في 27 فبراير الجاري، تنعقد في القاهرة قمة عربية طارئة. جدول أعمال القمة سينحصر في مسألة التهديدات الصهيونية للأمن القومي العربي، ومسألة وقف إطلاق النار في غزة.

في الأيام القليلة الماضية، وقعت عدة أحداث جسام، لم يكن من الممكن تجاهلها، دون أن تنعقد قمة عربية؛ للبحث في التهديدات التي تشكلها تلك الأحداث على الأمن القومي.

جدول أعمال متخم بالقضايا

على جدول أعمال القمة:-

– خطة أو اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير وتفريغ سكان غزة من الفلسطينيين تحت دعاوى مختلفة، وقد حمل هذا الاقتراح سياسة العصى والجزرة.

– تهديد الولايات المتحدة بالاعتراف بضم إسرائيل للضفة الغربية، ومن ثم انتهاء صيغة أوسلو نهائيا.

– الموقف العربي من وقف إطلاق النار في غزة، والتأكيد على أهمية المرحلتين الثانية والثالثة للاتفاق بين إسرائيل وحماس.

– العدوان الإسرائيلي على مدن وبلدات الضفة الغربية.

– التهديدات الصهيونية للمملكة العربية السعودية، بإشارة رئيس وزراء إسرائيل لمنح المملكة أرضا للفلسطينيين لإقامة دولتهم عليها.

– العدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية، فيما تبقى مستقلا من المرتفعات السورية في الجولان.

– التوتر الأمريكي الحادث في المنطقة وجوارها؛ جراء قرار الإدارة الأمريكية مد الكيان الصهيوني بالمزيد من السلاح الأمريكي، والتهديدات الأمريكية المتزايدة لإيران. 

كل تلك الموضوعات وموضوعات أخرى ذات صلة، يبدو أنها تنتظر موقفا عربيا حاسما، يحفظ كيان الأمة، ويحمي أمنها ومقدراتها القومية.

مواقف عربية سابقة مائعة

في السابق، ميز العديد من قرارات القمم العربية، إما المواقف التي كانت مجرد حبرا على ورق، لكونها جاءت إرضاء وقتيا للشعوب العربية المتابعة للقمة، وهي شعوب كانت تنتظر وتتوقع بعض النخوة لنجدة الإخوة والذود عن الأمن العربي، بالوقوف في مواجهة الأطماع الصهيونية المدعومة من قبل الغرب عامة والولايات المتحدة الأمريكية خاصة، أو كانت تلك المواقف إرضاء مؤقتا لبلدان عربية وقادة عرب بعينهم، حتى لا تنفلت الأمور بين البلدان العربية من عقالها، فتكون المواقف مجرد تلافي حدوث نزاعات عربية- عربية. هنا بدت السياسة والسلوك على الأرض عقب صدور عديد القرارات، مخالف تماما لما اتفق عليه، خشية على ما يبدو من بطش- أغلبه مصطنع في إذهان الحكام- من الطرف الأمريكي حال تنفيذ القرارات.

الموقف هذه المرة يبدو جد خطير، ومن ثم يتحتم أن تتخذ قرارات على قدر تلك الخطورة، قرارات تشتبك مع الأحداث الجارية بجدية، وتظهر للطرف الآخر وللشعوب العربية- على حد سواء- صلابة الأعمال وردود الأفعال. وهي بالتأكيد تكون أفضل من التعبيرات الساخرة السابقة “نشجب- ندين- نستنكر”.

وقف التطبيع

بداية لا يوجد ما يوجع إسرائيل سواء من اليمين أو اليسار، سوى وقف التطبيع، أو كبح جماحه، هي لا تريد أن تعيش في محيط كاره لها، وتطمع في دعم اقتصادها عبر التطبيع مع العرب، كما ترغب في استغلال التطبيع مع جيرانها للوثوب إلى غيرها من الدول التي تخشى التطبيع معها أو المزيد من الانفتاح؛ خشية إغضاب العرب. لذلك فإن ربط التطبيع بسياستها، بما في ذلك السلام الشامل بقبول حل الدولتين، هو أمر من الأمور المهمة، أما وإن وجدت التطبيع مجرد إجراء مجاني، وأدركت أن السلام هو خيار أوحد للبلدان العربية، أو خيار استراتيجي، كما كان يحلو للبعض القول، فإنها سوف تتمادى في الغطرسة والتبجح على طول الخط، مستندة للدعم الأمريكي. نفس الأمر يمكن أن يردع الجانب الأمريكي الراغب بإصرار على التطبيع مع إسرائيل، ظنا منه أنه من خلاله يطوع البلدان العربية لرغبات إسرائيل الجامحة، وأنه بذلك التطبيع سيفرغ من منطقة نزاع، كي يتفرغ لأخرى متعلقة بإيران أو الصين أو روسيا وخلافه.

