تركز الإمارات خلال الفترة الأخيرة جهودها نحو تكثيف التعاون مع الأقاليم ذات الصبغة الانفصالية بالصومال، وآخرها تسيير خطوط طيران مع حكومة أرض بونط “بونتلاند” المنطقة التي تتمتع بحكم ذاتي شمال شرق الصومال، وتحتفظ بعلاقات متوترة مع حكومة مقديشو المركزية.

تتعاون الإمارات من أجل تحقيق أهدافها في بونتلاند مع الولايات المتحدة تحت ذريعة محاربة عناصر متطرفة، لكنها تطمح لما هو أكبر بعد التطور الذي شهده يناير الماضي بتدشين خط طيران مباشر بين الإمارات وبونتلاند.

دعم الحركات الصومالية

كانت الإمارات البطل في اتفاقية تمنح إثيوبيا حق تشغيل ميناء بربرة الذي جددته أبو ظبي بمنطقة أرض الصومال “صوماليلاند” الانفصالية، لأغراض تجارية عسكرية، وأثارت هذه الصفقة قلق العاصمة مقديشو، التي تعارض استقلال الإقليم.

جاء ذلك رغم عدم اعتراف أي دولة عضو بالأمم المتحدة باستقلال الإقليم حاليًا، وتحذير الحكومة الصومالية، من أنها “مستعدة للحرب” لمنع الميناء من العمل.

يعود الانخراط الإماراتي في الصومال إلى الحرب الأهلية التي استمرت لعشرات السنوات إلى العامين 1993 و1994، عندما قدمت الإمارات قوات إلى العمليات الإنسانية وعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

وفي عام 2010، أشرف المستشارون الإماراتيون على إنشاء قوات الشرطة البحرية ببونتلاند التي تأسست لمكافحة عمليات القرصنة المتزايدة بتمويل سنوي من أبوظبي، يقدّر بنحو 50 مليون دولار.

وعندما انحسر تهديد القرصنة انتقلت قوات الشرطة البحرية في بونتلاند عمليًا إلى مهمة مكافحة الإرهاب، ما أسهم في قمع تمرد الجهاديين في جبال جلجالا، بدءًا من العام 2014، وصد الهجوم البحري الذي شنته “حركة الشباب” في العام 2016 على بونتلاند، وقيادة تحرير بلدة قندلا من فرع تنظيم “الدولة الإسلامية” المشكّل حديثًا وتأمين المطارات الرئيسية في بونتلاند.

وقال إيدو ليفي، زميل مشارك في برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن، إن الإمارات أنشأت منذ عام 2010 قاعدة كبيرة لــ”قوات الشرطة البحرية في بونتلاند، وزادت من وجودها الإجمالي بالصومال، إذ وصل عددها إلى 180 جنديًا، وانخرطت تلك القوات بشكل دوري في نزاعات سياسية.

كما استخدمت أبو ظبي القواعد الرئيسية في بربرة وصوماليلاند، وعصب بإريتريا، في عملياتها ضد الحوثيين في اليمن، فيما عزز تمركزها في بوصاصو وجودها في البحر الأحمر، بما أسهم في تيسير العمليات باليمن، وأيضًا في تسهيل التصدي للتهريب الإيراني.

جوبالاند.. قواعد عسكرية إماراتية

في جوبالاند، وهو إقليم صومالي تربطه علاقة متوترة مع الحكومة المركزية الصومالية، نفذت الإمارات منذ صيف العام 2023 ضربات بطائرات بدون طيار، وقدمت الآليات والتدريب لقوات الولاية، التي تجمع بين زعيمها الذي يترأسها منذ فترة طويلة أحمد محمد إسلام، وبين أبوظبي علاقات وثيقة، ومن المرجح أن الإمارات تبني حاليًا قاعدة أخرى بالقرب من كيسمايو عاصمة جوبالاند.

