تشهد مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض كارثة صحية غير مسبوقة، حيث تفشى وباء الكوليرا بشكل مرعب؛ متسببًا في وفاة 500 شخص حتى الآن مع تسجيل آلاف الإصابات وسط انهيار كامل للنظام الصحي وانعدام الخدمات الأساسية، ورغم التحذيرات المتكررة لا تزال الأوضاع تتدهور بشكل متسارع؛ بسبب تلوث مياه الشرب الناتج عن انقطاع التيار الكهربائي عن محطات ضخ المياه، وهو ما حدث بعد قصف قوات الدعم السريع لمحطة أم دباكر عبر غارات بطائرات مسيرة.

هذا الاستهداف المتعمد لمصدر الطاقة الرئيسي في الولاية؛ أدى إلى توقف محطات تنقية وضخ المياه، ما دفع المواطنين إلى اللجوء إلى مصادر ملوثة، ساهمت في انتشار الكوليرا على نطاق واسع.

البداية المأساوية

الدعم السريع يستهدف محطة كهرباء أم دباكر
الدعم السريع يستهدف محطة كهرباء أم دباكر

تعد محطة أم دباكر الشريان الرئيسي للطاقة في ولاية النيل الأبيض، وتوقفها تسبب في شلل كامل للخدمات الأساسية، بما في ذلك إمدادات المياه النقية، حيث شهدت المحطة هجومًا في الأول من يناير 2025، ألحق أضرارًا جزئية، لكن الجهات المختصة تمكنت من إصلاحها وإعادة تشغيلها جزئيًا، إلا أن الهجوم الثاني الذي وقع في فبراير 2025 أدى إلى تعطيل المحطة بالكامل، ما تسبب في انقطاع الكهرباء عن معظم الولاية، خاصة عن محطات ضخ المياه في كوستي التي تعتمد كليًا على الكهرباء في تشغيل رافعات المياه.

تلوث المياه قنبلة موقوتة أدت إلى كارثة صحية

بعد توقف المحطة حاولت السلطات تشغيل رافعات مياه تعمل بالوقود كبديل، لكنها لم تكن فعالة بما يكفي؛ ما تسبب في انخفاض حاد في ضغط المياه، ما أدى إلى تراكم الأوساخ والملوثات في الشبكة وتلوث مياه الشرب؛ نتيجة ضعف تدفقها، الأمر الذي خلق بيئة مثالية لانتشار البكتيريا والطفيليات المسببة للكوليرا ولجوء المواطنين إلى مصادر مياه غير آمنة، مثل البرك والآبار السطحية التي تحوي مياهًا راكدة ملوثة، ما أدى إلى تسارع انتشار العدوى؛ وتسبب هذا الوضع في موجة إصابات جماعية بالكوليرا وسط عجز تام من الجهات الصحية عن احتواء الأزمة.

انهيار المستشفيات أمام تدفق المرضى

مع تصاعد أعداد المصابين تعرض النظام الصحي في كوستي لضغط غير مسبوق، حيث امتلأ مستشفى كوستي التعليمي بالكامل، مما أجبر الإدارة على إغلاق قسم الحوادث أمام المرضى الجدد، كما أدى النقص الحاد في الإمدادات الطبية الأساسية، بما في ذلك محاليل معالجة الجفاف والمضادات الحيوية إلى تفاقم الأزمة في ظل ازدحام شديد في المرافق الصحية، حيث اضطر الأطباء إلى علاج المرضى على الأرض بعد امتلاء جميع الأسرّة.

صور من أمام مستشفى كوستي التعليمي

صور من أمام مستشفي كوستي التعليمية
صور من أمام مستشفى كوستي التعليمية
صور من أمام مستشفي كوستي التعليمية
صورة من أمام مستشفى كوستي التعليمية
صور من امام مستشفي كوستي التعليمية
صورة من أمام مستشفى كوستي التعليمية

التأخر في الاستجابة يفاقم الكارثة

في حديث لأحد الأطباء العاملين بمستشفى كوستي التعليمي، أكد أن المشهد كارثي حيث يموت المرضى أمام أعينهم؛ بسبب نقص الأدوية والإمكانات الطبية اللازمة لإنقاذهم، في الوقت نفسه أفاد عدد من المواطنين، بأنهم يضطرون إلى حفر آبار بدائية وجمع المياه من المستنقعات بعد نفاد الإمدادات الرسمية، رغم معرفتهم بخطورة ذلك، لكن العطش القاتل لا يترك لهم أي خيار آخر.

وسط هذه الكارثة الإنسانية، أطلقت جهات محلية ومنظمات إنسانية مناشدات عاجلة إلى المجتمع الدولي لإنقاذ سكان كوستي من خطر الموت المحتم، مع التأكيد على الحاجة إلى إعادة تشغيل محطة أم دباكر فورًا لضمان استئناف ضخ المياه النظيفة وإنقاذ آلاف الأرواح وإرسال مساعدات طبية طارئة، تشمل محاليل معالجة والجفاف المضادات الحيوية وأدوية الطوارئ.

في ظل استمرار تصاعد عدد الوفيات وانهيار البنية التحتية الصحية، فإن أي تأخير في الاستجابة سيؤدي إلى كارثة أكبر، قد تمتد إلى مناطق أخرى في السودان، هذه الكارثة لم تكن مجرد أزمة صحية عابرة، بل هي نتيجة مباشرة لهجوم عسكري استهدف البنية التحتية الحيوية، مما جعل سكان كوستي يواجهون الموت البطيء؛ بسبب العطش والمرض، وما لم يتم التحرك الفوري لإنقاذ الموقف، فإن الرقم الحقيقي للضحايا قد يصبح أعلى بكثير، مما تم الإبلاغ عنه حتى الآن، وقد نشهد مأساة إنسانية تفوق كل التوقعات.