تواصل الإمارات مساعيها للتوسع أكثر بالقطاع المصرفي المصري بعد حصول بنك “الإمارات دبي الوطني” على الضوء الأخضر من البنك المركزي لبدء الفحص النافي للجهالة بغرض الاستحواذ على “بنك القاهرة. حصل البنك الإماراتي على هذه الموافقة المبدئية بالاستحواذ في هذه الصفقة التي قد تزيد قيمتها عن مليار دولار،  وذلك رغم قيد أسهم البنك بالبورصة منذ عام 2017 وانتظار المستثمرين طرح أسهمه بها.

وتمتلك الإمارات عدة بنوك في مصر من صفقات استحواذ تم توقيعها على مدار قرابة العقدين، فبنك أبوظبي الإسلامي استحوذ على البنك الوطني للتنمية المصري عام 2007، وبنك الإمارات دبي الوطني استحوذ على “بي إن بي باريبا” في 2013.

كما استحوذ بنك أبوظبي الأول على بنك عودة مصر عام 2021، كما استحوذت شركة أبوظبي القابضة على 18% من أسهم البنك التجاري الدولي (سي آي بي)، في 2022.

بخلاف صفقات الاستحواذ، يتواجد بالسوق المصرية أيضًا بنك المشرق مصر، وهو فرع لبنك المشرق الإماراتي، وبنك الاتحاد الوطني– مصر، الذي اندمج لاحقًا مع بنك أبوظبي التجاري.

جدل حول التسعير العادل

يقول الدكتور رمزي الجرم، الخبير المصرفي، إن بنك القاهرة قطعة من تاريخ مصر، وجزء لا يُستهان به من رأس المال الاجتماعي والثروة القومية؛ وما دام كان هناك إصرار ونية على بيعه بعد فشل تلك المحاولة عام 2007، فلماذا تم تَشييد مقر للبنك في العاصمة الإدارية؟ فضلا عن نفقات إعادة تطوير الكثير من فروعه، خصوصًا في مدينتي القاهرة والإسكندرية.

أضاف: لماذا أيضًا تم تغيير اللوجو الذي تَكَلَفَ نفقات باهظة للغاية على خلفية إعدام المطبوعات وكافة الأوراق التي تحمل اللوجو القديم وإعادة تصويرها باللوجو الجديد دون حاجة داعية أو ضرورة قاضية في ظل عدم جاذبية سعر التقييم المُعلن؟.

لم يتم تحديد سعر البيع حتى الآن، لكن مصدر قال لـ”الشرق بلومبرج”، إنه يتوقع إتمام الصفقة خلال شهر ونصف بقيمة تزيد عن مليار دولار، وهو مبلغ يراه الكثير من الخبراء أقل من قيمة البنك الحقيقية.

وتعليقا على ذلك يقول الجرم، إن المليار دولار أمريكي يُعادل 50 مليار جنيه تقريبًا، فإذا كانت الـ50 مليار جنيه تولد ربحية بنحو 12 مليار جنيه بعد الضرائب (يقصد الأرباح التي يحققها البنك سنويًا)، فهذا يعني أنه خلال أربع سنوات أو نحو ذلك، سيتم جمع أكثر من 50 مليار جنيه (يعادل مليار دولار بالأسعار الحالية).

حقق بنك القاهرة أداءً قويًا خلال الربع الثالث من عام 2024، حيث ارتفع صافي أرباح البنك بعد الضرائب إلى 8.6 مليار جنيه، مسجلًا زيادة بنسبة 90% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وجاء النمو مدفوعًا بتحسن أداء البنك بمختلف القطاعات، أبرزها قطاع التجزئة المصرفية، والخزانة، وائتمان الشركات، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.

الدكتور محمود الجرف، المتخصص بالقانون الدولي والقانون الدولي الاقتصادي، يقول إن المستثمرين يعلمون جيداً، ما تمر به مصر من أزمات، فيقدمون عروضاً أقل من قيمة ما تقوم الحكومة بطرحه، ولا يكون أمام الحكومة سوى القبول بغية الحصول السريع على النقد الأجنبي وعدم فقد مستثمر لديه الثقة في الاقتصاد المصري.

