قرر السودان إقامة دعوى ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية؛ بسبب جرائم قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، التي تدعمها أبوظبي، وتشمل الإبادة الجماعية والقتل وسرقة الممتلكات والاغتصاب والتهجير القسري والتعدي على ممتلكات الغير وتخريب الممتلكات العامة وانتهاك حقوق الإنسان.
قال السودان في دعواه، إن الإمارات “متواطئة في الإبادة الجماعية ضد مجموعة المساليت في دار فور من خلال توجيهها وتقديمها دعما ماليا وسياسيا وعسكريا واسع النطاق لميليشيا قوات الدعم السريع المتمردة”.
مجموعة “المساليت” تعود إلى دار مساليت، وكانت سلطنة منفصلة بذاتها، وتم ضمها إلى الدولة السودانية بعد اتفاق جرى بين زعيمهم والحكومة الفرنسية والإدارة البريطانية بالسودان، في سبتمبر من عام 1919، وتعرضوا أخيًرا لهجمات دامية من الدعم السريع، أدت إلى مقتل أكثر من 800 شخص.
في غضون عام واحد من القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، كان هناك 6.8 ملايين شخص نازحين داخليًا، ومليوني شخص فروا من البلاد، و24.8 مليون شخص، أي ما يقرب من نصف السكان، في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية.
ماذا يريد السودان في دعواه؟
طلب السودان من المحكمة اتخاذ تدابير مؤقتة لحين صدور حكم نهائي في القضية من بينها وقف الجرائم ضد المساليت والتوقف عن قتل أعضائها، أو إلحاق الأذى الجسدي والعقلي الخطير بهم، مؤكدة أن الإمارات قامت بإخضاع المجموعة عمدًا عبر ظروف معيشية يُقصد بها إهلاكها الفعلي كليًا أو جزئيًا، حتى وصل الأمر لفرض تدابير تهدف إلى منع الإنجاب بين المساليت.
يواجه مليونان ونصف المليون سوداني شبح الموت، لأسباب تتعلق بالجوع بسبب المعارك في دارفور، وهذا ضعف عدد من ماتوا جوعاً بكمبوديا على مدى أربع سنوات، وضعف عدد من ماتوا في المجاعة التي ضربت إثيوبيا في الفترة 1983- 1985، والتي ألهمت تسجيلاً خيرياً بعنوان “نحن العالم”.
إن التوسع الهائل في عدد المقابر في منطقة دارفور بالسودان والإبادة التي تتسم بها الحرب الأهلية في السودان، أمر من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد، إذ يقول مارتن جريفيث، المسئول الإنساني الأعلى في الأمم المتحدة: “لا أعتقد أننا شهدنا من قبل مثل هذا العدد من الناس المعرضين لخطر المجاعة”.
من السرية إلى العلن
بحسب “نيويورك تايمز” فإن الإمارات ظلت تدعم سراً قوات الدعم السريع، من أجل السيطرة على ثالث أكبر دولة في أفريقيا، كما تستخدم أحد أشهر رموز الإغاثة في العالم، وهو الهلال الأحمر، نظير الصليب الأحمر، كغطاء لعمليتها السرية لإرسال طائرات بدون طيار إلى السودان وتهريب الأسلحة إلى المقاتلين، كما تظهر صور الأقمار الاصطناعية.
لكن الإماراتيين لم يعودوا يأبهون بالسرية، إذ يطلقون طائرات بدون طيار صينية الصنع “وينج لونج 2″، من مطار عبر الحدود في تشاد، بعدما قامت أبوظبي بتوسيعه إلى مطار عسكري مجهز تجهيزاً جيداً ببناء حظائر للطائرات، وتركيب محطة تحكم بالطائرات بدون طيار.
يقول المسئولون الأمريكيون، إن الإماراتيين يستخدمون المطار الآن لتسيير طائرات عسكرية بدون طيار متقدمة لتزويد قوات الدعم السريع بمعلومات استخباراتية عن ساحة المعركة، ومرافقة شحنات الأسلحة إلى المقاتلين في السودان لمراقبة الكمائن، بجانب بناء مستشفى بجوار المطار يعالج مقاتلي قوات الدعم السريع الجرحى.
الإمارات العربية المتحدة لديها قوات مسلحة مجهزة تجهيزا عاليًا، لكنها تفضل، أن يقاتل المرتزقة والميليشيات من أجل مصالحها- وهو النهج الذي أثبت جدواه في اليمن والسودان.
الإمارات تمنح الدعم السريع مزايا في حرب الجو
جيه مايكل دام، زميل بارز في معهد ميتشل للدراسات الجوية ومقره فرجينيا، يقول إن الطائرة “وينج لونج” يمكنها الطيران لمدة 32 ساعة، ويبلغ مداها 1000 ميل، ويمكنها حمل ما يصل إلى 12 صاروخًا أو قنبلة، كما توفر المراقبة وتحديد الأهداف في ساحات المعارك.
