يثير ملف اللاجئين في مصر الكثير من الجدل فهناك من المصريين من يرى أنهم يشكلون عبئا إضافيا على الاقتصاد المصري “المثقل اصلا بالأعباء” والخدمات، وهناك من يرى أن كثيرين منهم ساهموا باستثمارات ذات قيمة في شرايين البلاد الاقتصادية، وان الخدمات في مصر لم تعد مدعومة وأن من يستخدمها يدفع قيمتها الفعلية، ويحذر من أن ورقة أعباء اللاجئين على الاقصاد قد تكون شماعة يستخدمها البعض لتبرير الإخفاق في إدارة الملف الأقتصادي، ويرى أن مشاكل مصر الاقتصادية هي مشاكل هيكلية أعمق كثيرا من أن تتأثر بشكل جدي جراء ملف اللاجئين.
هنا “مصر 360” يطرح الأمر من زواياه المختلفة.
عودة من انتفت صفته
“نطالب الحكومة بعودة من انتفت صفة لجوئه إلى بلده.
عشان احنا أولى ببلدنا…
عشان اتحملناهم ١٤ سنة، وكفى.. مش عاوزنهم
عشان أسعار الشقق والعقارات اللي تضاعفت بسببهم.. مش عاوزنهم.
عشان المصري أولى بخدمات بلده… مش عايزنهم”.
السطور السابقة جزء من منشور، تم تداوله على مجموعات بمنصة فيس بوك، حملت أسماء مثل “مصر للمصريين” و “المصري لايص واللاجئ هايص”.. وغيرها من العبارات التي تجسد مشاعر رفض لوجود اللاجئين بمصر، وتحمل اتهامات لهم بالمسئولية عن ارتفاع في أسعار السلع والخدمات، وتلقي عليهم كاهلهم باللوم، باعتبارهم شركاءــ على الأقلــ في الواقع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه المصريون.
رسميا، كرر مسئولون كبار الشكوى من حجم الأعباء التي يتحملها الاقتصاد المصري المثقل أصلا؛ بسبب “استضافة” أعداد متزايدة من اللاجئين الفارين من مناطق الصراع.
رئيس الوزراء دكتور مصطفى مدبولي، قال في غير مرة، إن أعداد اللاجئين في مصر والمهاجرين إليها سواء بطرق مشروعة أو غير مشروعة تصل إلى 9 ملايين شخص، يمثلون 8% من السكان.
ويأتي المهاجرون من 133 دولة، بينهم المجموعات الكُبرى، مثل المهاجرين السودانيين (4 ملايين) والسوريون (1.5 مليون) واليمنيون (مليون) والليبيون (مليون).
بينما قال رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء “خيرت بركات”، إن “أعداد اللاجئين في مصر تعادل تعداد 3 أو 4 دول أوروبية، وهو ما يشكل ضغطا على الاقتصاد المصري، فيما يخص حجم الطلب على السلع والخدمات، بالإضافة إلى تأثيراتها على سوق العمل المصري”.
وكان عام 2024، قد شهد زيادة في التضخم تصل إلي 35%، قبل أن ينخفض في الوقت الحالي إلي 23%، وأدي ارتفاع التضخم إلي ارتفاع جميع الخدمات والسلع كالعقارات والسلع الغذائية والخدمات الصحية وغيرها.
وتزامن ذلك مع استمرار تواجد مجموعات من المهاجرين من 133 دولة، بينهم المجموعات الكُبرى مثل المهاجرين السودانيين (4 ملايين) والسوريون (1.5 مليون) واليمنيون (مليون) والليبيون (مليون)، وهي الأعداد التي أشار إليها رئيس الوزراء. وغالبيتهم (56٪) يقيمون في خمس محافظات: القاهرة والجيزة والإسكندرية ودمياط والدقهلية. بينما يعيش باقي المهاجرين في محافظات، مثل أسيوط، وأسوان، والغربية، والإسماعيلية، والأقصر، ومرسى مطروح، والمنوفية، والمنيا، وبورسعيد، والقليويبة، وقنا، ومحافظة البحر الأحمر (الغردقة، شرم الشيخ بأعداد قليلة في شبه جزيرة سيناء وتحديداً مدينة دهب) والشرقية وسوهاج والسويس.
