كتب- سمير عثمان

في عام 2015، اعتمدت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، والتي تتضمن القضاء على الفقر والجوع وتحسين التعليم والحفاظ على البيئة، وغيرها من الأهداف المرتبطة، من أجل حماية الكوكب وتحقيق السلام والازدهار للبشر.

وبعد مرور 10 سنوات من العمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وبعد سنوات من التقدم المحرز نحو هذا الهدف، بدا في الأفق، ما ينذر بالسوء، خاصة مع صدور تقارير أممية، تحذر من ابتعاد الدول عن تحقيق الأهداف المرجوة، وسط ظروف سياسية وبيئية صعبة.

ثلث سكان العالم يعانون

الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة، هو القضاء التام على الجوع، وحدد الهدف عدة مقاصد أو أهداف داخلية يجب على المجتمع الدولي العمل عليها؛ لإنهاء الجوع بحلول عام 2030، أي بعد 5 سنوات من الآن، ومن هذه المقاصد حصول الجميع، خاصة الفقراء على ما يكفيهم من غذاء، وإنهاء كافة أنواع سوء التغذية، ومضاعفة الإنتاجية وضمان وجود نظام غذائي مستدام.

التقرير السنوي الأحدث عن “حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم”، الذي تصدره منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو”، بالتعاون مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، أكد أن العالم خرج عن المسار الصحيح لتحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030 وكذلك ابتعد عن تحقيق المقاصد الخاصة بالهدف.

وأوضح التقرير الذي يرصد حالة الغذاء لعام 2023، أن العالم بعيد كل البعد عن تحقيق القضاء التام على الجوع، حيث لا يزال معدل انتشار النقص التغذوي في العالم عند المستوى نفسه تقريبًا خلال ثلاث سنوات متتالية، بعد تسجيله زيادة حادة في أعقاب جائحة كوفيد-19، حيث عانى ما بين 713 و757 مليون شخص من الجوع في عام 2023، وهو ما يشير إلى أن شخصا من بين كل 11 شخصًا في العالم، وواحد من بين كل 5 أشخاص في إفريقيا، يعانون من الجوع، ويواصل الجوع ارتفاعه في إفريقيا.

التقرير ألمح أيضًا، إلى أن التقديرات تشير إلى أن 28.9 % من سكان العالم، بحوالي 2.33 مليار شخص، عانوا من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في عام 2023، كما أن أكثر من ثلث سكان العالم 2.8 مليار شخص، كانوا غير قادرين على تحمل كلفة نمط غذائي صحي في عام 2022، موضحًا أن أوجه عدم المساواة واضحة، حيث تضم البلدان المنخفضة الدخل النسبة الأكبر من السكان الذين لا يمكنهم تحمل كلفة نمط غذائي صحي بحوالي 71.5 % مقارنة بالبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا 52.6 %، والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا 21.5 % والبلدان المرتفعة الدخل 6.3 %.

كما أشار تقرير حالة الأمن الغذائي، إلى أنه لتحقيق القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، يجب زيادة التمويل الفعال من حيث الكلفة، ولكن ليس هناك في الوقت الراهن صورة واضحة عن التمويل من أجل تحقيق الأمن الغذائي والتغذية، المتاح أو اللازم توفيره من أجل بلوغ هذه الأهداف، لافتًا إلى أنه يمكن للفجوة في التمويل، أن تصل إلى عدة تريليونات من الدولارات، وسينطوي عدم سد هذه الفجوة على تداعيات اجتماعية واقتصادية وبيئية، تستلزم حلولًا تبلغ كلفتها أيضًا عدة تريليونات من الدولارات.

أرقام مخيفة وإفريقيا تواجه المجاعة

بلع متوسط عدد السكان من يعانون من الجوع في 2023، حوالي 733 مليون شخص، بزيادة قدرها 152 مليون شخص عن عام 2019، وتضم إفريقيا النسبة الأكبر من السكان الذين يعانون من الجوع بنسبة 20.4 %، مقارنة بنسبة 8.1 % في آسيا، و6.2 % في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، و7.3 في المائة في أوقيانوسيا، وعلى الرغم من وجود النسبة الأكبر في إفريقيا، إلا أن العدد الأكبر ممن يعانون من الجوع يقع في آسيا، وذلك بسبب الفارق في عدد من يعيشون في القارتين، وتضم آسيا أكثر من نصف السكان الذين يواجهون الجوع في العالم، بحوالي 385 مليون شخص، فيما يقع حوالي 300 مليون شخص في إفريقيا، وأكثر من 40 مليون شخص في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، وأكثر من 3 ملايين شخص في أوقيانوسيا.

منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أشارت إلى أنه من المتوقع أن يعاني 582 مليون شخص من نقص تغذوي مزمن بحلول 2030، وهو ما يكشف عدم القدرة على تحقيق هدف القضاء على الجوع، ومن المتوقع أيضًا، أن يكون أكثر من نصفهم من سكان إفريقيا، فيما بلغ معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في إفريقيا عام 2023 حوالي 85% وهو ضعف المتوسط العالمي، بينما يقترب في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي وآسيا وأوقيانوسيا من التقديرات العالمية (28.2 و24.8 و26.8 %) على التوالي.

المنظمة أشارت، إلى أن معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد بلغ 31.9 % في المناطق الريفية، مقارنة بـ29.9 % في المناطق شبه الحضرية، و25.5 % في المناطق الحضرية، كما أن حالة معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي ظل أعلى دائمًا لدى النساء منه لدى الرجال على المستوى العالمي وفي جميع الأقاليم.

