بقلم – أمجد فريد الطيب

المدير التنفيذي لمركز فكرة للدراسات والتنمية

ترجمة -دعاء عبد المنعم

المقال الأصلي تم نشره على موقع فورين بوليسي بتاريخ 17 مارس 2025.

في السادس من مارس، أعلنت محكمة العدل الدولية، أن السودان رفع دعوى قضائية ضد دولة الإمارات العربية، متهمًا إياها بالتواطؤ في جريمة الإبادة الجماعية داخل السودان.

 ويزعم السودان، أن دعم دولة الإمارات العربية المستدام لقوات الدعم السريع؛ وهي جماعة شبه عسكرية، تخوض صراعًا وحشيًا على السلطة ضد القوات المسلحة السودانية منذ إبريل 2023، بمثابة التحريض على جريمة حرب.

تشير القضية أيضًا إلى ارتكاب قوات الدعم السريع فظائع وحشية موثقة ضد المساليت ــ وهي جماعة عرقية تسكن إقليم دارفور.

 فبين مايو ويونيو عام 2023، ذُبح ما يصل إلى 15 ألفا من المدنيين من المساليت في غرب دارفور، ونزح ما لايقل عن 500 ألف منهم إلى تشاد، وتكرر هذا المشهد سابقًا في أوائل العقد الأول من القرن، عندما ارتكبت ميلشيات الجنجويد، أسلاف القوات الدعم السريع، جرائم مشابهة لصالح الرئيس السابق عمر البشير.  

تتهم السودان الإمارات بخرق اتفاقية منع الإبادة الجماعية من خلال تمكين القوات الدعم السريع من ارتكاب هذه الجرائم.

وثقت التقارير من مركز راؤول ولينيرج لحقوق الإنسان وهيومن رايتس ووتش أدلة جنائية مفصلة، تحتوي على عمليات القتل المنهجية، والعنف الجنسي وحرق جميع قرى غرب دارفور. وتوضح صور الأقمار الصناعية التي حللها مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل الامريكية حجم الدمار للتجمعات السكنية على نطاق واسع.

يعزز تقرير الأمم المتحدة المتعلق باكتشاف مقابر جماعية، هذه الأدلة بعد هجمات قوات الدعم السريع الأخيرة.

ويذكر الناجون من هذه الأعمال الوحشية، أن قوات الدعم السريع تستهدف جماعات المساليت؛ بسبب عرقهم، ويرددون عبارات عنصرية أثناء إعدام المدنيين ومنهم أطفال، مما يظهر أدلة واضحة على نية الإبادة الجماعية.

وصنفت وزارة الخارجية الأمريكية أعمال قوات الدعم السريع، على أنها إبادة جماعية برغم تأخر هذا التصنيف في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن.

دور الإمارات ليس تخمينًا، بل حقيقة موثقة بدقة.

في يناير 2024، قدم فريق خبراء مجلس الأمن أدلة موثوقة، توضح مشاركة الإمارات في هذه الأعمال، وتزويدها قوات الدعم السريع أسلحة عبر قاعدتها في أمدجراس بتشاد.

خلصت بيانات الرحلات الجوية وصور الأقمار الصناعية التي تم تحليلها من خلال مرصد الصراعات؛ وهي منظمة غير حكومية، تحقق في تقارير جرائم الحرب في السودان وأوكرانيا، إلى “يقين شبه مؤكد” أن الامارات نقلت الأسلحة إلى قوات الدعم السريع.

وذكرت رويترز، أن هناك ما لا يقل عن 86 رحلة جوية من الإمارات إلى أمداجراس منذ بداية الحرب، تشغل ثلاثة أرباع منهم شركات النقل المرتبطة سابقًا بتجارة الأسلحة.

كشفت جريدة نيويورك تاتمز عن قاعدة مسيرات إماراتية سرية في مطار أمدجراس قرب الحدود السودانية، تدعم قوات الدعم السريع، وكشف التحقيق عن طائرات مسيرة صينية الصنع من طراز وينج لونج بعيدة المدى، أطلقت من مهبط طائرات مموه، على أنه مشروع إنساني متعلق بمستشفى الهلال الأحمر الإماراتية.

وسجلت المليشيات المجهزة بطائرات مسيرة معدلات وفيات أعلى بين المدنيين في المواجهات المدنية.

يفاقم النفوذ المالي والدبلوماسي للإمارات هذا التحدي، وقوتها المعتمدة على النفط والتجارة وناتجها المحلي البالغ 569 مليار دولار، ما يجعلها أقوى بكثير من السودان الذي يبلغ ناتجه المحلي 30 مليار دولار، إضافة إلى علاقاتها الوثيقة مع الحكومات الغربية، وهو ما يجعل الأمر أكثر سوءًا.

أكد السيناتور الأمريكي كريس فان هولين، والنائبة سارة جاكويس، اللذين حاولا منع صفقة أسلحة بقيمة 1.2 مليار دولار للإمارات العام السابق، تراجع الإمارات عن تعهداتها بوقف الدعم لقوات الدعم السريع وفق إحاطات بايدن، وهو خرق أدى إلى تمكين قوات الدعم السريع من قتل الآلاف.