إعادة إعمار غزة عربيا

إضافة إلى ذلك، من المهم أن تطرح القمة العربية خطة بديلة لخطة ترامب. خطة تقوم على تحقيق ذات الهدف، وهو الإعمار، لكن بنتائج مختلفة. هنا من المهم التأكيد على أن العرب سيقومون بإعمار غزة، وأن القائمين بتعميرها هم الأيدي العاملة الفلسطينية وبأموال عربية، ما يعني أن إفراغ غزة من سكانها أمر يستحيل حدوثه.

قوات عربية.. سلاح ذو حدين

ولأن غزة مصدر إزعاج دائم لإسرائيل، وهي من قال عنها إسحاق رابين رئيس وزرائها الأسبق: “أتمنى أن أستيقظ ذات يوم من النوم، فأرى غزة وقد ابتلعها البحر”، وهي ذاتها المكان الوحيد الذي فر منه أريال شارون، بعد أن عصت على الترويض، فإن أهم المقترحات للخروج من شرنقة، ما يسمى باليوم التالي للحرب، أي مستقبل غزة، يتحتم أن يكون عربيا. والمعروف أن إسرائيل والولايات المتحدة لا ترغب، في أن ترى غزة مرة أخرى في يد حماس، وهي ربما تهدد بإشعال الحرب مرة ثانية، إذا ما بقت حماس على رأس المشهد بها. هنا فإن أحد المقترحات أن تكون هناك قوة عربية تتسلم القطاع، لكن تلك القوى لا يجب أن تكرر أخطاء القوات العربية السابقة في مناطق التدخل، كما حدث في لبنان في سبعينات القرن الماضي، كما لا يجب أن تكون حارسا لإسرائيل، أو وسيلة للإيقاع بين العرب وبعضهم. لذلك فإنه يجب الاتفاق على سياسة هذه القوة وعتادها وقيادتها، وأن ترضى بوجودها حماس والسلطة معا، وأن تُغادر عقب الإشراف مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي على عقد انتخابات هناك بعد إجراء المصالحة الفلسطينية، وأن ترضى كافة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية بنتائج الانتخابات، مهما كان مآلها.

الاتحاد من أجل السلام

واحد من الخيارات المهمة التي يجب أن تضطلع بها القمة العربية الطارئة، هو أن تلجأ بعد فشل مؤكد لمجلس الأمن في اتخاذ قرار يدين تهجير الفلسطينيين، هو أن تلجأ إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وفق القرار رقم 377A في 3 نوفمبر 1950 المعروف باسم “الاتحاد من أجل السلام”، وهو يتيح للأمم المتحدة، أن تتخذ قرارا حال فشل مجلس الأمن في اتخاذ قرار. هذا الإجراء رغم أنه غير مُلزِم، إلا أنه أدبيا سيجعل الإدارة الأمريكية تفكر مليا في اتخاذ قرارات خرقاء، تشكل شطحات، بعيدة كل البعد عن قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، بدعوة أحد الأطراف علانية إلى احتلال أرض الغير عنوة، وتهجير سكانها، لصالح طرف آخر مارق مرد على خرق قرارات الأمم المتحدة.

