أكثر من 120 ألف حالة موثقة لاستخدام العنف الجنسي ضد النساء والفتيات في إقليم تيجراي، رغم مرور عامين على إنهاء الحرب وتوقيع اتفاقية السلام بين الحكومة الإثيوبية الفيدرالية بقيادة آبي أحمد، والجبهة الشعبية لتحرير تيجراي في 2 نوفمبر 2022، المعروفة باسم اتفاق بريتوريا الذي ضمن الوقف الدائم للأعمال العدائية وحماية شعب التيجراي، فيما لا يزال الضحايا يعانون من ضعف برامج الدعم والتعافي أو تقديم المتورطين في جرائم الحرب للعدالة.

في تقرير حديث لمؤسسة موكويجي وأطباء من أجل حقوق الإنسان، لا يزال استخدام العنف الجنسي مستمرا بشكل ممنهج كسلاح حرب في تيجراي، وهو ما يتطلب اهتمامًا عاجلاً ومساءلة، وتحرك دولي لضمان تقديم الجناة إلى العدالة وحصول الناجين على الدعم الطبي والنفسي.

ولم تتوقف المعاناة في إقليم تيجراي الذي شهد حربا ضارية ضد الحكومة الفيدرالية المركزية في أديس أبابا، حيث لا تزال العديد من الانتهاكات التي تمارس بشكل غير قانوني من قبل قوات، تتبع اقليم أمهرة وإريتريا، والتي تركز على استخدام العنف الجنسي المرتبط بالصراع على نطاق واسع وبشكل أكثر وحشية وشدة على النساء والفتيات، وحتى الرجال– حسب تقرير لصحيفة أديس إستاندرد.

وأشار تقرير الصحيفة الإثيوبية، أن التوسع في استخدام العنف الجنسي ضد شعب تيجراي يكشف عن استراتيجية متعمدة لزيادة المعاناة، وتفكيك النسيج الاجتماعي لمجتمع تيجراي، حيث تكشف هذه الجرائم عن النية، إلى ما هو أبعد من الانتهاك الجسدي، ولكن كسر روح الشعب، ومحو الهوية الثقافية لشعب تيجراي، وممارسة سيطرة مدمرة على مستقبلهم.

إلى أي مدى تنتشر جرائم العنف الجنسي؟

وفق تقارير مختلفة لمنظمة هيومن رايتس ووتش، ومنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية، والتي نقلت شهادات الضحايا، فإن حجم الجرائم بلغ معدلات مرتفعة، حيث تم توثيق ما لا يقل عن 120 ألف ضحية، بينما لا تزال العديد من الناس تتخوف من الإبلاغ عما تعرضوا له؛ خوفاً من الوصم.

تتفق شهادات الضحايا على ارتكاب هذه الجرائم من قبل جنود تابعين لقوات الأمهرة بشكل جماعي على الضحية، بينما تجري هذه الجرائم وسط حملات منسقة من الإرهاب والرعب والتدمير واسع النطاق.

وشملت الجرائم اعتداءات بحق النساء الحوامل، والأمهات المرضعات، والفتيات الصغيرات، وحتى النساء المسنات، اللاتي تعرضن لأعمال عنف مروعة. فيما وثقت بعض الحالات لأطفال، لا تتجاوز أعمارهن أربع سنوات، تعرضوا للاغتصاب، كما استُهدِف الرجال، غالبًا أمام عائلاتهم، لإذلالهم وإهانتهم.

وفقاً للتقارير، فإن ما يزيد من فظائع الهجمات هو الاستخدام المتعمد لأجسام حادة، مثل الأسلحة والعصى خلال الاعتداءات لتشويه الضحايا، حيث تعرض بعض الضحايا إلى مضاعفات صحية خطيرة.

تسليح الاغتصاب كأداة حرب

في مناطق مختلفة للصراعات في إفريقيا، يظل العنف الجنسي جزءا من استراتيجية عسكرية، تستخدمها أطراف الصراع في تدمير المجتمعات المحلية وضمان الهيمنة والسيطرة عليها، من خلال إرهاب السكان وتدمير النظام الاجتماعي لمدى طويل بتعزيز المعاناة من الصدمات النفسية، وإلصاق “وصمة العار” على النساء، بخاصة وأن المرأة تلعب دورا محوريا في المجتمعات الإفريقية التقليدية.

وفي إثيوبيا يعد استخدام العنف الجنسي الذي ارتكب في تيجراي انتهاكا للقوانين الوطنية الإثيوبية والأطر القانونية الدولية المصممة لحماية المدنيين أثناء النزاع المسلح. حيث يضمن الدستور الإثيوبي الحق في الحياة والحرية والأمن، بينما يحظر صراحة التعذيب والمعاملة اللا إنسانية، كما يجرم قانون العقوبات الإثيوبي الاغتصاب ويصنفه كجريمة خطيرة، يعاقب عليها القانون.

