تجري وزارة الزراعة المصرية، حاليًا، ترتيبات لإنشاء ثاني مزرعة “مصرية ـ أوغندية” مشتركة على مساحة 2381 فدانًا، والاستفادة من تجربة نجاح المزرعة، الأولى التي تعتبر من أفضل المزارع المصرية الإفريقية المشتركة على مساحة 1190 فدانًا.
تسعى مصر، خلال السنوات العشر الأخيرة، التوسع بمشروعات إنشاء المزارع المشتركة بإفريقيا التي وصل عددها إلى 10 مزارع، لزراعة محاصيل القمح والفول الصويا والذرة الشامية، على أن توفر وزارة الزراعة المصرية جزءا من التمويل، والباقي من القطاع الخاص المصري.
تتسم المزارع المصرية في إفريقيا، بأنها متوسطة المساحة لتتراوح بين 400 و1000 فدان، وبعضها متخصص في إنتاج التقاوي والثروة الحيوانية، خاصة بمجال التسمين، بعد تطبيق برامج مصرية نموذجية بالتغذية ومنظومة الأعلاف، والتعامل مع الأمراض التي تصيب الماشية.
سد الفجوة من المحاصيل المهمة

تستهدف الدولة من المزارع المشتركة سد العجز والفجوة من المحاصيل المهمة بزراعتها في إفريقيا، بدلاً من الاستيراد من الخارج بالعملة الصعبة، ما يقلل من فاتورة استيراد السلع والحاصلات الزراعية من الخارج، ويجنب الاقتصاد المصري مخاطر الاعتماد على أسواق بعينها في سلع أساسية، مثلما حدث في الحرب الروسية ـ الأوكرانية..
أقامت مصر مزرعتين مشتركتين مع دولة زامبيا “مومبيشي وكابوى”، ومزرعة مشتركة بكل من زنزبار والنيجر والكونغو الديمقراطية ومالي وتوجو وأوغندا وإريتريا وجنوب السودان.
وضعت الحكومة خطة توسعية، تتضمن مزارع بدولتي السودان وزيمبابوي، لكن هناك تأجيل لتنفيذها؛ بسبب الظروف الاقتصادية العالمية والأوضاع الأمنية بدولة السودان التي تستهدف مصر إنشاء العديد من المزارع المشتركة بها في الزراعة والثروة الحيوانية.
تُركز مصر أيضًا على إنشاء مزارع متكاملة لإنتاج محاصيل وانتاج حيواني وأعلاف وانتاج سمكي وداجني، ما يقلل الاستيراد، خاصة أن تكاليف الاستثمار بإفريقيا رخيصة فالأرض الخصبة، والمياه متوافرة والعمالة منخفضة الأجر، خاصة زامبيا التي تستعين بالمسجونين للعمل كمزارعين.
مصر تستهدف سد التغلغل الإسرائيلي بإفريقيا
التوسع المصري في إفريقيا، يستهدف مواجهة قوى إقليمية تسعى للهيمنة على القارة السمراء، ووقعت وزارة الزراعة المصرية شراكة مع وزارة الداخلية الزمبية للتوسع في تقنيات نظم الري الحديثة وزراعة أصناف تقاوي مصرية، إضافة إلى دمج شركات القطاع الخاص في التنمية؛ من أجل توفير احتياجات الدول الإفريقية في تقنيات المياه.
في المقابل، وقعت إسرائيل بتوقيع شراكات مماثلة مع وزارات أخرى كالدفاع الزمبية، خاصة أن الوزارات السيادية بإفريقيا هي التي تهيمن على المساحات الأكبر، والمشروعات الزراعية القومية الخاص بالقطاع الزراعي.
ووضعت إسرائيل برنامجًا يسمى “Dezertec” لمساعدة البلدان الإفريقية علي مواجهة التصحّر في منطقة الصحراء وإنشاء منطقة عازلة خضراء بطول 8000 كم بحلول عام 2030، واستقطب البرنامج مشاركين من جيبوتي والنيجر وبوركينا فاسو ومالي وموريتانيا وإثيوبيا وإريتريا ونيجيريا والسنغال، والأخيرة توجد لها بالسنغال بالفعل عدة مشروعات ممولة من تل أبيب تهدف الى الاستفادة من تقنية التنقيط لزيادة الإنتاجية.
يقول الدكتور ماهر المغربي، مدير مشروع المزارع المشتركة بإفريقيا، إن مشروع المزارع يحمل بعدًا للأمن القومي لمصر ومساعدة الدول الإفريقية؛ لتوفير الغذاء، خاصة للشعوب الفقيرة.