مؤشرات.. وقراءات
هناك مؤشرات عدة يمكن أن تساعد قراءتها على رصد مساحة وحجم تأثير ارتفاع أعداد اللاجئين على الاقتصاد المصري، منها التضخم والاستهلاك وسوق العقارات والإسكان وسوق العمل وقرارات الحكومة وسياساتها وسوق العمل والخدمات العامة.
أصبحت العقارات في ظل ارتفاع التضخم استثمارا مفضلا لرؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة، وشهد سوق العقارات ارتفاعًا ملحوظًا خلال الفترة السابقة، لأسباب متعددة منها ارتفاع الأسعار وتعويم الجنيه، ما أدى إلى زيادة الطلب على شراء العقارات، لتقفز الأسعار بنسبة تلامس الـ 148 % من مستوياتها خلال العام السابق.
ليسارع البعض باعتبار، أن السبب الرئيسي للزيادة هو ارتفاع أعداد اللاجئين، وخاصة السودانيين منذ اندلاع الأزمة في إبريل 2023 وفي أحد الاستبيانات حول الموضوع قال 55 % إن الزيادة سببها السودانيين، و29 % أرجعوها للتعويم وارتفاع سعر الدولار، و9% بسبب زيادة الطلب على العقارات و7% بسبب وقف تصاريح البناء.
وأدت إتاحة بعض المنظمات الدولية مساعدات مالية للاجئين بالعملة الصعبة لتشجيع المُلاك على رفع الإيجارات.
رئيس الوزراء “مصطفى مدبولي”، دخل على خط الأزمة في أغسطس الماضي، ليقول، إن الارتفاع اللافت لإيجارات الشقق السكنية سببه إقبال الوافدين الأجانب عليها، والذين أطلق عليهم لقب “ضيوف”، لكنه رفض تدخل الحكومة في ضبط تلك الأسعار، مشيراً إلى أن “السوق تخضع للعرض والطلب”.
شكوى اللاجئين
على الجانب الآخر، شكا اللاجئون من الاستغلال، ورفع الأسعار بمجرد علم ملاك الشقق والسماسرة، أن المستأجر لاجئ سوداني، بينما قال أحد السماسرة، إن السبب الرئيس في ارتفاع الإيجارات خلال العامين الماضيين هو وجود اللاجئين والنازحين، وخاصة السودانيين واليمنيين، موضحًا أن هناك إقبالاً ملحوظاً على الإيجار بأسعار، تبدأ من 3000 جنيه (62.05 دولارا) كحد أدنى وتصل إلى 8000 جنيه (165.46 دولارا) كحد أقصى، وتختلف بحسب مساحة الشقة والمنطقة.
وسجلت شعبة الاستثمار العقاري في الغرفة التجارية ارتفاع أسعار الإيجارات، بنسب تراوح ما بين 200% إلى 300% منذ عام 2022 حتى الآن، كما وأن القيمة الإيجارية لبعض المناطق السكنية التي تشهد تجمعات كثيفة للاجئين والنازحين، وخاصة اللاجئين السودانيين، تضاعفت أسعارها ثلاث مرات، عما كانت من قبل، وأن تجمعات السودانيين بدأت في منطقة فيصل بالجيزة، ثم امتدت لباقي أرجاء القاهرة، فيما شكل السوريون مجتمعا خاصا بهم، تركز حول القاهرة في مناطق الرحاب ومدينتي 6 أكتوبر وزايد.
سوق العمل.. أزمة أخرى
يرى الكثير، أن اللاجئين، وخاصة السوريين انتزعوا فرصهم في سوق العمل، رغم تأكيدات لخبراء أنهم ـ السوريون ــ ساهموا في زيادة الإنتاج.