وعلى المستوى الدولي، تلتزم إثيوبيا بالمعاهدات والاتفاقيات التي تحظر صراحة العنف الجنسي في النزاعات المسلحة. وتلزم اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الحكومة الإثيوبية باتخاذ التدابير اللازمة؛ لمنع العنف القائم على النوع الاجتماعي ومعالجته.

لماذا لم يقدم المرتكبون للمساءلة؟

ولم تثبت الحماية القانونية أي فعالية أمام الانتهاكات التي تعرضت لها إثنية تيجراي، خاصة وأن الحكومة الفيدرالية لم تقدم أي من الجناة للعدالة بينما يتمتعون بالإفلات من العقاب، حيث لم تهتم الحكومة الاثيوبية بكافة الالتزامات الدولية الواقعة عليها والمتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية وحماية حقوق المرأة خلال فترات التوتر السياسي.

وتحظر اتفاقيات جنيف التي صادقت عليها إثيوبيا بشدة استخدام العنف الجنسي كأسلوب من أساليب الحرب، وتصنفه على أنه انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي.، فيما يؤكد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325 على الحاجة إلى حماية النساء والفتيات في حالات الصراع، ويدعو إلى مقاضاة المسؤولين عن العنف الجنسي.

ولم تصادق إثيوبيا على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يعرّف الاغتصاب، بأنه جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وجريمة إبادة جماعية.

ولماذا تتأخر برامج الدعم للناجين؟

وفقا لمراقبين لحالة حقوق الإنسان في إثيوبيا، لا تزال الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا تعوق برامج الدعم وإعادة التأهيل للناجيات من الاغتصاب المسلح في تيجراي، فضلاً عن الاعتراف بالجرائم التي ارتكبت في هذا الشأن خلال المواجهات العنيفة في حرب التيجراي قبل توقيع اتفاق السلام.

يقول باتسيبا سيفو، مدافع عن حقوق الإنسان في حوار لصحيفة أديس إستاندرد الإثيوبية، إن ضحايا الاغتصاب الجنسي المسلح بحاجة شديدة إلى الرعاية الطبية والدعم النفسي والمساعدة الاقتصادية، حيث تتطلب الصدمات الجسدية والعاطفية التي لحقت بالناجيات علاجًا ورعاية من متخصصين، ومع ذلك يظل الوصول إلى مثل هذه الخدمات محدودًا للغاية؛ بسبب الاستهداف المتعمد للبنية الأساسية للرعاية الصحية في اقليم تيجراي.

وفقاً لسيفو، فإن برامج الدعم الصحي والاقتصادي والنفسي للضحايا تتأثر بانعدام المساءلة القانونية، وبالتالي فإن الدولة أو الحكومة الفيدرالية لا تلزم نفسها بتقديم أي من برامج الدعم، محذراً من ثقافة الإفلات من العقاب التي سمحت باستمرار هذه الجرائم.

وطالب مجموعة من الناشطين في ملف حقوق المرأة في إثيوبيا بضرورة إجراء تحقيقات مستقلة؛ لتوثيق النطاق الكامل للعنف الجنسي المرتبط بالنزاعات في تيجراي، وضمان محاسبة الجناة على المستويين الوطني والدولي، مع ضرورة إنشاء آليات الرقابة الدولية، مثل التحقيقات التي تقودها الأمم المتحدة والمحاكم الخاصة، من أجل تحقيق العدالة وضمان سماع أصوات الناجين.

وتمثل جهود معالجة الوصمة الاجتماعية المحيطة بالعنف الجنسي في تيجراي، الأولوية لدى الضحايا، حيث لا تزال هناك مطالب بحملات لإشراك المجتمع والتوعية لتحدي التصورات الثقافية الضارة، وتمكين الناجين من السعي إلى تحقيق العدالة، دون خوف من الانتقام أو العار.

وتبقى التخوفات من تجاهل ملف ضحايا العنف الجنسي من استمرار استخدام العنف الجنسي كسلاح حرب في الصراعات في إثيوبيا بشكل خاص، والتي تعاني من انقسامات عرقية وإثنية، تغلب عليها الطبيعة الانتقامية والعدائية، حيث يمثل غياب العدالة في هذه الجرائم وضعا سياسيا واجتماعيا خطيرا، يهدد الأمن الداخلي في المجتمع الإثيوبي دون فرص حقيقة للسلام بين الأقاليم الإثيوبية.