كتب- سمير عثمان
«في لحظة مستقبلي ضاع.. بقيت قاعد في البيت مش عارف أعمل إيه».. بهذه الكلمات وصف عبد الرحمن سرور، الطالب بكلية حاسبات ومعلومات جامعة عين شمس، وأحد الطلاب الذين اجتازوا اختبارات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للحصول على منحة دراسية ضمن برنامج رواد وعلماء مصر، ما حدث بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بتعليق عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لمدة 90 يومًا، وهي الأزمة التي ما زالت تلقي بظلالها على الصعيدين المحلي والعالمي.
الوكالة التي مارست عملها لأكثر من 6 عقود، كان لها دور كبير داخل مصر، حيث استثمرت ما يزيد عن 30 مليار دولار منذ بداية عملها داخل البلاد في عام 1978، بعد توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد، ودعمت العديد من المشروعات التنموية في الزراعة والصناعة وريادة الأعمال والتعليم والصحة والسكان والبيئة.
برامج المنح الجامعية
من أبرز المشروعات التي توقفت بعد إعلان وقف تمويل الوكالة لمشروعاتها، هو “برنامج المنح الجامعية” الذي تقوم على تنفيذه الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وتُمول الوكالة الأمريكية منح لطلاب التعليم العالي لدراسة البكالوريوس، بالإضافة إلى عدد من المنح التدريبية التي توفرها لخريجي المدارس الثانوية ومنح تطوير المناهج التعليمية.
تتضمن برامج الوكالة، منحة رواد وعلماء مصر، وبرنامج المنح الدراسية الممول من الوكالة الأمريكية، ويشارك فيه أكثر من 10 جامعات مصرية، منها الجامعة الأمريكية بالقاهرة وجامعة القاهرة والجلالة وجامعة زويل، وجامعة الإسكندرية وأسيوط وبدر والعلمين الجديدة.
تبلغ التكلفة التقديرية لبرنامج منحة رواد مصر حوالي 86 مليون دولار أمريكي، بينما تبلغ التكلفة التقديرية لبرنامج المنح الدراسية حوالي 56 مليون دولار، ومن المفترض أن هذه البرامج كان مقدرًا لها، أن تستمر حتى عام 2030، ولكن بعد توقف الوكالة أصبح مصير الطلاب المدعومين مجهولًا.
وفقًا للجامعة الأمريكية بالقاهرة، فقد تخرج منذ عام 2020 حتى العام الدراسي 2024 حوالي 788 طالبا، من برنامج المنح الدراسية الممول من الوكالة، 51% منهم من الذكور و49% من الإناث، بينهم 93 عالمًا من ذوي الإعاقة، موزعين على 10 جامعات، وفي تخصصات مختلفة منها الهندسة والعلوم والصحافة والتمريض وعلوم الكمبيوتر والزراعة وإدارة الأعمال.

قبل قرار ترامب بـ 4 أشهر، تم قبول حوالي 110 طلاب في السنة التحضيرية، وفجأة وبدون أي مقدمات فوجئ الطلاب الجدد بإيميل من الوكالة الأمريكية بإلغاء المنح بشكل كامل، بخلاف زملائهم الذين يصل عددهم إلى 1500 طالب في مراحل التعليم الجامعي المختلفة، حيث ينتظرون، ماذا ستسفر عنه الأيام المقبلة بعد انتهاء المدة التي حددها ترامب لمراجعة أنشطة الوكالة.
يقول عبد الرحمن، إنه حصل على المنحة بعد اختبارات وتصفية بين آلاف الطلبة، مشيرًا إلى أنه كان مقبولًا في أكثر من 6 جامعات ومنح مصرية، ولكنه كان يتمنى الحصول على منحة الوكالة الأمريكية، وبعد أن حصل عليها فوجئ، أنه خسر كل شيء مرة واحدة ولا يعرف مصيره.

البريد المرسل إلى الطلاب نص على: “عزيزي الطالب.. نأمل أن تجدكم هذه الرسالة الإلكترونية بخير، نكتب إليكم لإبلاغكم بتطور مهم قد يؤثر على رحلتكم الأكاديمية، كجزء من الامتثال للتوجيهات الأخيرة الصادرة عن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، يجب تعليق الأنشطة بموجب اتفاقياتنا الحالية/ إيقافها مؤقتًا حتى إشعار آخر، بالنسبة للطلاب المسجلين حاليًا في الدراسة الأكاديمية: لا يزال الوضع قيد التقييم وسنقدم المزيد من التحديثات بشأن الخطوات التالية في أقرب وقت ممكن، نأسف بشدة لأي غموض قد يسببه هذا الموقف، نشكركم على تفهمكم وصبركم، بينما نتعامل مع هذا معًا”.
