كتبت- إيمان رشدي
بعبارة واحدة نساء فلسطين هن شهيدات على قيد الحياة والمقاومة.. ولا يبدلن تبديلا.
لم يمنع القصف الإسرائيلي والافتقار الشديد للموارد، الطبيبة شيرين عابد، من رعاية الأطفال حديثي الولادة في غزة.
شيرين التي نزحت من منزلها بعد بدء الحرب الإسرائيلية في غزة أكتوبر 2023، حيث دُمرت شقتها، لكن أخصائية طب الأطفال حديثي الولادة استمرت في رعاية الأطفال بمخيمات النازحين.
أنشأت شيرين بروتوكولات الطوارئ؛ لتمكين الأطباء من تقديم العلاجات المنقذة للحياة بموارد محدودة للغاية، كما دربت أطباء آخرين، بالاستناد إلى سنوات خبرتها في وحدات الأطفال حديثي الولادة في المستشفيات الرئيسية في غزة، ومؤخراً كمديرة لمركز الأمومة في مجمع الشفاء الطبي.
أجبرتها الظروف على مغادرة غزة مع ابنتيها، لكنها ما زالت تواصل مساعدة الأطباء عن بعد.
ولم توقف الحرب المهندسة إيناس الغول، التي سخرت مهاراتها؛ لمواجهة نقص المياه الحاد في غزة؛ نتيجة الحرب، وابتكرت جهازا لتحلية المياه بالطاقة الشمسية باستخدام مواد معاد تدويرها كالخشب والزجاج، ما يجعل مياه البحر صالحة للشرب.
يوم المرأة العالمي الذي يخصصه العالم للاحتفال بإنجازات النساء في مختلف أنحاء العالم، يتحول في غزة ليوم يعكس المعاناة والألم.
بلغت نسبة النساء 49% من إجمالي عدد السكان في فلسطين مع نهاية العام 2024، بما يعادل 2.71 مليون أنثى، توزعن بواقع 1.65 مليون في الضفة الغربية و1.06 مليون في قطاع غزة.
وتلعب المرأة الفلسطينية دوراً حيوياً في مختلف مجالات الحياة، كما أنها ركيزة مهمة في تعزيز الصمود الوطني ومواجهة التحديات التي يفرضها الواقع الفلسطيني.
تعرضت النساء مع أزواجهن وأشقائهن، وأطفالهن خلال الحرب للقصف الهمجي والمجازر اليومية، والتهجير والإبعاد، والاعتقال والتعذيب في السجون، والحرمان من أبسط حقوقهن الإنسانية.
بين جحيم العدوان وتحديات إعالة الأسرة.. الثائرة والأسيرة والشهيدة
تقول أم أحمد أبو عيادة، التي تعيش داخل خيمة، وهي تعد طعام الإفطار لأطفالها الأربعة بعد وفاة زوجها: “أقضي يومي في جلب الماء وجمع الحطب، بعدما توفي زوجي؛ بسبب مرض السرطان خلال الحرب، نتيجة لعدم وجود جرعات كيمياوية لعلاجه، ولم يكن لدينا القدرة على توفير الرعاية اللازمة له”.
وتسرد مأساتها؛ بسبب الظروف الصعبة جراء الحرب، فتقول حرمت من أبسط احتياجاتي الأساسية، فاتجهت للعمل بمشروع صغير لتوفير أبسط احتياجات عائلتي، فأنا الآن عائلهم الوحيد.
وأشارت إلى أنها بعيدة عن أهلها المتواجدين بمصر الذين غادروا للعلاج، ولم يعد هناك تواصل بسبب انقطاع الكهرباء والإنترنت.
تمثل النساء الفلسطينيات أيقونات للمرأة، إذ يتحملن العبء الأكبر في رعاية أسرهن وسط بيئة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.
وسط خيام تفتقر للحد الأدنى من الخصوصية أو الأمان، ما يعمق من الأزمة الإنسانية، ومع غياب البنية التحتية الأساسية، تتفاقم الصعاب، وتعيش النساء تحت وطأة ظروف غير إنسانية من البرد القارس أو الحرارة الشديدة مع محدودية الوصول للرعاية الصحية والخدمات الأساسية، ما يجعلهن في تحدي مستمر للبقاء على قيد الحياة.
..كلهن مقاومات
تقول أماني رفيق أم لـ8 أبناء، بملامح ذابلة وعيون غارقة بالدموع، استشهد زوجي، وتركني أنا وأطفاله نواجه قسوة الحياة، فنحن 9 أفراد، ننام على 4 فرشات، و4 أغطية، ولا يوجد غاز، ويجمع أبنائي الورق والنايلون والكرتون وقطع البلاستيك لإشعالها لطهو العدس أو المعكرونة في الوقت الحالي بخيام النازحين.
يقاومن وسط خيام، ومدارس تؤويهن بعد تدمير منازلهن، في ظل ظروف قاسية، منهن من فقدت زوجها، والأخرى أبناءها، وأخريات يعانين من إصابات دون توفر العلاج اللازم.
أدت الحرب على القطاع إلى مقتل آلاف النساء، وإجبارهن على النزوح المستمر على مدار 16 شهرا، فضلا عن حرمانهن من الحد الأدنى من أبسط الاحتياجات الأساسية، مثل المسكن، والغذاء، وغياب الرعاية الصحية.