وفيما يتعلق بالمقاصد السبعة الخاصة بالتغذية، أكد تقرير الأمم عن حالة الأمن الغذائي، أنه لم يتم إحراز أي تقدم يُذكر في مجال انخفاض الوزن عند الولادة لدى حديثي الولادة، ومن المتوقع، أن يعاني 14.2 % من حديثي الولادة، من انخفاض الوزن عند الولادة في عام 2030، ما يشكل تقصيرًا في تحقيق المقصد لعام 2030، والمتمثل في خفض هذه النسبة بمقدار 30 في المائة.

كما أشار التقرير، إلى إحراز تقدم في مجال رفع المعدل العالمي للرضاعة الطبيعية الخالصة للرضع الذين تقل أعمارهم عن ستة أشهر، ولكن العالم ليس على المسار الصحيح لبلوغ المعدل المستهدف لعام 2030 ونسبته 70 في المائة.

وفيما يخص معدل انتشار التقزم لدى الأطفال دون الخامسة من العمر، توقع التقرير أن يعاني 19.5 % من مجموع الأطفال دون الخامسة من العمر من التقزم في عام 2030، فيما انخفض معدل انتشار الهزال في العالم من 7.5 % عام 2012 إلى 6.8 % في 2022، كما تشير التوقعات إلى أن 6.2 % من الأطفال دون الخامسة من العمر، سيعانون من الهزال في عام 2030، وأكثر من ضعف المقصد العالمي البالغ 3 %، بينما لا يزال العالم خارج المسار الصحيح الخاص بهذا المؤشر، وظل معدل انتشار الوزن الزائد في العالم ثابتًا عند 5.6 % عام 2022، وبحلول 2030 من المتوقع، أن يعاني 5.7 % من الأطفال دون الخامسة من العمر من الوزن الزائد، أي حوالي ضعف المقصد العالمي لعام 2030 البالغ 3 %.

كما زاد معدل انتشار فقر الدم لدى النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا، بنسبة 1.4 عن عام 2012، ومن المتوقع أن يبلغ 32.3 % بحلول عام 2030، وهي نسبة بعيدة عن مقصد عام 2030 المتمثل في خفض معدل الانتشار بنسبة 50%، بينما زادت معدلات من يعانون من السمنة إلى 15.8 % عام 2022، ومن المتوقع أن يعاني أكثر من 1.2 مليار شخص بالغ من السمنة في عام 2030.

وشدد التقرير، على أن عدد البلدان خارج المسار الصحيح لتحقيق معظم المقاصد العالمية السبعة الخاصة بالتغذية لعام 2030، أكبر من عدد البلدان التي تسير في المسار الصحيح.

وفقًا لتقرير حديث صادر من الشبكة العالمية لمكافحة أزمات الغذاء، أكبر زيادة ممن يعانون من نقص الغذاء، كانت في السودان، حيث عانى أكثر من 705 آلاف شخص من مستويات الكارثة وخطر المجاعة في عام 2023، وهي زيادة قدرها أربعة أضعاف، وهي أكبر زيادة تم الإبلاغ عنها على الإطلاق، فيما كان الصراع في قطاع غزة السبب وراء 80% من الذين يواجهون المجاعة الوشيكة، أما النسبة المتبقية 20%، تقع في بوركينا فاسو ومالي والصومال وجنوب السودان.

الصراعات تهدد الشرق الأوسط

الأمر لا يختلف كثيرًا بالنسبة للمنطقة العربية، حيث أشار تقرير “نظرة عامة إقليمية على الأمن الغذائي والتغذية في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا 2024″، الذي تصدره الوكالات الأممية ذات الصلة، إلى ارتفاع معدل انتشار نقص التغذية عام 2023 مقارنة بالعام السابق ليصل إلى 14، بحوالي 66.1 مليون شخص.

وسجلت الصومال أعلى معدل انتشار نقص التغذية 51.3٪، تليها اليمن 39.5٪، وسوريا 34٪، وجزر القمر 16.9٪، فيما بلغ معدل انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في المنطقة العربية 39.4%، بحوالي 186.5 مليون شخص، بينما بلغ معدل انعدام الأمن الغذائي الحاد 15.4% بحوالي 72.7 مليون شخص.

التقرير أشار، إلى أن مصر سجلت أعلى معدل انتشار للسمنة بين البالغين عام 2022 بنسبة 44.3%، تليها قطر بنسبة 43.1%، والكويت 41.4%، فيما سجلت جيبوتي أدنى معدل انتشار بنسبة 11.3%، تليها اليمن 13.7%، والصومال 14.6%، ويعود السبب في ذلك إلى ارتفاع نسبة نقص الغذاء في تلك الدول.

الصراع هو المحرك الرئيس لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في المنطقة العربية بحسب التقرير، في حين تلعب التحديات الاقتصادية، والتفاوتات المرتفعة في الدخل، والآثار المناخية الشديدة أيضًا أدوارًا مهمة، وذلك فضلًا عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية الذي أدى إلى تفاقم الأزمة، محذرًا من أن مؤشرات الأمن الغذائي والتغذية من المتوقع، أن تتدهور بشكل مأساوي؛ بسبب الصراعات المتواصلة والجفاف المستمر في العديد من أنحاء المنطقة.

منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أوضحت، أن العالم يمتلك الوسائل التي يسعى بها إلى تحقيق هدف القضاء على الجوع، ولكنه لا يملك المال أو الإرداة السياسية، وعلى الرغم من أن تكاليف القضاء على الجوع كبيرة، إلا أن التقاعس عن ذلك سيكلف العالم مبالغ أكبر بكثير، مشيرًة إلى أن هدف القضاء على الجوع يبدو مستحيلًا وسط الصراعات المتزايدة في العالم، وأنه أصبح من المستحيل تحقيق الهدف أو مقاصده السبعة بحلول عام 2030.