أضاف أن المشروع منذ 2014 شهد نقلة كبيرة بزيادة عدد المزارع، وسيشهد تدشين مزارع جديدة بدول مثل مالاوي، إذ تعتمد مصر على تنويع نشاط المزارع وفق إمكانيات الدول ففي شرق إفريقيا، يتم تدشين مزارع للحوم ونقل التكنولوجيا لها، دول جنوب إفريقيا تعتمد على المحاصيل الأساسية، مثل الذرة وتطلب من مصر الأصناف الجديدة، كما تقيم مزرعة مشتركة مع الجزائر.
أوضح أن مصر لديها نقص في الخضروات، ولذلك اهتمت بمشروع إنتاج تقاوي أصناف الخضر في زنزبار وربطها ببرنامج الخضر المصري، خاصة أن مصر تعاني نقص في تقاوي عدد من الخضروات.
ليست إسرائيل وحدها التي تنشط في إنشاء مزارع بإفريقيا، فالسعودية والإمارات، نفذّت مشروعات زراعية مماثلة، خاصة أن أعداد الثروة الحيوانية في كل من السودان وإثيوبيا والصومال، تفوق ربع مليار رأس، وهو ما يمكن الاستفادة منه في تحقيق الأمن الغذائي للخليج.
ووضعت السعودية استراتيجية زراعية جديدة؛ تستهدف أن تصبح أكبر مستثمر في الأراضي الزراعية الإفريقية، وبلغ حجم استثمارها الزراعي حوالي مليوني هكتار في عدد من الدول الإفريقية.
منذ 2009، اشترت الرياض 500 ألف هكتار من الأراضي في تنزانيا، (الهكتار يساوي 2,471 فدانا) وفي إثيوبيا، حصل حوالي 305 مستثمرين سعوديين على تراخيص في 10 سنوات. لتنفيذ 141 مشروعا في مجال الإنتاج الزراعي والحيواني، و64 مشروعا آخر في القطاع الصناعي.
كما يعمل صندوق الثروة السيادية القطري على توسيع نطاق انتشاره في إفريقيا، إذ استثمر 400 ألف دولار في عام 2013 لدعم سلسلة التوريد الزراعية في شرق إفريقيا. وفي عام 2018، أعلنت الحكومة القطرية خططا؛ لاستثمار نصف مليار دولار في قطاعي الزراعة والغذاء في السودان.
أما الإمارات فضخت استثمارات إجمالية تبلغ 110 مليارات دولار في قطاعات واعدة بإفريقيا، خاصة الزراعة، إذ تمتلك القارة ثلثَي الأراضي الصالحة للزراعة حول العالم، وستؤدي دوراً حاسماً في الأمن الغذائي العالمي.
صراع عالمي على إفريقيا
تعتبر إفريقيا القارة الأولى، من حيث مساحة الأراضي الزراعية، إذ يبلغ حجم الأراضي الصالحة للزراعة بها 60% من إجمالي الأراضي حول العالم، ولها موارد متجددة ومساحات كبيرة من الغابات والبحيرات.
القوى الآسيوية الكبرى، تتصارع على إفريقيا حاليًا، فالصين قامت باستزراع نحو 1.5 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في الكاميرون وموزمبيق وأوغندا وتنزانيا، بينما تستثمر الهند مليوناً و600 ألف هكتار، واليابان 900 ألف هكتار في إفريقيا.
يقول الخبير الاقتصادي نادي عزام، إن مصر منذ عام 2014 غيرت بوصلتها نحو الاهتمام بإفريقيا بعد إهمالها في عهد نظام حسني مبارك، وتعزيز العلاقات الاقتصادية معها ليرتفع حجم التبادل التجاري بين مصر ودول القارة إلى وبلغ إلى 9.2 مليارات دولار خلال عام 2023 مقابل 8.7 مليارات دولار خلال عام 2022 بنسبة زيادة قدرها 5.7%، مقابل مليار و200 مليون دولار في عام 2018.
أضَاف عزام، أن واردات مصر من السلع الزراعية بلغت 6.1 مليارات دولار خلال التسعة أشهر الأولى من عام 2023، وهذا الأرقام يمكن تقليلها بشكل كبير عبر التوسع في الزراعة بإفريقيا، خاصة أن مصر تستورد سلع أساسية، مثل القمح والذرة بالعملة الصعبة من الخارج.