بعد أكثر من خمسين يومًا على اختفائه، تكشفت تفاصيل اعتقال القيادي بحزب التحالف السوداني محمد فاروق سليمان، الذي أوقفته السلطات الإماراتية منذ 19 يناير في مطار دبي أثناء مغادرته. وعلى الرغم من نفي زوجته احتجازه، فإن رفاقه طالبوا بإطلاق سراحه، مؤكدين ضرورة تدخل الحكومة السودانية؛ لإنقاذ حياته وحماية أسرته المقيمة في الإمارات.

يأتي هذا الاعتقال في ظل توتر متصاعد بين بورتسودان وأبوظبي، إذ وجهت الحكومة السودانية التي تتخذ من بورتسودان مقرا لها، على لسان المتحدث الرسمي وزير الإعلام خالد الأعيسر وعضو مجلس السيادة ياسر العطا، اتهامات مباشرة للإمارات بتمويل قوات الدعم السريع، وإطالة أمد الحرب، والسعي لتقسيم السودان. وكان فاروق من أبرز الأصوات المحذرة من خطورة الدعم الإماراتي للمليشيات، إضافة إلى حديثه المتكرر عن دورها في دعم تحالف نيروبي لتشكيل حكومة موازية تسعى لتقسيم البلاد.

محمد فاروق سليمان
محمد فاروق سليمان

الإمارات واستقطاب السياسيين السودانيين

منذ اندلاع ثورة ديسمبر 2018، وسقوط نظام عمر البشير في إبريل 2019، سعت أبوظبي إلى فرض نفوذها على المشهد السياسي السوداني عبر استقطاب قادة الأحزاب السياسية، مستغلة التحولات السياسية لإيجاد شخصيات مطيعة، تنفذ أجنداتها. إلا أن بعض القيادات رفضت الخضوع لهذا النفوذ، ما دفع الإمارات إلى ممارسة ضغوط مباشرة، وصلت حد الإبعاد القسري، كما حدث مع عمر الدقير في 2019، رئيس حزب المؤتمر السوداني الحالي، الذي طُرد من الإمارات رغم إقامته فيها لسنوات.

الملاحظ، أن معظم المعتقلين والمبعدين من الإمارات ليسوا من الإسلاميين، وهو ما ينفي الرواية الإماراتية المتكررة حول استهدافها للإسلاميين فقط، ويؤكد أن سياساتها قائمة على فرض الولاء السياسي وليس الأيديولوجي.

اعتقالات تعسفية تطال السياسيين والنشطاء

لم تقتصر الاستهدافات الإماراتية على القادة السياسيين، بل شملت أيضًا قيادات الطرق الصوفية والنشطاء المستقلين. ومن بين المعتقلين: الشيخ الأمين عمر شيخ الطريقة القادرية المكاشفية (2019)، والصادق صديق ودعة (2007) وهو رئيس المجلس الأعلى للإدارة الأهلية ومحمد علي الجزولي رئيس حزب دولة القانون (إبريل 2019) والمهندس فيصل عاصم (2019) والسيدة إجلال عبد المنعم حسن (2017)،

المهندس فيصل عاصم
المهندس فيصل عاصم
الأستاذ صديق ودعه
صديق ودعة

الشيخ الأمين عمر
الشيخ الأمين عمر
المهندس عمر يوسف الدقير
المهندس عمر يوسف الدقير

هؤلاء وغيرهم تعرضوا للاعتقال دون مذكرات توقيف قانونية أو توضيحات رسمية حول أسباب احتجازهم أو أماكن إخفائهم، لكن العامل المشترك بينهم جميعًا هو رفضهم للسياسات الإماراتية، وعدم تعاونهم مع أجندتها في السودان.

التضييق والمراقبة في الإمارات

كشف عدد من منسوبي الأحزاب السياسية السودانية المقيمين في الإمارات عن تعرضهم لمراقبة مشددة، وتضييقات ممنهجة، وتهديدات مستمرة، ما جعلهم غير متفاجئين باعتقال محمد فاروق، خاصة لمجاهرته بمناهضة سياسات أبوظبي تجاه السودان. وتشير التقارير، إلى أن الإمارات تستخدم مواردها المالية الضخمة للتأثير على مواقف السياسيين وصناع الرأي، كما تتدخل في بنية الأحزاب السياسية عبر دعم شخصيات موالية لها، كما حدث في تحالف نيروبي، مما أدى إلى تغيّر مواقف بعض القادة، مثل برمة ناصر، رئيس حزب الأمة القومي، وإبراهيم الميرغني، الأمين السياسي للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، المقيم في الإمارات فقد قادت ضغوطها لتوقيع الاثنين على ميثاق تحالف نيروبي .

 انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان

إن الممارسات التي تنتهجها الإمارات تجاه السياسيين السودانيين وغيرهم من النشطاء تمثل انتهاكًا واضحًا لحقوق الإنسان والقوانين الدولية. فاحتجاز الأفراد دون إجراءات قانونية شفافة ودون إبلاغ ذويهم أو تمكينهم من حق الدفاع عن أنفسهم، يعد احتجازًا تعسفيًا وفق المادة 9 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على أنه “لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفًا”.

كما أن سياسة الإخفاء القسري التي تتبعها الإمارات، والتي تشمل احتجاز أشخاص دون الكشف عن مصيرهم، تعتبر جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي. وقد وثقت منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية حالات متعددة من الاحتجاز غير القانوني والترحيل القسري في الإمارات، ما يعكس نهجًا ممنهجًا في القمع السياسي.

إضافة إلى ذلك، فإن الضغط على السياسيين السودانيين وتضييق حرياتهم داخل الإمارات يتعارض مع اتفاقيات حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، التي تضمن حق الأفراد في التعبير عن آرائهم السياسية دون خوف من الاعتقال أو التهديد.

بلاك شيلد وخداع الشباب السودانيين

في عام 2020، كشفت فضيحة شركة بلاك شيلد، ومقرها الإمارات، عن نمط آخر من الانتهاكات التي استهدفت السودانيين. حيث قامت الشركة بالتعاقد مع وكالات سفر محلية في السودان للإعلان عن وظائف أمنية في أبوظبي، إلا أن أكثر من 250 شابًا سودانيًا تفاجأوا بعد وصولهم بنقلهم إلى معسكر في ليبيا، حيث تعرضوا للتجنيد القسري، واحتُجزوا لأربعة أشهر، وخضعوا لتدريبات إجبارية. ولولا تدخل السلطات السودانية حينها، لكان مصيرهم مجهولًا.

تشير هذه الوقائع، إلى أن الإمارات لم تكتفِ بدعم المليشيات المسلحة في السودان، بل تتبع سياسة استقطاب وترهيب تجاه السياسيين والنشطاء السودانيين، في محاولة لإعادة تشكيل المشهد السياسي، بما يخدم مصالحها. هذه الممارسات تعكس نمطًا متكررًا من التدخلات الإقليمية التي تسعى لاختراق النسيج السياسي السوداني، وتقويض استقلالية قراره الوطني.

في ظل هذا الواقع، يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن للسودانيين، حكومةً وشعبًا، مواجهة هذه التدخلات، وضمان عدم تحول البلاد إلى ساحة تصفية حسابات لقوى إقليمية ودولية؟