يضيف دام، أن تلك المزايا تتضمن بعد الإقلاع من القاعدة، توجيه الطائرات بدون طيار عن بعد من الأراضي الإماراتية، كما يقول الخبراء، كما تم رصد تلك الطائرات، وهي تقوم بدوريات في السماء فوق مدينة الفاشر السودانية، حينما كانت محاصرة من قوات الدعم السريع وأهلها، يواجهون شبح المجاعة. والفوز بمدينة الفاشر مُهم، إذ يمنح المسيطر عليها سيطرة فعلية على معظم الولايات الواقعة إلى الغرب من نهر النيل، والتي تمثل أكثر من نصف مساحة وسكان وموارد السودان.
لماذا تدعم أبوظبي حميدتي؟
الإمارات في سبيل تنفيذ أجندتها الخاصة في السودان، دعمت الفريق محمد حمدان (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، حتى حينما عُيِّن نائباً لرئيس المجلس الانتقالي، ووفَّرت له قُدرات وإمكانيات وعلاقات إقليمية، لا سيما مع إسرائيل ومجموعة “فاجنر” الروسية.
بحسب وكالة السودان للأنباء (سونا)، تم ضبط عدد من الأسلحة والقِطَع العسكرية وأجهزة الاتصال والتجسُّس إماراتية المصدر، إضافة إلى عدد من وثائق الهُوِيَّة لشخصيات إماراتية، عُثر عليها في مناطق، شهدت معارك داخل السودان.
تريد الإمارات من حربها السيطرة على المواني الرئيسية بالسودان على ساحل البحر الأحمر، والتي فشلت على مدار سنوات في إيجاد موطئ قدم بها. وبدأت الإمارات خطتها بالميناء الجنوبي المتخصص في استقبال الحاويات، وفي عام 2019، شاركت فيه شركة فلبينية والإمارات، لكن المشروع فشل، بعد أن انخرط عمال المواني في احتجاجات شعبية.
في ديسمبر 2022، تم توقيع اتفاق بين الحكومة السودانية وتحالُف إماراتي، يضم شركتَيْ “مواني أبوظبي” و”إنفيكتوس للاستثمار” التي يديرها رجل الأعمال السوداني أسامة داود، لتطوير ميناء “أبو عمامة” على ساحل البحر الأحمر باستثمارات، تصل إلى 6 مليارات دولار.
بعد اندلاع الحرب مؤخراً في إبريل 2023، واتهام السلطات السودانية للإمارات بدعم قوات الدعم السريع؟، تم التراجع عن تنفيذ الاتفاقية، ويبدو أن قضية المواني من أهم العوامل الدافعة لتورُّط الإمارات بالسودان في ظل سعي أبوظبي للسيطرة على مواني إفريقيا كلها.
ذهب السودان
رغبة الإمارات في السيطرة على ذهب السودان من ضمن الأسباب الرئيسية لدعمها “حميدتي” الذي سيطرت قواته على جبل عامر الذي تتراوح احتياطات جبل عامر بين 500 إلى 1550 طنًا من الذهب، فيما يتراوح إنتاجها السنوي بين 90 و120 طنًا في العام، ما جعلها تحتل المرتبة الثالثة إفريقيًا في إنتاج الذهب.
تمتلك شركة “الجنيد” حسابًا بنكيًا باسمها في بنك أبوظبي الأول، حيث يتم تسديد الدفعات النقدية جراء تصدير الذهب من خلاله، وفقًا لمنظمة جلوبال ويتنس. ويُصدر السودان من الذهب سنويًا، ما يصل قيمته إلى 16 مليار دولار، تستحوذ الإمارات على 99% منها.
في تقرير للأمم المتحدة، تم تهريب أكثر من 4.5 مليارات دولار من السودان إلى الإمارات العربية المتحدة بين عامي 2010 و2014، وارتفع الذهب من 1٪ من إجمالي الصادرات السودانية عام 2008 إلى 30٪ في عام 2014، وكانت الإمارات هي الوسيط لدخول الذهب المصدر عبر البنك المركزي السوداني، وكذلك المهرب من ميليشيات دار فور إلى سلاسل التوريد العالمية.
الإمارات تطمع بالتحكُّم في إنتاج الذهب السوداني فوفقًا لمؤسسة “جلوبال ويتنس”، المتخصصة في الأبحاث الاستقصائية، قامت شركة “كالوتي”، التي تدير مصفاة للذهب، وتتخذ من الإمارات مقرّاً لها، باستيراد ذهب السودان الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع.
كما أكدت التقارير ذاتها، أن دولة الإمارات استولت بتلك الطريقة على 50 طناً من الذهب عَبْر حميدتي، والتي تزيد قيمته عن 1.3 مليار دولار سنوياً، وذلك خارج إطار وزارة المالية، فالحصول على الذهب المنهوب من السودان مصدر مهمّ للاقتصاد الإماراتي، وأسهم في تعزيز نفوذها.
تعتبر الإمارات، اللاعب الأجنبي الأكثر استثمارًا في الحرب، ففي الواقع، لولا دعمها المباشر والشامل، لما كانت قوات الدعم السريع قادرة على شن الحرب بنفس القدر وارتكاب نفس الجرائم التي تقوم بها حاليًا.