بقلم: شهاب المصري

عاصفة هبت فجأة على الحياة السياسية التركية المعروفة بالتنافس الحزبي الشديد، وبشكل خاص بين حزبي العدالة والتنمية الحاكم والشعب الجمهوري المعارض، والذي يرى نفسه حاملا لتراث أتاتورك والعلمانية التركية، خاصة بعد القبض على عدد من قيادات حزب الشعب، وعلى رأسهم أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول، وتوقيف 100 شخص للتحقيق معهم في شبهات، تتعلق بالفساد والرشوة منهم  مستشاره الإعلامي، مراد أونغون وبعض معاونيه وعدد آخر من رؤساء البلديات الفرعية بإسطنبول.

 أدان حزب الشعب اعتقال أوغلو، ووصفه بـ”انقلاب مدني”، قبل أيام فقط من ترشيحه المتوقع لانتخابات الرئاسة المقررة في 2028.

 في حين أغلقت السلطات عدة طرق حول إسطنبول، وحظرت المظاهرات في المدينة لمدة أربعة أيام، في محاولة لمنع الاحتجاجات.

وسبق للحزبين خوض جولات صراع سياسية محتدمة في العامين الأخيرين مع تحالفات حزبية منها تحالف الشعب، وتحالف الأمة، في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة عام 2023، وانتهت بتعادل شبه جزئي بعد حسم أردوغان مقعد الرئاسة في معركة الإعادة بينه وبين كليتشدار أوغلو زعيم الشعب الجمهوري بفارق 4 % من الأصوات بعد معركة إعادة حامية.

 كما نجح العدالة والتنمية في الفوز بأغلبية نسبية في البرلمان التركي مع حلفائه، بينما فاز الشعب الجمهوري بالنسبة الأكبر من البلديات من بينها إسطنبول وأنقرة وأزمير.

وفاز أكرم إمام أوغلو في انتخابات البلديات بإسطنبول عام 2024، ضد مرشح العدالة والتنمية للمرة الثانية، وتنبأ له الكثيرون بمستقبل سياسي أكبر.

ومنذ هذا الوقت لمح الكثيرون بوادر تنافس شديد بين أوغلو والرئيس أردوغان والذي يتولى الرئاسة منذ عام 2014

 ظهر طموح “أوغلو” للترشح على مقعد الرئاسة، وهو ما حاول القيام به في الانتخابات الأخيرة، إلا أن كليتشدار أوغلو رئيس الحزب وقتها وأحد الزعماء التاريخيين للحزب، أصر على الترشح، رغم أن هناك أعضاء في التحالف السداسي الذي كان يضم أحزاب الجيد والسعادة، والشعوب الكردي وأحزاب أخرى، كانوا متحمسين لترشح “إمام أوغلو”.

وما تم القبض على “أوغلو” بسببه يتركز في قضيتين أساسيتين: أولهما تحمل اسم “اتفاقية المدينة”، حيث وجهت النيابة تهماً لإمام أوغلو بالتوصل لاتفاق مع حزب العمال الكردستاني الذي يعد منظمة إرهابية في تركيا، حيث تقول النيابة، إنه “إمام أوغلو” أدخل أشخاصاً، ينتمون لهذه المنظمة المحظورة إلى انتخابات البلدية تحت مظلة حزب الشعب الجمهوري، ومنحهم صلاحيات اتخاذ القرارات، والمشاركة في إدارة البلديات.

أما القضية الثانية تحمل اسم Medya A.Ş، وهي شركة إعلامية تتبع لبلدية إسطنبول الكبرى، ووجه النائب العام في إسطنبول لأوغلو تهمة تأسيس هذه الشركة بهدف جني الأرباح. [1]

ويذكر أن هناك قضية سابقة، سبق أن صدر حكم فيها على ” أكرم” في عام 2022 بالسجن 31 شهرا، والمنع من العمل السياسي بتهمة إهانة أعضاء المجلس الأعلى للانتخابات أثناء الانتخابات البلدية التي جرت عام 2019. ولا يزال هناك مراحل بالاستئناف.