..وأسيرات
على الجانب الآخر، قال نادي الأسير الفلسطيني في بيان له، إن الاحتلال اعتقل أكثر من 490 من النساء منذ بدء حرب الإبادة على الفلسطينيين، ويتضمن هذا الرقم النساء اللواتي تعرضن للاعتقال في الضفة بما فيها القدس، وكذلك النساء من الأراضي المحتلة عام 1948، فيما لا يوجد تقدير واضح لأعداد النساء اللواتي، اعتقلن من غزة.
وأضاف النادي في بيانه، أن المعتقلات “بينهن 33 أما، و25 طالبة جامعية، و6 صحفيات، ومحاميتان، ومن بين الأسيرات زوجات لأسرى وأمهات لأسرى وشهداء وشقيقات لشهداء.
مع العلم، أن تلك الأرقام تتغير بشكل يومي؛ نتيجة لحملات الاعتقال المتواصلة، وهي تشمل من اعتقل وأبقى الاحتلال على اعتقاله ومن أفرج عنه.
كما أوضح النادي في بيانه، أنه مع الاجتياح البري لغزة، نفذ الاحتلال عمليات اعتقال واسعة للنساء من غزة منهن قاصرات ومسنات، احتجزهن في معسكرات تابعة للجيش.
فيما قالت مديرة أكاديمية المسيري للبحوث والدراسات في قطاع غزة الباحثة- إسلام شحدة، إن “أفظع ما تتعرض له المرأة الفلسطينية بشكل خاص هو التحقيق والتفتيش العاري، والاعتقال وإهانة إنسانيتها دون مراعاة لاحتياجاتهن الخاصة”. في انتهاك صارخ لكل الأعراف والمواثيق الدولية، مما يكشف ازدواجية المعايير.
وذكرت أن نساء فلسطين يقمن بمهام عديدة من تربية وتوعية وتنشئة ورعاية، كما أنهن يسهمن في “مقاومة سياسة الاحتلال بالاعتكاف في المسجد الأقصى، والوقوف في مقدمة الصفوف التي تواجه مخططات التهويد”.
أبناؤهن يستشهدن أمام أعينهن
تحكي تغريد ” الطبيبة الفلسطينية ” عن معاناتها بعد استشهاد مولودها، كنت حاملا في بداية شهري الثامن حين شن الاحتلال الإسرائيلي حربه على قطاع غزة، وبدأت معاناتي يوم 27 أكتوبر 2023، عندما وضعت، فقد تم وضع مولودها على جهاز التنفس الصناعي؛ بسبب عدم نضوج في الرئتين وعدم توفر الأدوية جراء الوضع الأمني في غزة، إلى أن توفي بعد قصف المستشفى.
وفي مشهد مأساوي آخر، تفاجأت الممرضة غادة أبو عيدة بوجود ابنتها على حمالة المصابين أثناء عملها بالمستشفى الأندونيسي، فانهارت بالصراخ إلى أن فقدت الوعي.
أما عن النساء اللاتي استشهدن منذ بدء العدوان، فقد بلغن 12 ألفا و298 شهيدة وفقا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، حيث شكل النساء والأطفال مجتمعين ما نسبته 70% من إجمالي الشهداء.
وتشكل النساء والأطفال ما نسبته 69% من إجمالي الجرحى البالغ عددهم 111 ألفا و759 جريحاً، كما أن 70% من المفقودين في قطاع غزة؛ نتيجة العدوان الإسرائيلي، هم من النساء والأطفال، حيث بلغ عددهم 14 ألفا و222 مفقوداً.
أما في الضفة الغربية، فقد استشهد 923 مواطناً، بينهم 26 شهيدة، منذ السابع من أكتوبر 2023؛ بسبب اعتداءات قوات الاحتلال والمستوطنين.
وتشير التقارير الواردة من قطاع غزة، إلى أن ما يقارب مليوني شخص اضطروا للنزوح من منازلهم خلال الحرب على القطاع، نصفهم من النساء.
في ظل هذه الظروف الإنسانية القاسية، تواجه 13 ألفا و901 امرأة فلسطينية واقعا مأساويا، بعد فقدان أزواجهن؛ نتيجة حرب الإبادة الجماعية، ليصبحن المعيلات الوحيدات، لأسر حرمت من عائلها الأساسي.
أعباء ثقيلة تتحملها هؤلاء النساء لتأمين لقمة العيش ورعاية الأبناء، في ظل ظروف اقتصادية خانقة تفاقمت بفعل الحصار والدمار.
وإضافة إلى صعوبة الحفاظ على استقرار الأسر، فإنهن يواجهن تحديات مضاعفة في إعالة عائلات فقدت سندها، وتربية أطفال بين أنقاض المنازل، في ظل افتقار الموارد الذي يضاعفه الحصار.
وعلى حد تعبير ممثلة إحدى المنظمات التي تقودها النساء ” المسألة ليست فيما تحتاج إليه المرأة، وإنما ما الذي لا تحتاج إليه نساء لا يردن الموت، ولا يردن دفن أحبائهن، ولا يردن أن يتركن وحدهن ليعانين”.