يتسم الموقف الإماراتي بشأن غزة بقدر كبير من الالتباس، فبينما يتم الحديث رسميًا عن دعم خطة الإعمار المصرية بغزة في العلن، يوجد موقف آخر غير رسمي يدعم خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتهجير، بل ويحاول الضغط عليه من أجل إفشال الخطة المصرية.
كشف مسئولون أمريكيون لـموقع ميدل إيست آي” البريطاني، أن الإمارات تضغط على إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لنسف خطة ما بعد الحرب على قطاع غزة، والتي صاغتها مصر، وأقرتها جامعة الدول العربية.
نقل الموقع عن مسئول أمريكي، إن الإمارات ليست الدولة الوحيدة التي عارضت خطة جامعة الدول العربية عند الاتفاق عليها، لكنها تعارضها بشدة مع إدارة ترامب، وتستغل نفوذها غير المسبوق في البيت الأبيض، لانتقاد الخطة، باعتبارها غير قابلة للتنفيذ، لكن السبب الحقيقي هو حماس.
العتيبة.. كلمة السر

سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة، هو وسيلة ممارسة تلك الضغوط والتي يحاول تمريرها عبر الدائرة المقربة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمشرعين الأمريكيين من أجل قبول الفلسطينيين المهجرين قسرًا بمصر.
سبق أن صرح العتيبة رسميًا بأنه لا يرى “بديلًا” لدعوة ترامب في وقت سابق من هذا العام لتهجير الفلسطينيين قسرًا خارج قطاع غزة، لأن خطة مصر بشأن غزة لم تحدد بشكل دقيق لكيفية نزع سلاح حماس وإخراجها من قطاع غزة، وفقا للرواية الإماراتية.
قال مصدر مطلع، إن الإمارات، التي ترى في حماس والإسلاميين الآخرين تهديدًا وجوديًا، تريد نزع سلاح الحركة بشكل فوري وكامل، بينما تدعو دول عربية أخرى إلى نهج تدريجي، لكن ما تحاول الإمارات توصيله للبيت الأبيض، هو أنها غير مستعدة لتمويل إعادة إعمار غزة، إذا ظلت حماس بالسلطة.
تفاصيل الخطة المصرية متكاملة

في المقابل، يقول مسئولون مصريون، إن الخطة واضحة في أن السلطة الفلسطينية ستتولى إدارة القطاع، وتدعو الخطة إلى تشكيل قوة أمنية في غزة تُدربها الأردن ومصر، وتترك الباب مفتوحًا أمام نشر قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة بغزة والضفة الغربية المحتلة. وقد أعلنت حماس قبولها لها.
خطة مصر لإعادة إعمار غزة هي وثيقة من 112 صفحة، تتضمن خرائط لكيفية إعادة تطوير أراضيها، وعشرات الصور الملونة المُولّدة بالذكاء الاصطناعي لمشاريع سكنية وحدائق ومراكز مجتمعية، وتشمل الخطة ميناءً تجاريًا، ومركزًا للتكنولوجيا، وفنادق شاطئية، ومطارًا.
ستُنفَّذ المرحلة الأولى من الخطة على مدى ستة أشهر تقريبًا. وسينصبّ التركيز على إزالة الأنقاض، وإزالة الذخائر غير المنفجرة، وتوفير مساكن مؤقتة للنازحين جراء النزاع. والهدف هو استقرار الوضع الإنساني وإرساء أسس جهود إعادة إعمار أوسع نطاقًا.
تمثل المرحلة الثانية، التي ستُنفَّذ على مدى عامين، جوهر عملية إعادة الإعمار، وتهدف إلى بناء 200 ألف وحدة سكنية، مع إعادة تأهيل الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه وشبكات الطرق والمدارس والمستشفيات. ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة هذه المشاريع 20 مليار دولار، وستكون حاسمة في إعادة ترسيخ مستويات معيشة لائقة لسكان غزة.
أما المرحلة الأخيرة، التي ستستمر عامين ونصف، فهي مُصمَّمة لتحويل غزة إلى اقتصاد مزدهر ومُستدام، وتُعطي هذه المرحلة الأولوية لإنشاء مناطق صناعية، بالإضافة إلى ميناء بحري ومركز تكنولوجي ومرافق سياحية ساحلية، بهدف خلق فرص عمل وتعزيز التجارة.
البديل.. السودان والصومال
بحسب صحيفة “فاينانشال تايمز”، فإن إدارة ترامب تواصل الضغط على السودان وحكومة أرض الصومال غير المعترف بها لقبول الفلسطينيين النازحين قسرًا، وللإمارات دور في البلدين، إذ تدعم قوات الدعم السريع التي تحارب الجيش السوداني وتمده بالسلاح منذ شهور.
يُعد بيتر فام، المرشح المتوقع لإدارة ترامب لشئون إفريقيا في وزارة الخارجية، مؤيدًا صريحًا لاستقلال أرض الصومال التي تُعدّ الإمارات العربية المتحدة القوة الرئيسية بها، حيث تُدرّب قوات الأمن وتسيطر على الميناء الرئيسي من خلال شركتها المملوكة للدولة، مواني دبي العالمية.
مع تصميم إدارة ترامب على خطة التهجير رغم جدوى خطة مصر بشأن غزة غضب، يبدي المسئولون المحترفون في وزارة الخارجية الأمريكية امتعاضهم، خاصة بعد إعلان فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا أنها تُؤيد جميعها إطار العمل المصري.
