كتب- سمير عثمان

«لقد أنهينا بشكل فعال عملية الاحتيال المعروفة باسم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية».. هكذا وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته الجديدة، قراره بتجميد عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التي بدأت نشاطها في المساعدات الإنسانية عام 1961، وقدمت مساعدات لأكثر من 100 دولة في العالم، ووصل عدد موظفيها حوالي 10 آلاف موظف.

بحلول منتصف ليل الأحد الماضي، أعلنت إدارة ترامب منح إجازة إدارية لآلاف الموظفين في الوكالة، وحسب الموقع الرسمي للوكالة الدولية، فإنه من تاريخ 25 فبراير 2025 سيتم منح العديد من الموظفين إجازة إدارية بما فيهم 1600 موظف، داخل الولايات المتحدة الأمريكية، فضلًا عن تقليص عدد الموظفين في الخارج وتمويل الوكالة عودتهم، كما تم إرسال إيميلات لجميع الموظفين، بأنه خلال الأسبوع المقبل سيتلقون تعليمات بشأن الحصول على متعلقاتهم الشخصية، فيما يُعفى من الإجازة الإدارية الأشخاص ذوو المناصب القيادية.

موقع الوكالة يخطر موظفيه بإجازة إدارية لحين إشعار آخر
موقع الوكالة يخطر موظفيه بإجازة إدارية لحين إشعار آخر

أين تعمل الوكالة الأمريكية وماذا تقدم؟

تعمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في العديد من قارات وبلدان العالم، حيث تمول العديد من المشروعات في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وأوروبا وأوراسيا، وتشمل تمويلاتها جميع مناحي الحياة تقريبًا، من صحة وتعليم واقتصاد وحريات وحقوق إنسان، وتعزيز القدرة على مواجهة التغيرات المناخية، وتعزيز الإنتاجية الزراعية والصحية، ومواجهة الفقر، وتعزيز الأمن الغذائي، والاستجابات للأزمات الإنسانية، وتمويل عمليات منع الصراع، فضلًا عن شراكات متعددة مع شركات وجامعات ومؤسسات دولية حكومية وغير حكومية، وكذلك التعاون مع مؤسسات المتجمع المدني الخيرية، أو تلك المعنية بحقوق الإنسان.

الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تقدم المساعدات الإنسانية والتنموية لعشرات الدول
الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تقدم المساعدات الإنسانية والتنموية لعشرات الدول

تساهم الوكالة بحوالي 40% من إجمالي المساعدات العالمية، وتعد أكبر مساهم في المساعدات التي يتم تمويل المشروعات بها في دول العالم، ووفقًا لتقرير نشرته مجلس فوربس عن دائرة أبحاث الكونجرس، تلقت حوالي 130 دولة مساعدات من الوكالة، كان نصيب أوروبا وأوراسيا منها 40٪ بقيمة “17.2 مليار دولار”، وكانت أوكرانيا أكبر متلقي أجنبي، حيث حصلت على دعم مالي مباشر يقدر بـ 30 مليار دولار، ما بين عامي 2022 و2024.

التقرير أشار، إلى أن 52% من برامج الوكالة الدولية تنفذها منظمات غير حكومية، بينما تدير المنظمات الدولية العامة 34%، وتتحمل الحكومة الأمريكية 10%، بينما تنفذ الحكومات الأجنبية 4% من التمويلات غير العسكرية، ومن أكبر متلقي الدعم من الوكالة، كان البنك الدولي بقيمة 20 مليار دولار، ثم برنامج الأغذية العالمي الذي تلقى أكثر من 15 مليار دولار.

وفقًا لموقع “usspending” الأمريكي الذي تقدم له الوكالة الأمريكية نفقاتها بانتظام، فإن موازنة العام المالي 2024 بلغت 44 مليارا 198 مليون دولار، وتم إنفاق 6.39 مليارات دولار لمساعدات الكوارث، 3.55 مليارات دولار للمساعدات الإنمائية، و891 مليون دولار لتمويل مشروعات في أوروبا وأوراسيا وآسيا، 639.6 لمكافحة مرض نقص المناعة البشرية (الإيدز)، 36 مليون دولار تحت بند مساعدات فنية للحكومات الأجنبية، كما تضمن الإنفاق أكثر من 22 مليون دولار ضمن برنامج ضمان القروض بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومليون 755 ألف دولار لبرنامج ضمان صحة الطفل.

ملايين المتضررين

وفقًا لمحتوى أرشيف الوكالة، فإنها تقدم العديد من المساعدات للدول الإفريقية، منها برنامج wash في كينيا لتحسين حياة المواطنين، وبرامج تعليمية وصحية للتوعية بمرض الإيدز، ومبادرة الغذاء للمستقبل؛ من أجل التغلب على الجفاف في البلاد.

