين لممارستهم السلمية لحقوقهم في حرية التجمع أو التعبير، أو المحتجزين فقط؛ بسبب ارتباطات فعلية أو متصورة بأحزاب أو مجموعات سياسية.
بينما طالبت نيجيريا بمواصلة الجهود لتعزيز حرية الرأي والتعبير، بما في ذلك مراجعة التشريعات ذات الصلة.
أما عن النرويج، فأشارت بضمان حرية التعبير عبر الإنترنت وخارجها، وحرية التجمع وتكوين الجمعيات، بما في ذلك السماح بالتجمعات السلمية.