اقترحت مصر إنشاء صندوق خاضع لإشراف دولي لتوجيه الدعم المالي للمشروع من الجهات المانحة الدولية. ومن المتوقع أن يكون من بين المساهمين الرئيسيين دول الخليج الغنية، مثل السعودية، بجانب الاتحاد الأوروبي وهيئات دولية أخرى، وستُعقد مؤتمرات للمانحين قريبًا لحشد الموارد، والحصول على التزامات مُلزمة من الدول المشاركة، ووضع آليات لضمان الشفافية والمساءلة في تخصيص الأموال واستخدامها.
ماذا تريد الإمارات؟
على المستوى المعلن، يعلن رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رفض الإمارات لأي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، ومنع توسع الصراع في غزة، وأهمية ربط إعادة إعمار غزة بمسار يؤدي إلى سلام شامل ودائم قائم على حل الدولتين، باعتباره السبيل الوحيد لضمان الاستقرار في المنطقة”.
لكن المصادر الغربية، كشفت أن الإمارات تريد خيار التهجير بقوة، وعرضت استضافة عدد محدود من سكان غزة، لا سيما ما يسمى أعضاء التيار الإصلاحي التابع لمحمد دحلان، المستشار الخاص لرئيس الإمارات، مع عائلاتهم، كجزء من تنفيذ خطة ترامب.
ووفقًا للمصادر، ترى الإمارات أن خيار تهجير سكان غزة هو الخيار الوحيد القادر على تدمير قدرات المقاومة الفلسطينية بشكل كامل والقضاء على جميع عناصرها، وبالتالي حل الأزمات الناجمة عن التوتر المستمر في القطاع بشكل نهائي.
أضافوا أن الإمارات ترى أن خطة ترامب المتعلقة بـ”سيطرة” الولايات المتحدة على غزة وضرورة تهجير سكانها الفلسطينيين من المرجح، أن تُثير توترات بالمستقبل القريب، لكنها تُمثل حلاً طويل الأمد، حتى لو أدى ذلك إلى تصعيد التهجير القسري والتطهير العرقي للفلسطينيين بغزة.
جزء من تأييد الإمارات للرؤية الأمريكية هي العلاقات الممتدة مع ترامب تحديدًا، فكانت الإمارات من أوائل الدول العربية التي وقّعت اتفاقيات إبراهيم في نهاية ولاية ترامب الأولى، مما أدى إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما يمتلك ترامب عقارات كبيرة بالإمارات منذ فترة طويلة.
ويرتبط جزء آخر بتنامي العلاقات العسكرية بين إسرائيل والإمارات على مدار السنوات الماضية، حتى أن رئيس لجنة الدفاع والخارجية في المجلس الوطني الاتحادي بدولة الإمارات، الدكتور علي راشد النعيمي، عبر بجلاء عن تلك الرؤية الإماراتية، في مؤتمر صحفي للجمعية اليهودية الأوروبية، ولجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “أيباك”.، حينما قال: ” إسرائيل موجودة لتبقى، وجذور اليهود.. ليست في نيويورك أو باريس، بل هنا في منطقتنا” قاصدا هنا المنطقة العربية.
في سبتمبر 2022، نشرت الإمارات نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي “باراك 8″؛ من أجل الدفاع ضد الهجمات الصاروخية والطائرات، دون طيار الإيرانية. وفي عام 2021 وصلت مبيعات الأسلحة في البلاد إلى مستوى قياسي بلغ 11.3 مليار دولار، حيث ذهبت 7 ٪ من هذه المشتريات إلى دول الخليج، وفقًا لأرقام جيش الاحتلال.
الإمارات وقطر
في يوليو 2024، دعت الإمارات إلى نشر قوة متعددة الجنسيات في غزة، وحذّرت حماس علنًا، من أنها ستُعامل أي وجود عسكري أجنبي دائم في غزة، على أنه عدائي، رغم أن حماس وافقت على مقترح مصري يتضمن أيضًا نفس الفكرة، لكن السبب في اختلاف الموقف هو الجهة التي تقدمه.
الأمر ذاته يتكرر مع مبادرة الإغاثة الإماراتية التي أطلقتها بعنوان “الفارس الشجاع 3″، لإصلاح شبكات الصرف الصحي المتضررة في قطاع غزة، وتحديدًا في خان يونس، ورغم أن الهدف الإنساني هو المعلن، لكن دارت شكوك بسبب التقارب الكبير بين تل أبيب وأبوظبي.
بعض التقارير أبدت استغرابًا من تركيز الإمارات على إصلاح شبكات الصرف الصحي، بدلاً من إعادة بناء آلاف المنازل والمنشآت المدمرة، وأعربت عن خشيتها من أن يكون الصرف الصحي بالذات هدفه كشف شبكة أنفاق المقاومة التي عجز الاحتلال عن تدميرها رغم القصف المكثف.
تسعى الإمارات إلى أن تحل محل قطر كلاعب خليجي رئيسي بغزة بعد الحرب، بدعم من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فالمساعدات الإنسانية التي تقدمها الإمارات، واحتمال إعادة الإعمار بتمويل إماراتي بعد الحرب، تأتي ضمن خطة لتهميش حماس.
قال سلطان محمد الشامسي، مساعد وزير الخارجية الإماراتي لشؤون التنمية والمنظمات الدولية، إن “أبوظبي” أنفقت على جهود الإغاثة للأراضي الفلسطينية حوالي 700 مليون دولار، ويشمل ذلك إنشاء مستشفى ميداني ومنشأة طبية مؤقتة ثانية على متن سفينة راسية بالقرب من غزة بالبحر الأبيض المتوسط.
تتفق الإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة على تهميش السلطة الفلسطينية المعترف بها دوليًا، خاصة بعدما رفضت تل أبيب أي دور للسلطة بغزة بعد الحرب، كما دعت أبوظبي إلى إصلاح السلطة التي ترى أنها “غير فعالة”.