من القضايا الأخرى التي يواجهها “أوغلو” أيضاً، قضية فساد تعود إلى ما قبل عام 2018، ولا يزال ملفها مفتوحاً حتى اليوم، كما يواجه تحقيقاً في مزاعم إنفاق غير قانوني على خلفية قيام البلدية بتنظيم فعاليات فنية بمبالغ باهظة، كما رُفعت ضده دعوى قضائية بعد تصريحات انتقد فيها المدعي العام.

من جانب آخر وجه إلى “إمام أوغلو” وآخرين عدة اتهامات أخرى أبرزها:

ـ إن شهادته الجامعية بالتخرج من جامعة إسطنبول غير قانونية؛ بسبب كون انتقاله عام 1990 من جامعة خاصة في شمال قبرص إلى كلية إدارة الأعمال التابعة لها، تمت بالمخالفة للقانون الأمر الذي قد يعرضه لفقدان فرصة الترشح للرئاسة، حيث يشترط الدستور التركي ضرورة حصول المرشح على الشهادة الجامعية. وتم القبض على عدة اشخاص آخرين، نسب إليهم ذات الاتهامات.

وهناك من يرى مجمل الأمر، على أنه “صراع سياسي في ثوب قانوني” بين أردوغان و”أوغلو”، باعتباره من أبرز المرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، والمقرر أن تجرى رسميا عام 2028، إلا أن هناك تكهنات بالدعوة لانتخابات مبكرة، في حال رغبة الرئيس أردوغان خوضها، لأن هذه دورته الثانية، ولا يسمح الدستور إلا بدورتين رئاسيتين، ويمكن السماح له بالترشح مرة أخرى في حال تعديل الدستور، أو الدعوة لانتخابات مبكرة.

من جهة أخرى، يرى الطرف الآخر، أن بعض من أثار الاتهامات ضد “أوغلو” كان من بين أعضاء حزبه المعارض، ومنها توزيع أموال داخل المؤتمر العام السابق الذي انتخب فيه الرئيس الحالي للحزب، وأن الاتهامات يجب أن يحكم فيها القضاء، وأن أوغلو ليس فوق القضاء، مشيرين أن تلك الاتهامات تتضمن شبهات بحقه.

وهنا ينبغي الإشارة إلى عدة نقاط، أن صراع أوغلو بالترشح عن حزبه على مقعد الرئاسة غير محسوم بشكل نهائي في ظل رغبة آخرين بالترشح أيضا منهم القيادي منصور يافاش، والذي يرأس بلدية أنقرة.

وقد ينتهي هذا الصراع الداخلي بانقسام حزبي، يقلل من فرص “أوغلو” في حالة نجاحه في الترشح أساسا مقابل نجاح أردوغان، كما حدث في الانتخابات السابقة التي جرت عام 2023.

من جهة أخرى، كانت هناك فرصة “لأوغلو” في الترشح في الانتخابات السابقة، ولم ينجح فيها؛ بسبب إصرار كليتشدار أوغلو رئيس الحزب وقتها على الترشح، ومع ذلك اتصفت تلك الانتخابات بالشراسة، ودخل كليتشدار جولة إعادة وخسر بفارق مليوني صوت.

لماذا الآن بالتحديد؟  

يجادل البعض بأن القرار الذي اتخذته جامعة إسطنبول ببطلان الشهادة الجامعية لأوغلو في 10 مارس الجاري في حالة عدم رفضه قضائيا، كفيل بمنع ” أوغلو” من الترشح للرئاسة القادمة، كما سبق القول، وهنا يقفز التساؤل، لماذا يتم تصعيد الموقف باختلاق اتهامات له؟

رغم أن كثيرين يرون أن “أوغلو” لم يحقق الكثير لأهالي إسطنبول في الخدمات المحلية، وتطوير المدينة، إلا أن حالة الاستقطاب السياسي بين أنصار حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري تخلق حالة من التأييد “لأوغلو” في إسطنبول، ظهرت في انتخابات البلديات الأخيرة، بالإضافة إلى أن تمتع “أوغلو” بكاريزما عالية، وأنه يتقن تسويق نفسه إعلاميا، وهو مرشح بقوة للنجاح، إذا دخل الانتخابات حال عدم ترشح أردوغان، كما أنه يمثل تحديا لأردوغان في حالة حدوث معركة بين الرجلين.

