في تطور للأحداث في إقليم كردفان، شنت قوات الدعم السريع الأحد 9 مارس هجومًا غير مبرر على مدينة الخوي بولاية غرب كردفان، التي ظلت طوال فترة الحرب منذ إبريل 2023 بعيدة عن أي مواجهات عسكرية. المدينة، التي كانت آمنة ومستقرة، تحولت خلال ساعات قليلة من الهجوم، إلى مدينة أشباح، بعد أن اقتحمتها قوة مكونة من 35 عربة قتالية، وبدأت في إطلاق النار بشكل كثيف، ما أثار الذعر بين السكان وأجبرهم على الفرار حفاظًا على أرواحهم.

لم يكن هذا الهجوم مجرد عملية عسكرية، بل كان جريمة منظمة استهدفت تدمير المدينة ونهب ممتلكاتها. اقتحمت القوات سوق المدينة، ونهبت جميع المحال التجارية، وسرقت شاحنات محملة بالبضائع، ودراجات نارية ومركبات خاصة، كما داهمت بعض المنازل القريبة من السوق ونهبتها بالكامل. لم تتوقف الانتهاكات عند السرقة، بل تجاوزتها إلى العنف الوحشي، حيث قتلت القوات 10 مواطنين على الأقل بدم بارد، بينهم عبد اللطيف بوي، وحمد تورشين، وغذافي إبراهيم، ومصعب محمد حمد.

ولم يكن القتل هو الفظاعة الوحيدة، بل أقدمت قوات الدعم السريع على إحراق منزل أحد المواطنين، في مشهد يعكس أساليبها الانتقامية المعتادة تجاه كل من يحاول الدفاع عن نفسه. تشير المعلومات إلى أن صاحب المنزل قاوم الهجوم وقتل أربعة من عناصر المليشيا، قبل أن يتم استهدافه وحرق منزله بالكامل.

قوات الدعم السريع أقدمت على إحراق منزل أحد المواطنين
قوات الدعم السريع أقدمت على إحراق منزل أحد المواطنين
قوات الدعم السريع أقدمت على إحراق أحد منازل المواطنين
قوات الدعم السريع أقدمت على إحراق أحد منازل المواطنين

ما يجعل هذا الهجوم أكثر وحشية، أنه استهدف مدينة لا علاقة لها بالعمليات العسكرية، ولا وجود للجيش فيها. ظلت الخوي على مدى أكثر من عام ونصف خارج دائرة الصراع، وهو ما يثبت أن قوات الدعم السريع لم تكن تستهدف أهدافًا عسكرية، بل كان هدفها الرئيسي هو ترويع المدنيين ونهب ممتلكاتهم، في استمرار لنهجها القائم على الإحراق بهدف الانتقام.

ادعاءات

الهجوم على الخوي، كشف زيف الادعاءات التي تروجها قوات الدعم السريع بشأن علاقتها ببعض المكونات الاجتماعية في السودان. فالمدينة تُعد موطنًا لقبيلة الحَمر أو (دار حَمر) التي طالما ادعت الدعم السريع، أنها جزء من قاعدتها الاجتماعية، خاصة سيطرتها على عاصمة محلية الخُوي، وهي الفولة، التي تسيطر عليها منذ اندلاع الحرب عبر قائدها (برشم)، وهو أحد القادة الذين ارتكبوا انتهاكات في الخرطوم ودار فور، كذلك تستند الدعم السريع إليها في عمليات التجنيد. إلا أن الهجوم على المدينة ونهبها وقتل أبنائها، أكد أن هذه القوات لا تحمي أي مجتمع، بل تنفذ مخططاتها الإجرامية دون تمييز، وأن علاقتها بالمكونات القبلية ليست سوى استغلال مرحلي لا يتجاوز المصالح الآنية.

الصورة حسين برشم - قائد الدعم السريع في غرب كردفان
الصورة حسين برشم – قائد الدعم السريع في غرب كردفان

الصورة | حسين برشم- قائد الدعم السريع في غرب كردفان

وفي تطور متزامن، شنت قوات الدعم السريع قصفًا عشوائيًا عنيفًا على مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، في محاولة يائسة للانتقام بعد نجاح الجيش السوداني في فك الحصار الذي فرضته المليشيا على المدينة لأكثر من عام. جاء القصف العشوائي، بعد أن تمكن الجيش من استعادة السيطرة على مدينتي أم روابة والرهد، وتقدمه نحو مناطق واسعة في ولايتي شمال وغرب كردفان.

نجاحات الجيش الأخيرة، لم تتوقف عند هذه المناطق، بل امتدت إلى جنوب كردفان، حيث شهدت مدينة بارا معارك عنيفة، كما اندلعت اشتباكات في مدينة الدبيبات على الطريق الرابط بين شمال وجنوب كردفان. تحاول قوات الدعم السريع عرقلة تقدم الجيش عبر استهداف المدنيين وتدمير المدن المحررة، إلا أن هذه الاستراتيجية لن تؤدي إلا إلى زيادة عزلة الدعم السريع التي باتت مكشوفة تمامًا أمام السودانيين.

الاعتداء على مدينة الخوي والقصف العشوائي لمدينة الأبيض، يمثلان امتدادًا لسلسلة طويلة من الجرائم التي ترتكبها قوات الدعم السريع التي تدعي زورًا، أنها تدافع عن فئات معينة، لم تتورع عن مهاجمة مدينة آمنة، كانت تعد جزءًا من نسيجها الاجتماعي، مما يؤكد أنها باتت في مواجهة شاملة مع جميع السودانيين، دون أي اعتبار للعلاقات القبلية أو الجغرافية.

الجيش السوداني، الذي يواصل تقدمه في كردفان، مطالب أيضًا بمضاعفة جهوده لحماية المدنيين وتأمين المناطق المحررة، لضمان عدم تكرار هذه الجرائم. السودانيون الذين أثبتوا صمودهم في وجه هذه الفوضى، يدركون اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن قوات الدعم السريع ليست سوى تهديد وجودي لأمنهم واستقرارهم. وأنه لا أمان لها ولا لما تعلنه من ادعاءات، فما يهمها هو النهب حتى لو سلكت في سبيل ذلك التدمير والإحراق لمن ادعت ذات أيام أنهم جمهورها وقاعدتها.