تقدم الوكالة 372 منحة خلال العام الدراسي 2025، وفقًا لموقع الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وبعد توقف البرنامج، أعلنت الحكومة المصرية استكمال دراسة طلاب المنحة بالجامعات المصرية حتى نهاية العام، حيث تتخطى تكاليف العام الدراسي الواحد أكثر من مليون جنيه سنويًا، بينما يظل مصير الطلاب مجهولًا، خاصة أن العديد منهم في السنة النحضيرية.
في كلمته خلال ورشة عمل بعنوان “تفعيل دور التحالفات الإقليمية”، قال الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، إن دعم الوكالة لمشروعات التعليم في مصر يصل إلى 400 مليون دولار، ويختص مشروع “الشراكة من أجل التعليم” بدعم يصل إلى 85 مليون دولار، وهو من أكبر مشروعات التعليم العالي.
قطاعات متنوعة
لم تقتصر أعمال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مصر على التعليم فقط، ولكنها امتدت على مدار سنوات للعمل في قطاعات مختلفة منها الزراعة والصناعة والسياحة وترميم الآثار، في 2022 أعلن المستشار عمر مروان وزير العدل، بمشاركة الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي، إطلاق فاعلية مشروع تطوير المحاكم الاقتصادية بالتعاون مع الوكالة الأمريكية، تنفيذاً لاتفاقية الحوكمة الاقتصادية الشاملة المبرمة بين وزارة التعاون الدولي كممثل عن الحكومة المصرية والوكالة الأمريكية كممثل عن الحكومة الأمريكية، دون إفصاح عن حجم التمويل.
ضخت الوكالة الملايين في المشروعات الأثرية منها مشروع ترميم واستعادة القطاع الغربي من مدينة هابو بمحافظة الأقصر، بتكلفة 6 ملايين دولار، وانتهى المشروع عام 2023، كما وقعت الوكالة في 2020، 7 اتفاقيات تعاون مع مصر، بقيمة 112 مليون دولار، كما تم توقيع 7 اتفاقيات جديدة في نوفمبر 2021 بقيمة 125 مليون دولار، وذلك للعمل في عدة مجالات منها التعليم، والتعليم العالي، والعلوم والتكنولوجيا، والزراعة، والصحة، والحوكمة الاقتصادية، والتجارة والاستثمار.
الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، أكدت خلال لقاء في 2023، مع شون جونز مدير بعثة الوكالة الجديد في مصر آنذاك، أن الشراكة مع الوكالة ساهمت في تكوين محفظة تعاون إنمائي جارية تسجل نحو مليار دولار منذ عام 2014، وهي عبارة عن منح تنموية موجهة للعديد من القطاعات الحيوية، مثل تنمية وتعظيم دور القطاع الخاص وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتطوير قطاعي التعليم والصحة، والسياحة، والزراعة، وتعزيز العمل المناخي.
كما أشارت إلى أن الشراكة الاستراتيجية مع الوكالة الأمريكية خلال عام 2022 ساهمت في توقيع اتفاقيات منح بقيمة 160 مليون دولار؛ للمضي قدمًا في جهود التنمية من خلال استهداف قطاعات عدة على رأسها التعليم والصحة، إلى جانب اتفاقية منحة مبادرة المناخ الجديدة بقيمة 15 مليون دولار.
وفي مجال الصحة، وخلال جائحة كوفيد-19، دعمت الوكالة الأمريكية مصر بأكثر من 29 مليون جرعة لقاح، وصلت إلى 18 مليون مواطن، فضلًا عن 64 مليون دولار لدعم استجابة مصر للفيروس، بخلاف العديد من المشروعات التي تنفذها الوكالة مع الهيئة العامة للرعاية الصحية، لتعزيز وكفاءة الخدمات المتعلقة بالرعاية الصحية.
آلاف المستفيدين من عمل الوكالة الأمريكية في مصر، في مجالات مختلفة سيتضررون نتيجة توقف عمل الوكالة، حيث توقفت عشرات المشروعات الزراعية التي كانت تهدف إلى تحسين الإنتاجية وزيادة فرص العمل، وتشجيع الصادرات، فضلًا عن توقف عشرات البرامج التدريبية للطلبة والشركات الناشئة.
وحتى إشعار آخر، ينتظر عبد الرحمن سرور وزملاؤه عودة الوكالة للعمل، واستكمال دراستهم، كما ينتظر آلاف المزارعين والعاملين في قطاعات مختلفة، عودة تمويل الوكالة من أجل المساهمة في التنمية الحقيقية، آملين عودة ترامب في قراره. فهل يعود؟