محكمة العدل الدولية والإبادة الجماعية

خيار آخر مهم، أن تتخذه القمة العربية، وهي أن تفتح سبل وطرائق جديدة؛ لتنفيذ قرار محكمة العدل الدولية الصادر في 26 يناير 2024، عقب الفصل في دعم جنوب إفريقيا في دعواها يوم 21 ديسمبر 2023 ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، لقيامها بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948. والمعروف أن المحكمة اتخذت قرارات وقتية؛ من أجل حماية الحقوق الفلسطينية التي تطالب بها جنوب إفريقيا. وهذا القرار أكد على ضمان عدم ارتكاب جيش الاحتلال الصهيوني للإبادة الجماعية، واتخاذ كافة التدابير التي في حدود سلطتها لمنع ومعاقبة التحريض على تلك الإبادة، واتخاذ تدابير فورية وفعالة لتمكين دخول المساعدات الإنسانية العاجلة والخدمات الأساسية، واتخاذ تدابير فعالة لمنع تدمير وضمان الحفاظ على الأدلة المتعلقة بمزاعم الأفعال بموجب المادة 2- 3 من اتفاقية الإبادة الجماعية. واحد من خيارات القمة العربية في هذا الصدد هو التحرك لجعل مجلس الأمن ينفذ قرار المحكمة، أو في حالة فشله؛ بسبب الفيتو الأمريكي، الذهاب إلى الجمعية العامة، وقد يوصي قرارها الدول باتخاذ إجراءات دبلوماسية ضد إسرائيل، ربما تصل إلى سحب السفراء أو فرض عقوبات اقتصادية عليها.

المحكمة الجنائية الدولية

نفس الأمر، من المهم أن تتخذه القمة العربية في التعامل مع قرار الجنائية الدولية الصادر في 21 نوفمبر 2024؛ بخصوص مذكرة الاعتقال بحق رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو ووزير دفاعه السابق جالانت، لارتكابهما جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، تشمل القتل والتجويع والاضطهاد ومنع الدواء والكهرباء والماء. والمعروف أن تلك المحكمة نشأت بموجب ميثاق روما في الأول من يوليو 2002، وتخضع لولايتها 124دولة. التحرك العربي في هذا الصدد سيكون مهما، بغرض حصار قادة إسرائيل، وإثبات أن صورتهم مشوهة في غالبية دول العالم، وهي ذاتها صورة الكيان الصهيوني.

وفد عربي موحد

تجارب الوفود العربية تجارب ناجحة، لكونها تدعم استمرار عملية التنسيق العربي البيني، ولكونها تظهر البلدان العربية أمام بلدان العالم المختلفة بوحدة المواقف. لذلك فمن المهم، أن تتخذ القمة قرارا بتشكيل لجنة من البلدين المعنيتين باقتراح ترامب للتهجير وهما مصر والأردن، والبلدان التي كانت إسرائيل تتوسم فيها التطبيع السابق والحالي، وهما السعودية والإمارات، إضافة إلى لبنان كونها دولة معتدى عليها خلال الحرب الأخيرة. وربما من الأهمية إضافة الجزائر أو العراق أيضا. وظيفة الوفد شرح مخاطر التهجير، وربط مواقف المستقبلين للوفد بالعلاقات العربية البينية مع هذه الأطراف. المؤكد أن الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن وبعض بلدان الأوروبية واليابان وأستراليا، ستكون هدفا لزيارة الوفد العربي.

استيعاب إيران بدلا من استعدائها

في تلك الفترة، من المهم أن تتخذ القمة العربية قرارات تفضي لاستيعاب إيران بدلا من استعدائها، صحيح أن هناك خلافات بين العرب وإيران، لكن ما جعل إسرائيل والولايات المتحدة، تتغلغل فكريا في أذهان الكثير من الحكام العرب، هو أنهما استخدما الفزاعة الإيرانية لتحقيق رغباتهم. لو أنفقت البلدان العربية عُشر ما أنفقته على جلب السلاح الأمريكي لاستيعاب إيران، لكانت العلاقات العربية- الإيرانية في حال أفضل من هذا الحال بكثير، ولما حدث التطبيع.

شجب مقترحات ضم كندا وجرينلاند وقناة بنما

أخيرا وليس آخرا، من المهم الدق على وتر الغير بتأكيد دعم مواقفه من جراء المواقف الأمريكية. هنا سيكون مقبولا من الشعوب، أن تشجب القمة العربية شطحات ترامب حول ضم كندا وجرينلاند الدنماركية وقناة بنما، وتدين انتهاكات حقوق الإنسان والمعاملة الحاطة بالكرامة في معاملة المهاجرين المرحلين- بقيد أرجلهم بالسلاسل- من الولايات المتحدة إلى بلدانهم اللاتينية.  

*  *  *  *

هكذا تبدو الملفات أمام القمة العربية كثيرة ومتعددة ومتشابكة، وكلها لا تحتمل إلا الوقوف بشكل يحث على حتمية اتخاذ مواقف صرامة، وإلا سنكون أمام نكبة عربية جديدة في فلسطين.