كتبت- دعاء عبد المنعم
“هذا القرار المتهور والارتجالي لا يضعف حماية حقوق الإنسان العالمية فحسب، بل يتيح الإفلات من العقاب لأولئك الذين يرتكبون انتهاكات لحقوق الإنسان”.
هكذا وصفت منظمة العفو الدولية قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي يأتي ــ كما تكشف الوقائع المتتالية ــ في سياق سياسة أمريكية جديدة تجاه العالم، سواء الحلفاء، أو من تعتبرهم أعداء، أو عبئا على “صورة أمريكا الجديدة”.
وقع ترامب الأمر التنفيذي بالانسحاب من المجلس الأممي المعني بحقوق الإنسان، وكذا من منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، عشية لقائه بحليفه رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قاسمه العداء للمنظمات الحقوقية الدولية، وانسحب منها متضامنا مع ترامب.
المفارقة التي يمكن إدراجها في سياق “الأداء الترامبي” هي أن فترة عضوية الولايات المتحدة في المجلس انتهت في أول يناير 2025، ما يجعلها غير مؤهلة للانسحاب من هيئة حكومية دولية، لم تعد جزءا منها، بحسب بيان لـ”باسكال سيم”، المتحدث باسم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدةـ قال فيه: “للتوضيح، كانت الولايات المتحدة عضوا في مجلس حقوق الإنسان في الفترة ما بين أول يناير 2022 حتى 31 ديسمبر 2024. وبالتالي، فمنذ أول يناير 2025، لم تعد الولايات المتحدة عضوا في المجلس، وأصبحت تلقائيا دولة مراقبة كأي دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة، وليست عضوا فيه. ولا يمكن لدولة مراقبة في المجلس الانسحاب من هيئة حكومية دولية لم تعد جزءا منها”.
ليس بعيدا عن السياق
بخلاف كون الرئيس ترامب أصدر أمره التنفيذي، دون مراجعة موقف بلاده في المجلس، لا يمكن النظر للقرار بعيدا عن الإطار الفكري والسياسي الذي يتبناه الرئيس العائد إلى المكتب البيضاوي، فقد سبق له أن قرر في فترة ولايته الأولى بين عامي 2017 و2021 سحب عضوية بلاده من المجلس، وفي نفس الإطار، الدعم غير المشروط لإسرائيل، ثم عادت عضوية الولايات المتحدة في المجلس عام 2021 تحت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن.
وقتهاــ في ولايته الأولىــ قال ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2017، “إنه مصدر إحراج كبير للأمم المتحدة، أن بعض الحكومات التي لديها سجلات فظيعة في مجال حقوق الإنسان تجلس في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة”.
كما شجب “عبء التكلفة غير العادلة” الذي تتحمله الولايات المتحدة، وقال إن بلاده هي أكبر مساهم في تمويل الأمم المتحدة من حيث الحجم (حوالي 20%).
وقتها هاجمت الولايات المتحدة المجلس على لسان وزير خارجيتها ومندوبها الدائم في الامم المتحدة، ووصفته بأنه “منظمة منافقة وأنانية”، و”بالوعة للتحيز السياسي”، بينما اكتفي ترامب وإدارته هذه المرة بالقول، إن “مجلس حقوق الإنسان لم يحقق الغاية من إنشائه”.
تعقيبات وتداعيات.. وكلمة السر “غزة”
مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، هو الهيئة الحكومية الدولية الرئيسية المسئولة عن حقوق الإنسان، وقد أنشأته الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2006، وهو مسئول عن تعزيز وحماية حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، ويوفر منتدى متعدد الأطراف، يعالج انتهاكات حقوق الإنسان والأوضاع القطرية، كما يستجيب لحالات الطوارئ المتعلقة بحقوق الإنسان، وبالتالي فإن قرار الانسحاب الأمريكي يمتد تأثيره بامتداد الكوكب، الأمر الذي استدعى ردود أفعال مندهشة وغاضبة، في عواصم متعددة حول العالم.
“أماندا كلاسينج”، المديرة الوطنية للعلاقات الحكومية والمناصَرة في منظمة العفو الدولية بالولايات المتحدة قالت إن “الإعلان عن انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان، رغم أنها ليست حتى عضوًا في المجلس، ليس سوى خطوة من جانب الرئيس ترامب لإظهار للعالم تجاهله التام والصارخ لحقوق الإنسان والتعاون الدولي- حتى لو أضعف ذلك مصالح الولايات المتحدة”.
فيما أطلق خبراء دوليون إنذارات بشأن العواقب المحتملة لهذه القرارات، وخاصة بالنسبة للجهود المبذولة لمكافحة الأوبئة وحقوق الإنسان والمساعدات التنموية، وكذا أدانت جماعات حقوق الإنسان والناشطون انسحاب الولايات المتحدة وإسرائيل من مجلس حقوق الإنسان، محذرين من أن القرار يضعف المساءلة الدولية، ويهدد العدالة للفلسطينيين في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على غزة.
ويمكن اعتبار “غزة” كلمة السر، في الانسحاب، أو توقيته على الأقل، خصوصا مع تزامن الانسحاب والهجوم الترامبي على المحكمة الجنائية الدولية، ومدعيها العام كريم خان.
وهنا تجدر الإشارة، إلى أن المجلس الذي تأسس عام 2006 أدان إسرائيل في 78 قرارا له حتى العام 2018.
مسئول حقوق الإنسان السابق في الأمم المتحدة كريج مخيبر، في منشور له على X منصة، اعتبر أن انسحاب الولايات المتحدة وإسرائيل يشير إلى رفض “حقوق الإنسان العالمية نيابة عن الصهيونية السياسية”.
مضيفا: “ستشعر أصوات الأمم المتحدة بالندم على انسحاب الولايات المتحدة، ولكنني أرحب بذلك. لقد كان الدور الأمريكي في مجلس حقوق الإنسان دائما معرقلا، حيث استخدمت سلطتها لمعارضة أغلب الجهود الدولية في مجال حقوق الإنسان”.
وقال بن جمال، مدير منظمة حملة التضامن مع فلسطين، بالمملكة المتحدة، “إن انسحاب الرئيس ترامب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مع استثناء استمرار التمويل العسكري لإسرائيل، إلى جانب دعمه لإجراءات إسرائيل غير المشروعة لتعطيل الأونروا، كلها مؤشرات على أن الرئيس عازم على هدم القانون الدولي والمبادئ الأساسية للحقوق والعدالة”.