وهناك من يشير، إلى أن الصراع بين الرجلين يأتي؛ بسبب انتقادات أوغلو اللاذعة المتكررة لأردوغان.

وفي حالة ثبوت تلك الاتهامات قد يتم إقصاء “أوغلو” عن بلدية إسطنبول، إذ يسمح القانون التركي للحكومة باستبدال رؤساء البلديات المنتخبين بأمناء تُعيّنهم الدولة، إذا أدت تهم الإرهاب إلى إجراءات قانونية.

تحركات اردوغان أدت إلى رفض متوقع من قادة الحزب وحلفائهم في المعارضة، ويعتمد أوغلو وحزبه على خلق استنفار جماهيري من أنصاره، وهو ما ظهر في فيديو قصير، تحدث فيه قبل القبض عليه من منزله، حيث تظاهر أنصاره أمام مقر البلدية.

 ويرى رئيس حزب الشعب الجمهوري ” أوزغور أوزيل”، أن ما حدث محاولة لوقف الرئيس القادم من الترشح.

على مستوى آخر، هناك تحفظ ورفض من جانب بلدان أوروبية لهذه القرارات، وبشكل خاص ألمانيا، واعتبارها استخداما للقضاء لتحقيق أهداف سياسية بإقصاء أوغلو، والذي يتمتع بعلاقات قوية مع الكثير منها.

كما أدت هذه الخطوة إلى نتائج اقتصادية بانهيار الليرة بنسبة 11%، وتدخل البنك المركزي التركي لدعمها بمليارات الدولارات، حتى لا تهبط أكثر من ذلك.

فضلا عن رفض شريحة كبيرة من الأتراك، خاصة المنتمين منهم إلى الشعب الجمهوري لهذه الخطوة، مشيرين إلى أبعادها السياسية.

وهناك عدة احتمالات قد تحدث في الفترة القادمة أهمها:

أولى الاحتمالات، وهي مستبعدة من البعض، بأن يتم إطلاق سراح “أوغلو”، ليعود بعد ذلك إلى مهامه، ويواصل عمله رئيسا لبلدية إسطنبول.

وهناك احتمال إطلاق سراحه، لكن قد تتجه وزارة الداخلية إلى عزله من منصبه، وتعين “قائما” على البلدية بدلا عنه، لأنه قيد التحقيق بتهم “الإرهاب”.

ويذهب الاحتمال الثالث باتجاه الإبقاء عليه محبوسا بتهمة “مساعدة منظمة إرهابية”، وهي إحدى التهم الموجهة إليه.

ويشير الاحتمال الرابع، بأن يظل إمام أوغلو مقبوضا عليه، وهنا قد يلجأ مجلس بلدية إسطنبول الكبرى لإجراء انتخابات لاختيار رئيس بلدية مكانه. [2].

بالتأكيد في النهاية، ستكون هناك آثار ذات بعد سياسي على خلفية هذه الأحداث الأخيرة، تتعلق بالمستقبل السياسي لأوغلو، وعلى مواقف حزبه، وقد يصب ذلك في اختيار منافسين آخرين من داخل الحزب في الانتخابات الرئاسية القادمة .

وقد تؤدي إلى نتائج مختلفة على مستوى التنافس السياسي بإبعاد “أوغلو” كلية عن المعركة الانتخابية، وهو ما يصب في صالح حزب العدالة والتنمية.


[1] تفاصيل اعتقال المعارض التركي أكرم إمام أوغلو، إسماعيل درويش: 20/3/2025 ، موقع اندبندنت عربية.

[2]  صراع مواقف ودعوات”.. 4 احتمالات في قضية إمام أوغلو: ضياء عودة، 21/3/2025، موقع الحرة.