برنامج “بيبفار” الذي أطلقته الوكالة في إفريقيا لإجراء التجارب السريرية لمرض نقص المناعة البشرية في إفريقيا، وبعدما أنقذت الوكالة عن طريقه حياة أكثر من مليون و300 ألف مواطن من المرض، أصبحت حياة ملايين آخرين في انتظار الموت، فضلًا عن توقف جميع البرامج المعنية بمحاربة السل والشلل والملاريا، وغيرها من الأمراض المنتشرة في الجنوب الإفريقي.

وفي بتسوانا، تقدم الوكالة الرعاية الصحية للشباب، خاصة أن ربع البالغين مصابون بمرض نقص المناعة البشرية، بينما تقدم العديد من برامج الرعاية والإغاثة الإنسانية في تشاد، وذلك في ظل معاناة نصف السكان تقريبا من فقر مدقع، ووصول الكهرباء لـ6% فقط من المواطنين، بينما يحصل 8% فقط على خدمات الصرف الصحي، كما لا تتجاوز نسبة الإلمام بالقراءة والكتابة بين البالغين 22%، بالإضافة إلى 480 ألف لاجئ، وحوالي 300 ألف نازح، يحتاجون إلى خدمات الإغاثة الإنسانية.

يتضمن عمل الوكالة الدولية في تشاد محاولة رفع معاناة 3 ملايين مواطن من خطر انعدام الأمن الغذائي، فيما يحتاج 800 ألف مواطن إلى مساعدات غذائية طارئة، وسط تهديدات من منظمات عدة بخطر المجاعة في البلاد.

يمثل وقف عمل الوكالة الأمريكية تهديدًا كبيرًا لعشرات الدول الإفريقية، التي حاصرها أمراض، مثل الملاريا والسل من ناحية، والجوع والأمن الغذائي من ناحية أخرى، فضلًا عن المشكلات المتعلقة بالصراعات والعنف والتعليم، وتعمل الوكالة على توفير هذه البرامج في دول، مثل غينيا وليبريا ومدغشقر ومالاوي ومالي، موريتانيا موزمبيق، النيجر ونيجيريا ورواندا وساحل العاج وجيبوتي، وهو ما يهدد حياة ملايين البشر التي تعمل الوكالة على تحسينها، بل ويجعلهم عرضة للأمراض التي تعمل الوكالة على إجراء تجارب سريرية لإيجاد العلاج الأنسب لها.

الأردن واحدة من الدول العربية التي حصلت على جزء كبير من تمويل الوكالة الأمريكية، حيث أكد تقييم حديث لمنتدى المنظمات غير الحكومية الدولية في الأردن- جيف- حول التأثيرات الأولية لتعليق المساعدات الأميركية الإنمائية، أن عدد الأفراد الذين ستتوقف عنهم الخدمات من الأردنيين أو اللاجئين يصل إلى 35.5 ألف شخص، فضلًا عن وجود 5.6 ملايين فرد، تدعمهم برامج المنظمات غير الحكومية الممولة.

وحسب المنتدى، سيحرم ما لا يقل عن 7 آلاف فرد من الخدمات الصحية السريرية الحرجة، ويشمل ذلك الخدمات الطبية المقدمة، بالاشتراك مع الخدمات الصحية الحكومية في العيادات الحكومية، بالإضافة إلى انعكاس القرار على أكثر من نصف القوى العاملة في القطاع الخاص في الأردن، والتأثير سلبًا بشكل مباشر وغير مباشر على 55 ألف أسرة، و30 ألف موظف في المستقبل.

اليمن وسوريا وغيرها من الدول التي تشهد نزاعات مسلحة، ويعاني سكانها من انعدام الأمن الغذائي بأي شكل من الأشكال، مهددة أكثر من أي وقت مضى بعد وقف عمل الوكالة، خاصة المخيمات التي تعاني من ندرة في توفير الغذاء، والتي كان يمثل برنامج الأغذية العالمي، وسيلتها الأكثر أمانًا للحوصل على الغذاء، ويأتي ذلك بعد تلقي البرنامج تعليمات بوقف برامجه في الدول التي يعمل بها.

وفقًا لموقع الجامعة الأمريكية بالقاهرة، فإن برنامج الوكالة يقدم منحًا دراسية، لما يقرب من عدد 372 طالبا وطالبة في العام الدراسي الجامعي 2024– 2025، وذلك للحصول على شهادة البكالوريوس أو الليسانس في عدد من الجامعات المصرية الحكومية والخاصة، ولكن بسبب توقف البرنامج للمراجعة أعلن الموقع تعليق البرنامج لإشعار آخر، الأمر الذي يهدد الطلبة الذين اعتمدوا بشكل أساسي على منحة الوكالة لإنهاء تعليمهم.

على الرغم من أن الأمل حول عودة برامج عمل الوكالة ما زال قائمًا، إلا أن تصريحات إدارة ترامب الجديدة، وعلى رأسها الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، الذي تولى قيادة وزارة الكفاءة الحكومية، والتي تعمل على خفض النفقات الأمريكية، لا تبشر بخير، الأمر الذي يدفع بالمجهول حول مصير الملايين من البشر التي كانت الوكالة تعمل على تحسين حيواتهم.