كتبت- إيمان رشدي
فيما تتابع صور التلفزيون، عن الاحتفال باليوم العالمي للمرأة “الثامن من مارس”، تنهمك حنان في معالجة ذراعها، بعدما انهال عليها زوجها بالضرب لمطالبتها بزيادة نفقات المنزل.
يحتفل العالم باليوم العالمي للمرأة بأشكال مختلفة، بينما تجهل عديد من النساءـ تاريخ الاحتفال ودلالاته، وربما هن غارقات في معاناتهن، بينما أخريات صعدت أرواحهن للسماء، قبل أن يحل هذا اليوم.
عالميا فإن كل عشر دقائق تقتل سيدة أو فتاة على يد شريكها أو فرد من الأسرة، كما ارتفعت حالات العنف الجنسي المتعلقة بالصراعات بنسبة 50% منذ عام 2022ـ والأرقام وثقها تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة المعنية بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في يومها العالمي.
في مصر، وعلى مدار عام المنقضي، أصدر مركز التنمية والدعم والإعلام “دام” سلسلة تقاريره الشهرية حول أنماط العنف في المجتمع المصري، أبرزها المتعلقة بالسلوكيات العنيفة التي وقعت داخل إطار الأسر.
بروز مُفزِع لمشاهد العنف في المجال الخاص من قبل الزوج تجاه الزوجة مرات والأخت والابنة مرات أُخر، وهي المشاهد الأكثر وحشية وقسوة في هذا السياق، ربما لما يفترض من خصوصية وقدسية العلاقات الأسرية. بل لم يقتصر الأمر عند هذا الحد إذ كان للشريك السابق نصيب.
“أنا عصبي وهي مفهمتنيش”
من مرام ابنة التجمع التي تعمل مدرسة بإحدى المدارس الدولية، والتي تركها زوجها خمسة أيام دون علاج، بعد أن اعتدى عليها بالضرب المبرح والخنق؛ مسببا قطعا يتجاوز الـ8 سم بالبلعوم، توفت على إثره ليردد الزوج أثناء التحقيقات “أنا شخص عصبي وهي مفهمتنيش”.
“رغاية”
إلى ميادة ضحية سوهاج التي أجبرها زوجها على شرب مادة حارقة– بوتاس– بعد وصلة تعذيب، ما تسبب في إصابات بالغة، نجت منها بأعجوبة، كما قال الأطباء، وبرر الزوج فعلته، بأن “زوجته سلوكها مش مظبوط ورغاية وطلباتها كتير”.
“حقي الشرعي”
أما أميرة ابنة كفر الدوار صاحبة الثامنة عشر عاما، لم تكن تعلم أنها ستموت صعقا بالكهرباء عبر سلك موصول بفيشة الكهرباء على يد زوجها– ابن خالتها– بعد أن قام بتقييد يديها وقدميها بحبل وإيشارب بغرفة النوم؛ مبررا ذلك بأنها لا تمنحه حقة الشرعي.
مرام وميادة وأميرة وغيرهن من النساء اللاتي وقعن ضحايا لعنف زوجي بطرق وحشية، في دلالة على أن العنف لم يعد مقتصرا على طبقة بعينها، فلم تنج مرام من زوجها الأعلى تعليما، والأكثر ثقافة وتطورا وانفتاحا في المجتمع، ولم تفلت أميرة من ابن خالتها العامل الزراعي.
جرائم شبيهه متزامنة، جرت خلال عام 2024، ليبلغ إجمالي جرائم العنف الأسري 540 حالة، في مشهد تتصدر خلاله معدلات العنف ضد النساء والفتيات، وتتنوع الحالات ما بين القتل والضرب المسبب لجروح وعاهات والتحرش الجنسي وصولا للاغتصاب.
وعادة ما يبدأ العنف بإيذاء جسدي وصولا للقتل، فأغلب ضحايا العنف الزوجي لديهن تاريخ من التعذيب الجسدي والنفسي على يد الجناة.
تشير الإحصائيات وفقا لبيان المسح المصري، أنه تصاب أربع سيدات من بين كل عشرة تعرضن للعنف من قبل الزوج، وكانت أكثر الإصابات شيوعا، هي الجروح بنسبة 33%، والحروق وإصابات العيون وخلع المفصل بنسبة 14 %، وتعرضت 9 % لجروح غائرة أو كسور في العظام والأسنان.
