منذ اندلاع الحرب في السودان في الخامس عشر من إبريل عام 2023، تدفق الملايين من اللاجئين السودانيين إلى مصر، التي أصبحت الملاذ الأول للفارين من العنف والدمار. ومع تزايد أعداد اللاجئين، باتت الحاجة إلى الدعم الإنساني أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. إلا أن إعلان الولايات المتحدة في العشرين من يناير تعليق مساعداتها الإنسانية، شكل صدمة كبيرة، حيث اعتمدت مجموعات من اللاجئين السودانيين قبل وبعد اندلاع الحرب بشكل رئيسي على هذه المساعدات لتأمين احتياجاتهم الأساسية، بدءًا من الغذاء والسكن، وصولًا إلى الرعاية الصحية والتعليم.
كانت الولايات المتحدة المانح الأكبر لبرامج مفوضية شؤون اللاجئين، حيث مثلت مساعداتها، ما يقارب 90% من التمويل الذي تحصل عليه المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمات غير الحكومية. ومع توقف هذا التمويل، اضطرت العديد من هذه المنظمات إلى تقليص برامجها أو حتى إيقافها بالكامل، ما أدى إلى تعليق المساعدات النقدية التي كانت تقدم لحوالي 150 ألف لاجئ سوداني في مصر، والذين كانوا يعتمدون على مبلغ 1500 جنيه مصري شهريًا لكل فرد لمساعدتهم على تدبير أمورهم المعيشية. ونتيجة لذلك، أصبحت آلاف الأسر غير قادرة على توفير الغذاء، مما زاد من معدلات الفقر والجوع في صفوف اللاجئين، وأدى إلى طرد البعض من مساكنهم لعجزهم عن دفع الإيجار .
أفادت “ست النعيم” لاجئة سودانية مقيمة بمنطقة المعادي، أنها قدمت إلى مصر منذ العام 2010، بعد دوامة أحداث عنف في ولاية النيل الأزرق، وطاب لها المقام في مصر بعد التسجيل في مفوضية اللاجئين، وكانت تتلقى شهريا مبلغ ٩ آلاف جنيه مصري لها ولعائلتها، بالإضافة لمساعدات إيجار شقتها والرسوم الدراسة. وبالسؤال عن توقف المساعدات، أفادت أن شهر ديسمبر 2024، كان آخر شهر تتلقى فيه مساعدات وعرفت بالمساعدات الشتوية ومنذ ذلك الحين توقفت المساعدات بالرغم من مرورها الشهري بمكتب البريد لفحص وصول المساعدات المالية، ولكن دون فائدة. أضافت “ست النعيم”، أنها تواجه ضائقة مادية وستعجز عن دفع إيجار الشقة، إذا لم تصل المساعدات خلال الشهر القادم.
الصحة ليست بخير
لم يكن الوضع الصحي بمنأى عن تداعيات تعليق التمويل، حيث شهدت الخدمات الطبية المقدمة للاجئين تدهورًا ملحوظًا، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، فضلًا عن تفاقم معاناة النساء الحوامل والأطفال الذين كانوا يحصلون على رعاية طبية محدودة أساسًا.
وعلى الرغم من اعتماد المجتمع السوداني على مبدأ التكافل بين أفراد الأسرة وإعالة بعضهم عبر المغتربين السودانيين، ولكن هذا لا ينطبق على جميع المجتمعات السودانية، وخاصة تلك المجموعات التي استقرت في مصر قبل اندلاع الحرب، وصار اعتمادهم كليا على المساعدات التي تقدمها المفوضية. وفي هذا الخصوص أفادت سناء، وهي أم لطفلين تقيم بمنطقة فيصل المكتظة بالسودانيين، أنها ومنذ أن قدمت لمصر في أكتوبر 2023 كانت تتلقى مساعدات عبر منظمة كاريتاس عبارة عن مبلغ مالي ثابت قدره 6570 جنيها مصريا، يعيلها على دفع إيجار شقتها وعلى الرغم من عمل “سناء” بمهنة التدريس في إحدى المدارس السودانية بالقاهرة، لكن فقدت نصف دخلها الشهري مما اضطر بها للانتقال إلى شقة أقل لمواجهة توقف المساعدات.
تأثرت مجتمعات اللاجئين السودانيين في مناطق عين شمس والعاشر من رمضان وأكتوبر بشكل أوسع بقرار تعليق المساعدات بوصفها أضعف المجموعات من بين التكتلات السودانية في مصر بشكل عام.
إن تعليق المساعدات الأمريكية لا يشكل فقط أزمة إنسانية، بل هو خرق واضح للالتزامات الدولية التي تفرض على الدول المانحة حماية الفئات الأكثر ضعفًا في أوقات الأزمات. ومن هنا، فإن المسئولية تقع على عاتق المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية للضغط على الولايات المتحدة باستثناء المساعدات الإنسانية من قرارات التعليق، والعمل على إيجاد حلول بديلة لضمان استمرار تدفق الدعم للاجئين السودانيين في مصر.