وبدعم من المفوضية السامية الأمم المتحدة استطاع 477 لاجئ، إيجاد فرص العمل خلال 2023، وذكر تقرير لمنظمة الهجرة الدولية الصادر في أغسطس عام 2022، “أن 37% من المهاجرين الذين يعيشون في مصر، يعملون في وظائف ثابتة وشركات مستقرة، ويساهمون بشكل إيجابي في سوق العمل، ويساعدون في نمو الاقتصاد المصري، ويشكل السوريون نسبة 17٪ من العاملين في السوق المصري”.
الخدمات العامة.. عبء ودعم دولي
شكل تدفق أعداد اللاجئين إلي مصر حملًا اقتصاديا، وخاصة في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية.، بحسب بعض الجهات.
وخلال زيارة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر في نوفمبر عام 2024، لإجراء المراجعة الرابعة لبرنامج إصلاحات اقتصادية، قال خبراء الصندوق، إن “العدد المتزايد من اللاجئين يضيف ضغوطا مالية على الخدمات العامة، وخاصة قطاعي الصحة والتعليم في البلاد”.
وفي قطاع التعليم تم تسجيل أكثر من 73 ألف طفل لاجئ في المدارس الحكومية خلال عام 2023، بعد أن حصلت المفوضية السامية الأمم المتحدة للاجئين على المنح التعليمية لهم في المدارس الحكومية.
في حين قال رئيس الوزراء (إبريل 2024) أن قيمة ما تدفعه مصر مقابل خدمات لهؤلاء المهاجرين على أراضيها تتجاوز الـ10 مليارات دولار سنويا.
وفي مارس عام 2024 قدم الاتحاد الأوروبي تمويلا قدره 7.4 مليارات دولار لمصر كمساعدات لدعم الاقتصاد المصري، في ظل تدفق اللاجئين الفارين من الصراع في السودان، وفقًا لصحيفة “فايننشيال تايمز”.
إضافة اقتصادية
هناك عدد من السودانيين والسوريين من الطبقة العليا، ورجال الأعمال استطاعوا دخول البلاد بطريقة شرعية واستثمار مبالغ كبيرة في مشاريع متنوعة، وأصبحوا إضافة اقتصادية في نمو الاقتصاد المصري.
ويبلغ حجم استثمارات السوريين أكثر من 800 مليون دولار، وفقًا لتقرير هيئة الاستثمار المصرية، وتتركز في القاهرة والجيزة والإسكندرية، وأغلب الاستثمارات تمثلت في إقامة مئات المطاعم السورية في مصر.
ووصل عدد الشركات السورية في مصر إلي 2659 شركة، و يمثل المستثمرين السوريين منظمتان هما تجمع رجال الأعمال السوريين، وجمعية الصداقة المصرية السورية.
وأشارت غرفة صناعة الملابس الجاهزة باتحاد الصناعات المصرية، إلى أن عدد المستثمرين السوريين في قطاع الملابس والمنسوجات يقدر بنحو 3 آلاف مستثمر.
قانون جديد وانتقادات
بادرت الدولة المصرية بإصدار قانون جديد ينظم وجود اللاجئين في مصر “قانون اللجوء”، الذي وافق عليه البرلمان المصري وصدق عليه رئيس الجمهورية ونُشر في الجريدة الرسمية في ديسمبر الماضي.
ويتكون القانون الجديد من 39 مادة، تشمل تعريف اللاجئ، وضوابط تقديم طلبات اللجوء، وكيفية تسيير حياة اللاجئين خلال إقامتهم بالبلاد.
ولقى القانون انتقادات دولية ومحلية، فأوصت منظمة العفو الدولية برفض هذا القانون؛ لأنه يزيد من تقويض حقوق اللاجئين في مصر، بينما عبرت 22 منظمة حقوقية عن رفضها له.