ليس الأزواج وحدهم
الارتفاع المطرد في وقائع العنف، لم تكن الزوجات فقط ضحاياه، فإن كانت العديد من الأبحاث والتقارير التي تصدرها منظمات حكومية وغير حكومية تشير إلى ارتفاع كبير في أعداد الضحايا، إلا أن بالنظر لتلك الوقائع، نجد أن الأبناء من الإناث والأخوات الشقيقات، طالتهم يد العنف كذلك، فخرطوم المياه والسلك الكهربائي، كان كفيلا بإنهاء حياه سلمى صاحبة الـ 13 عاما على يد والدها وشقيقها لشكهما في سلوكها.
فمشاعر الأبوة أو الأخوة لم تردع الأب أو الأخ الجاني عن تعذيب سلمي بخرطوم المياه، ثم صعقها بسلك الكهرباء بعد توصيلة بجسدها؛ ليردد الأب بعد ذلك” كنت أقصد تأديبها”.
وللشريك السابق نصيب
لا يتوقف عنف الأزواج السابقين على العنف الاقتصادي بمنع النفقة أو العنف غير المباشر بأبعاد الأبناء عن الأم، بل يتجاوز العنف ذلك، ففي سبتمبر 2024 انتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه رجل يجر سيدة من شعرها من منزلها، ويعتدي عليها بالضرب قبل أن يخرج سكينا، ويقوم بقطع شعرها وإحداث إصابات بها في محاولة للعودة إليه بعد لجوئها لمنزل والدها.
تقول دنيا– مش أول مرة يضربني وضربه كله يموت، ورماني قبل كدة على الطريق بالليل، وأنا غرقانه في دمي واخد ابني مني.
تاريخ صادم من العنف الزوجي
بعام 2015، أشارت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إلى أن ثلث النساء في مصر تعرضن للعنف مرة واحدة على الأقل خلال فترة في حياتهن.
وفي يناير 2025 أصدر المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية والمجلس القومي للمرأة دراسة مشتركة، كشفت عن أرقام تشير إلى زيادة العنف ضد النساء، حيث تعرض 75 % من النساء للعنف، بينما يتعرض 80 % للتحرش.
إسبانيا هي الحل
يعد العنف الجسدي هو أكثر صور العنف الزوجي انتشارا، حيث تعرضت على الأقل 26 % من النساء المتزوجات، أو من سبق لهن الزواج لبعض صور العنف الجسدي مرة واحدة على الأقل، ومن بين صوره الصفع والضرب، ويأتي الخنق والحرق كأحد أبرز أشكال العنف المفرط.
عنف رقمي بطلته ميار الطالبة الجامعية التي تعدي عليها شقيقها بالضرب المبرح، والاب بالسب، لاحتجازها في المنزل، وذلك بسبب قيام زميلها بالدراسة، والتي كانت تربطه بها علاقة عاطفية بنشر محادثتهما وصورها الشخصية.
الصورة الأخرى من العنف، تأتي في إطار اقتصادي، ومنه عانت منال ضحية زوجها التي تركها زوجها هي وأبنائها لمدة عامين، متخلفا عن سداد نفقاتهم ومصروفات المدرسة، وعنف غير مباشر متمثل في استهداف الأطفال لإيذاء الأمهات نفسيا.
تلك الأنماط ربما كانت الدافع وراء قتل إحداهن، وربما دفع أخرى للانتحار، في ظل افتقار الهيكل التشريعي المصري لقانون، يكافح العنف ضد المرأة فحتى الآن، لم يصدر القانون الموحد لمناهضة العنف ضد المرأه بعد سنوات من المناقشة.
أبرز الأمثلة على قوانين مكافحة العنف ضد المرأة القانون الإسباني، فقد اعتمدت إسبانيا منذ 20 عاما قانونا شاملا لمكافحة العنف ضد المرأة، وشكل هذا التشريع أول قانون أوروبي، يضع إطارا شاملا للتصدي للعنف ضد النساء، كما عمل على توفير حماية شاملة للضحايا، تضمنت محاكم متخصصة ومساعدة قانونية مجانية إضافة لأساور الكترونية لمنع المعتدين من الاقتراب من ضحاياهم. فهل تقتدي مصر بإسبانيا؟