وهذه القضية سوف تختبر المحاكم العالمية، ما إذا كانت تحاكم الدول القوية أو تستسلم للضغوط الإجرائية والسياسة في ظل ضعف نظام العدالة الدولية متجسدة في العقوبات الأمريكية الأخيرة على المحكمة الجنائية الدولية.

وفي ديسمبر 2023، رفعت جنوب إفريقيا دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، تتهم إسرائيل بارتكاب الإبادة الجماعية في غزة.

 ودعمت عدة دول من الجنوب العالمي هذه القضية بحماس، وهي الجزائر وبنجلاديش والبرازيل وتشيلي والمكسيك وباكستان.

وكانت القضية بمثابة نقطة محورية في تكافل الجنوب العالمي.

وتأثرت قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بإرثها الأخلاقي في مناهضة الفصل العنصري والاستعمار.

ويفتقر تاريخ السودان الحالي إلى هذه المزايا، ولكن أزمته الحالية تكشف عن التحديات الخطيرة التي تواجهها الكثير من دول، ما بعد الاستعمار التي تشمل الاستغلال بواسطة القوى الخارجية والداخلية.

ويعد الصراع الحالي الذي يشمل المعاناة المدنية الجسيمة والنزوح والعنف المستهدف وانهيار مؤسسات الدولة من أخطر الأزمات السياسية والإنسانية في وقتنا الحالي.

ورغم ذلك، فهو ليس ببساطة صراعا محددا، بل هو أحد مظاهر الإهمال الدولي والتلاعب الإقليمي والتهميش المستمر لإفريقيا.

إذا لم تُقدّم الدول التي ساندت جنوب إفريقيا دعمًا مماثلًا للسودان، فسيُقوّض ذلك سلامة المبادئ التي يُبنى عليها التضامن العالمي بين بلدان الجنوب.

كما يُخاطر بتعزيز أوجه عدم التكافؤ في تطبيق القانون الدولي، حيث تُسخّر القوى العظمى العدالةَ انتقائيًا، بينما تُحرم الفئات الضعيفة منها بشكل ممنهج.

لا ينبغي الخلط بين دعم القضية ضد الإمارات العربية المتحدة ودعم الحكومة السودانية في صراعها مع قوات الدعم السريع، فسجل القوات المسلحة السودانية ليس خاليًا من العيوب.

فقد وجد مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاع المسلح (ACLED)، أن القوات المسلحة السودانية مسئولة عن حوالي 200 حادثة، أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين في عام 2024، مقارنةً بحوالي 1300 حادثة، نُسبت إلى قوات الدعم السريع.

وفي حين يتم تصوير خسائر القوات المسلحة السودانية غالبًا، على أنها أضرار جانبية في عمليات مكافحة التمرد، فإن هذا لا يُعفي الجيش من مسئوليته عن الأضرار أو من واجبه في الحد منها. علاوة على ذلك، أدت العراقيل البيروقراطية التي فرضتها الحكومة السودانية على المساعدات الإنسانية، إلى تفاقم ما يُعتبر الآن أسوأ كارثة إنسانية في التاريخ الحديث.

بدلاً من ذلك، ينبغي أن يكون دعم قضية السودان قائماً على مبدأ، فشبكات المحسوبية الواسعة التي تمتلكها الإمارات العربية المتحدة، والتي تدعمها ثروتها النفطية ونفوذها، إضافة إلى تحالفاتها الاستراتيجية مع قوى غربية وغير غربية، تجعل من انتهاكاتها المزعومة أكثر خطورة.

 الإمارات العربية المتحدة، التي لا رقيب عليها، والتي يشجعها الإفلات من العقاب، ستواصل التلاعب بالصراعات الإقليمية- من السودان إلى ليبيا واليمن وسوريا- ما يُقوّض العديد من الدول ذات السيادة في الجنوب العالمي في سعيها وراء الموارد والنفوذ.

إن المخاطر كبيرة للغاية بالنسبة لنظام العدالة الدولي، قد يُعزز صدور حكم ناجح مصداقية محكمة العدل الدولية، لكن ذلك يتطلب دعمًا واسع النطاق، بنفس الروح التي غذّت قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل.

لا شك أن الإمارات العربية المتحدة ستتستر وراء تحفظها على المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، التي تُرسي اختصاص محكمة العدل الدولية على تطبيق الاتفاقية، إلا أن فقهاء القانون شككوا في صحة التحفظات على المادة التاسعة لتعارضها مع روح الاتفاقية وتحصين الدول من المساءلة.

وقد أصدرت محكمة العدل الدولية نفسها رأيًا استشاريًا عام ١٩٥١، نصّ على أنه لا يمكن قبول التحفظات على معاهدات مثل، اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، إلا إذا لم تتعارض مع هدف المعاهدة وغايتها، التي تهدف إلى منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.

ومن خلال الفشل في دعم السودان بشكل حاسم، فإن دول الجنوب العالمي ستترك فراغا في السلطة، يدعو إلى استغلاله من قبل جهات فاعلة أقوى من أجل إقامة قواعد عسكرية، أو استخراج الموارد، أو النفوذ الجيوسياسي.

في الواقع، إذا تم تجاهل مظالم السودان، فإن الصمت سوف يعزز نموذجاً، تتفوق فيه الثروة والسلطة على المساءلة، مما يجعل الضحايا السودانيين مجرد أضرار جانبية في لعبة جيو سياسية.