المقترح الذي قدمه زعيم المعارضة الإسرائيلية “يائير لابيد” أمام أحد مراكز الأبحاث المهمة في واشنطن (FDD) حول الدور المصري في غزة، ركز على أزمتها الاقتصادية والديون الخارجية، وبات من الصعب تجاهل ما ذكره؛ لأنه سبق وكرره ترامب بصياغة مختلفة، حتى بدا وكأن العالم ينظر لمصر من زاوية، أنها بلد مهدد استقرارها بسبب سوء وضعها الاقتصادي وتراكم الديون والمخاوف من عدم قدرتها على السداد.
وقد أشار لابيد إلى وجود مشكلة خطيرة على حدود إسرائيل الجنوبية، وهنا لم يشر إلى خطر مواجهه عسكرية بين مصر وإسرائيل أو احتمال أن تلغي القاهرة اتفاقية كامب ديفيد، إنما أشار إلى أن “مصر في مأزق. الاقتصاد المصري لا يستطيع التغلب على أزمة متفاقمة. ينمو عدد سكان مصر بنسبة تقترب من 2% سنوياً. الرئيس السيسي بحاجة لإطعام 120 مليون شخص. لقد قضت جائحة كوفيد- 19 وحرب غزة على صناعة السياحة، ويؤثر الإرهاب على الإيرادات. الدين الخارجي لمصر يتجاوز 155 مليار دولار، وقدرتها على الاقتراض تتلاشى. إذا لم يستطع الرئيس السيسي دعم أسعار الخبز للفقراء في مصر أو دفع نفقات الجيش المصري، فإن قيادته ستكون في خطر. وهذا خبر سيئ للغاية لنا جميعا”ً.
واعتبر لابيد، أن مصر شريك استراتيجي رئيسي وحليف موثوق به منذ ما يقرب من 50 عاماً، “وهي دولة سنية معتدلة وبراجماتية تلعب دوراً محورياً في المنطقة”. واعتبر أن الرئيس السيسي يمثل قوة استقرار في الشرق الأوسط وإفريقيا، وهو يحارب التطرف الديني منذ فترة طويلة. إن قوة مصر واستقرارها وازدهارها تصب في مصلحة الجميع. البديل قد يكون كارثياً: قد تقع مصر مرة أخرى في أيدي جماعة الإخوان المسلمين، أو ما هو أسوأ من ذلك، مما سيؤدي إلى تأثير الدومينو، ويدخل الشرق الأوسط بأكمله في حالة من عدم اليقين. لقد حدث هذا من قبل، ويمكن أن يحدث مرة أخرى.
طبعا كلام لابيد يمكن رفضه كليا أو جزئيا، ولكن الأمر الذي بات محل تكرار من كثير من الأطراف الدولية هو الوضع الاقتصادي، وأن الثغرة التي تدخل منها إملاءات كثيرة، ولو في صورة مقترحات تكمن في سوء الوضع الاقتصادي، فترامب حين اقترح تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر قال، إنه يجب على مصر، أن توافق على ما قاله؛ “لأننا ساعدناها كثيرا”، وإنه يعلم أن نجاحها في تسديد جانب من ديونها العام الماضي جاء من خلال مشروع رأس الحكمة، وضخ مبلغ مالي قدر بحوالي ٣٥ مليار دولار، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الدعم العربي والخليجي لمصر.
وبالتالي، فإن سداد الديون المصرية تمت أكثر من مرة بالحصول، إما على دين آخر لتسديد جانب من الدين الأصلي، وليس من خلال مشاريع استثمارية منتجة تدر عائدا، يساهم في تسديد أقساط الديون، أو عن طريق استثمارات ضخت أموالا مباشرة، مثل مشروع رأس الحكمة فساهمت في تسديد جانب من الديون.
وبالتالي، فإن ما قاله لابيد، انطلق من سوء الوضع الاقتصادي في مصر، ولخص مقترحه على ضوء نقطتين: الأولى إن إسرائيل لا يمكن أن تقبل بوجود حماس في إدارة قطاع غزة، والسلطة الفلسطينية غير قادرة أو غير مستعدة لإدارة غزة في المستقبل القريب، والاحتلال الإسرائيلي غير مرغوب فيه وغير ممكن. والوضع المستمر من الفوضى يمثل تهديداً أمنياً وكارثة إنسانية.
الثانية: الاقتصاد المصري على وشك الانهيار، مما يهدد استقرار مصر والشرق الأوسط وإفريقيا. فالدين الخارجي البالغ 155 مليار دولار، يمنع مصر من إعادة بناء اقتصادها وتعزيز جيشها في مواجهة التحديات الداخلية والتهديدات الأمنية. أما الحل من وجهه نظرة، فكان هو أن تتولى مصر مسئولية إدارة قطاع غزة لمدة ثماني سنوات، مع إمكانية التمديد إلى خمس عشرة سنة، وفي الوقت نفسه يتم سداد الدين الخارجي لمصر من قبل المجتمع الدولي وحلفائها الإقليميين. ستقود مصر قوة سلام بالشراكة مع دول الخليج والمجتمع الدولي لإدارة غزة وإعادة بنائها. خلال هذه الفترة، سيتم تهيئة الظروف للحكم الذاتي في غزة، وسيتم الانتهاء من عملية نزع السلاح الكامل من القطاع. وستكون مصر اللاعب الرئيسي والمشرف على إعادة الإعمار، مما سيعزز اقتصادها. هذا الحل له أساس تاريخي: لقد حكمت مصر غزة لمدة ثماني سنوات من عام 1948 إلى عام 1956، ومرة أخرى لمدة عقد من عام 1957 إلى عام 1967. تم ذلك بدعم من جامعة الدول العربية، وبفهم أن هذا كان حلاً مؤقتاً، حيث كانت مصر تمارس وصاية على غزة نيابة عن الفلسطينيين، ولم تكن تحتل القطاع. وهذا ما يجب أن يحدث اليوم أيضاً.
والحقيقة، إن مشكلة ما قاله لابيد، كما ترامب، أنهما قدما مقترحات سياسية بنيت على سوء الوضع الاقتصادي في مصر، ولم يقدموها باعتبارها ذات قيمة سياسية، أو ستفرض تسوية سلمية أو ستجد حلا للقضية الفلسطينية، إنما هي محاولة لحل مشاكل مصر الاقتصادية، وليس مشاكل غزة أو فلسطين.
لن تحل مشاكل مصر الاقتصادية وديونها بالمساعدات أو بمزيد من القروض، تنفق جميعها في غير مكانها الصحيح، إنما بخلق بيئة آمنة للاستثمار وبناء قاعدة اقتصادية منتجة، وهي كلها أمور لن تحلها مساعدات أمريكا، ولا مقترح لابيد.