تشهد مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دار فور، تصعيدًا عسكريًا كبيرًا مع استمرار الغارات الجوية التي ينفذها الجيش السوداني ضد مواقع عسكرية لقوات الدعم السريع، خصوصًا داخل مطار نيالا ومحيطه. وقد امتدت الضربات الجوية أيضًا إلى مناطق مدنية، مما أسفر عن مقتل 38 شخصًا خلال ثلاثة أيام، منذ الأول من فبراير 2025.
وتُعتبر نيالا مركزًا رئيسيًا لقوات الدعم السريع منذ سيطرتها على الولاية عام 2023، بعد أن فقدت بعض خطوط إمدادها التقليدية، مثل مطار الجنينة الذي تعرض سابقًا لقصف عنيف من الجيش السوداني. وكانت الجنينة تمثل نقطة عبور استراتيجية عبر الحدود التشادية، وصولًا إلى بعض دول شرق إفريقيا، حيث تُنقل الإمدادات العسكرية لدعم عمليات الدعم السريع في مختلف أرجاء السودان. ومع تدمير هذا الخط، أصبحت مطارات أخرى، مثل مطار نيالا، ذات أهمية محورية في عمليات الإمداد العسكري.
سوق نيالا واستغلال المنشآت المدنية للأغراض العسكرية
في الثالث من فبراير 2025، استهدف قصف جوي عنيف سوق نيالا، مما أدى إلى مقتل 19 شخصًا، بينهم عسكريون. ووفقًا لشهود عيان، فإن الضربة جاءت بعد نقل قوات الدعم السريع شحنات غير محددة إلى مخازن تجارية داخل السوق، مستخدمةً سيارات دفع رباعي وشاحنات. هذا الحدث يشير إلى استغلال البنية التحتية المدنية لتخزين الإمدادات العسكرية، مما يحول هذه المواقع إلى أهداف عسكرية، لكنه في الوقت نفسه يعرض المدنيين للخطر، بحيث يستخدمهم الدعم السريع كدروع بشرية ويوظفهم لبناء إدانات حقوقية ضد الجيش.
![](https://masr360.net/wp-content/uploads/2025/02/55.jpg)
وقد أظهرت صور الأقمار الصناعية التي التقطتها منصتا “Sentinel Hub” و”Planet” وجود عمليات بناء متسارعة في مناطق قريبة من مطار نيالا. هذه المباني مخصصة لتفريغ شحنات الطائرات، هذه التطورات تدعم الفرضية، بأن المطار لا يزال يلعب دورًا رئيسيًا في عمليات الإمداد العسكري لقوات الدعم السريع.
تغير خطوط الإمداد وتأثير المتغيرات السياسية
مع استمرار النزاع وتغير الأوضاع السياسية الإقليمية، بدأت قوات الدعم السريع في تعديل مسارات إمداداتها العسكرية، خاصة بعد فقدانها السيطرة على أجزاء واسعة من ولايات الخرطوم، والجزيرة، وشمال كردفان؛ نتيجة تقدم الجيش السوداني. إذ أصبح من الواضح أن الدعم السريع يركز وجوده في ولايات دار فور، وهو ما يعكس نواياه في إنشاء حكومة موازية في المناطق التي لا تزال تحت سيطرته.
ويرتبط تحليل هذه التغيرات السياسية بمجريات الحرب على الأرض، حيث أظهرت عدة دلائل، أن الإمدادات العسكرية للدعم السريع لم تعد تعتمد فقط على الطرق التقليدية عبر تشاد، بل امتدت إلى مسارات جديدة عبر ليبيا.
![](https://masr360.net/wp-content/uploads/2025/02/Screenshot-2025-02-12-123911.jpg)
وقد انتشرت في الفترة الأخيرة مقاطع فيديو، بثتها حسابات تابعة لقوات الدعم السريع، تُظهر مئات السيارات الحديثة المتجهة نحو مدينة الفاشر ظهر في أحدها عبد الرحيم دقلو القائد الثاني للدعم السريع. ووفقًا للمعلومات التي تم تحليلها، فإن هذه المركبات تختلف عن الآليات التي كانت تمتلكها الدعم السريع سابقًا، مما يرجح أنها جزء من شحنة إمدادات جديدة، وصلت عبر الحدود الليبية.
![](https://masr360.net/wp-content/uploads/2025/02/9.jpg)
كما أفادت تقارير، بأن هناك رحلات جوية عسكرية منتظمة لنقل الإمدادات من قواعد تابعة للمشير الليبي خليفة حفتر، مثل الجفرة والكفرة، إلى داخل السودان. ومن الواضح أن ليبيا أصبحت نقطة الإمداد الرئيسية المتبقية لقوات الدعم السريع، لا سيما بعد تقليص نفوذها في عدة ولايات سودانية أخرى.
هذا التحول في خرطة الإمدادات والدعم العسكري يشير إلى تغيرات جوهرية في مسار الحرب داخل السودان. إذ يبدو أن قوات الدعم السريع تسعى إلى تعزيز سيطرتها على دار فور، مع تركيز جهودها على مدينة الفاشر، التي تُعد آخر معقل رئيسي خارج سيطرتها. الفاشر أصبحت ساحة لإحدى أطول معارك الاستنزاف منذ اندلاع النزاع في إبريل 2023، ما يجعلها محورية في تحديد مستقبل الصراع.
ومع استمرار التغيرات السياسية والعسكرية، فإن تطورات الأحداث في دارفور ستظل عاملًا رئيسيًا في رسم ملامح النزاع السوداني، خصوصًا مع تزايد الضغوط الدولية لإنهاء الحرب، ومنع المزيد من الجرائم ضد المدنيين. كما أن تصاعد القتال في نيالا؛ أدى إلى انتهاكات حقوقية جسيمة، أبرزها استهداف المدنيين واستخدامهم كدروع بشرية، مما أدى إلى نزوح واسع النطاق، مع تخزين الدعم السريع معدات عسكرية داخل الأسواق والمناطق السكنية، ما يجعلها أهدافًا للقصف. في المقابل، يواجه الجيش اتهامات بعدم مراعاة قواعد الاشتباك، مما يزيد من الضحايا المدنيين.