ومع إعادة انتخاب رئيس جوبالاند أحمد محمد إسلام لولاية ثالثة، نشبت خلافات حادة بينه وبين الحكومة الصومالية، وصلت لدرجة اشتباكات عنيفة بين قوات الطرفين في بلدة رأس كمبوني الاستراتيجية، إذ رفضت مقديشيو الاعتراف بالنتائج، وأصدرت محكمة صومالية أمرًا بإلقاء القبض عليه بتهمة الخيانة.

ماذا تريد الإمارات من الصومال الفقير؟

لدى الصومال خطاً ساحلياً بأكثر من 3000 كم، يواجه خليج عدن، قرب مضيق باب المندب ذي الأهمية الاستراتيجية العالمية، ما يجعل الصومال أحد أهم الشرايين التجارية للتجارة البحرية العالمية في العالم.

وسعت الإمارات من سنوات للسيطرة على مواني العالم بأسره، وبالتالي تخدم الهيمنة على الساحل الصومالي هذه الاستراتيجية، ولذلك وقعت حكومة صوماليلاند في 2016 اتفاقاً مع “موانى دبي العالمية” بقيمة 442 مليون دولار؛ لتطوير ميناء عميق في بربة كمركز تجاري في شرق إفريقيا.

كما وقعت أبوظبي في العام التالي اتفاقاً ببناء قاعدة عسكرية بجوار مطار المدينة وواجهتها البحرية، وفي 2017 وقعت مواني دبي اتفاقا لاستجار ميناء بوصاصو في “بونتلاند” لمدة 30 عاماً.

عند مراقبة الأنشطة الحالية في إفريقيا، يتضح من النظرة الأولى اهتمام إماراتي خاص بالساحل الشرقي للقارة، فباب المندب، رابع أكثر مضايق العالم ازدحامًا، مع عبور 40٪ من التجارة البحرية العالمية عبره، كما يتعامل مع نقل أكثر من 6 ملايين برميل من النفط يومياً، وتأمين هذا الموقع أمر بالغ الأهمية لقوة تصديرية للنفط  مثل أبوظبي.

منذ عام 2006، يدير الإماراتيون (من خلال شركة مواني دبي العالمية ومجموعة مواني أبو ظبي ) 12 ميناء في إفريقيا، ومنذ عام 2016، وقع الإماراتيون صفقات لـ 7 من أصل 12 ميناء بالقارة، أي أنها تزيد نفوذها باستمرار .

أمريكا تغض الطرف عن الدور الإماراتي

إيدو ليفي، يرى أن الإمارات تعمل على تمثيل العشائر المتعددة بين المتدربين الذين تتولى تدريبهم بالصومال، وتقوم بتعيين قدامى المحاربين لقيادة الوحدات ومراقبة الوحدات الجديدة من خلال برنامج إعادة التدريب المستمر في معسكر جوردون، كما تقدم رواتب في الوقت المحدد بمعدل ضعف المعدل المعتاد للجيش الوطني الصومالي.

في الوقت ذاته، خفضت الإمارات التمويل الذي كانت تقدمه إلى الجيش الوطني الصومالي بعد اتفاقية دفاع ثنائية، تُلزم تركيا بزيادة دعمها العسكري للجيش الوطني الصومالي والشروع بمساندة البحرية الصومالية والمساعدة في مراقبة الشريط الساحلي في البلاد.

ويقول أرييل آي. أرام، مدير مشارك لمشروع “الحروب بالوكالة” الذي ترعاه مؤسسة كارنيجي في نيويورك، ورانج علاء الدين زميل غير مقيم في برنامج السياسة الخارجية في مؤسسة بروكينجز، في دراسة مشتركة، إن الإمارات هي بنت مجموعة من العلاقات بالوكالة في الغالب مع الجماعات الانفصالية في مناطق نائية في أطراف دول، مثل اليمن والعراق وسوريا والصومال.

أضاف الباحثان إن ذلك النهج في الحرب بالوكالة منح الإمارات سيطرة فريدة من نوعها بتكلفة قليلة نسبيًا، فمن خلال شبكاتها بالوكالة، يمكن للإمارات منع الخصوم من تعزيز السيطرة عبر ساحل المحيط الهندي، والحفاظ على النفوذ في الممرات البحرية الرئيسية إلى أوروبا وآسيا.