ما البديل؟

يقترح الجرم، أن تَتَم عملية الطرح في اكتتاب عام للمصريين بالدولار وليس بالعملة المحلية، وهو اقتراح يلقى قبولا على مستوى واسع من قبل الكثير من الخبراء الاقتصاديين المصريين، خاصة أن بنك الإمارات دبي الوطني امتلك بالفعل “بي إن بي باريبا” في 2013، وامتلاكه بنك، يجعله من الكيانات الضخمة بالسوق المصرية، بجانب رغبة رجال أعمال مصريين كبار في دخول المجال البنكي.

وعبر الملياردير المصري نجيب ساويرس أكثر من مرة عن اهتمامه بالحصول على رخصة بنك في مصر وفقًا للضوابط والمعايير المحددة من قبل البنك المركزي عند السماح بذلك. وقال إنه يسعى إلى امتلاك وحدة مصرفية في مصر، لا سيما أن شركته (أوراسكوم للاستثمار القابضة) تمتلك وحدات مصرفية بالخارج.

أمام عدم تحرك ملف البنك الشامل، عمل ساويرس مع المسئولين بالبنك المركزي المصري لمدة عامين في صياغة قواعد ترخيص البنك الرقمي، إلا أنه تفاجأ بعد صدور قواعد الترخيص بطلب جلب بنك خارجي كشرط لاستصدار الرخصة، ما جعله يعدل عن الرغبة في إنشاء بنك رقمي.

ويقترح الجرف على الحكومة لتوفير النقد الأجنبي دون اللجوء إلى بيع الأصول الحيوية، أن تنشط في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاعات إنتاجية وتحفيز الصادرات وتقليل الاعتماد على الاستيراد العشوائي.        

هل توجد مخاوف؟

رفض مسئول ببنك مصر، وهو المالك لبنك القاهرة، التعليق على الصفقة، لكنه قال إن البنك المركزي يفضل دائمًا أن تكون الكيانات المستحوذة على البنوك خبيرة في الصناعة المصرفية، موضحا أن البنوك الأجنبية (بوجه عام وليس الخليجية فقط)، استطاعت أن توفر سيولة دولارية من فروعها الأم ومساعدة مصر في توفير تمويل بالعملة الصعبة، وساهم بعضها في تقدم العمل المصرفي المصري.

يضيف أن ما تم ترديده أن قيمة صفقة بيع بنك القاهرة لم يتم تحديدها، وأن التقدير سيتم بعد إجراء الفحص النافي للجهالة، وأن البنك المركزي سيختار العرض المناسب، مثلما حدث في صفقة المصرف المتحد التي تم رفض العديد من العروض الأجنبية وطرحه بالبورصة؛ لأنها لم تكن عادلة، واختتم تصريحاته بالتأكيد، على أن الصفقة ستتعلق بـ60% فقط من البنك، وليس 100%.

الأمر ذاته أكده الخبير الاقتصادي هاني توفيق الذي قال، إن تقييم البنوك بالذات له أسس ومعايير متفق عليها دولياً، فهناك أصول وخصوم ومحفظة استثمارات ومديونيات يعاد تقييم جودتها، مضيفًا أنه “على ثقة من جدارة وكفاءة بنك الاستثمار المكلف بالتقييم العادل لبنك القاهرة”.

قام بنك الإمارات دبي الوطني بتعيين شركة بلتون القابضة مستشارا ماليا لصفقة الاستحواذ على بنك القاهرة، وتعيين مكتب معتوق بسيوني مستشارا قانونيا، كما أجرى مقابلات مع مسئولي بنك القاهرة من الإدارة ورؤساء القطاعات للحصول على كل البيانات والاستفسارات اللازمة وذلك قبل أسبوعين، تمهيدا لتقديم عرض شراء للبنك الحكومي.

في المقابل، قام البنك المركزي بتعيين بنك الاستثمار «سي آي كابيتال» مستشارًا ماليًا لبيع البنك، وذلك بعدما أعلن الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، عن استهداف الدولة بيع حصة من بنك القاهرة وبنك الإسكندرية خلال العام المقبل 2025، من خلال طرحهما بالبورصة المصرية أو لمستثمر استراتيجي.

وتابع توفيق: البنوك لا تُقيم بقيمة مبانيها، وإنما بجودة مركز ها المالي وأرباحها المستقبلية، وبنك القاهرة معروض للبيع من التسعينيات، والسعر يجب أن يعادل على الأقل الرقم الذي يحدده مستشارو البيع.